بازگشت

في ذکر طول تعميره


و ليس تعميره (ع) أمرا لم يحصل لغيره من الأنام حتي ينکره الأفهام أو يعترض فيه الشک و الأوهام بل قد حصل للأنبياء و الأولياء و لکثير من الأمم و الأشقياء و قد ورد بذلک أخبار الأمم الماضين و تضمنت ذلک التواريخ و الکتب من جملتها کتاب المعمرين فمن ذلک ما صح لي روايته

عن الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه يرفعه إلي هشام بن سالم عن الصادق (ع) قال عاش نوح ألفي سنة و خمسمائة سنة منها ثمانمائة و ستة و خمسون سنة قبل أن يبعث و ألف سنة إلا خمسين سنة و هو في قومه يدعوهم و سبعمائة عام بعد ما نزل من السفينة و نضب الماء و مصر الأمصار و أسکن ولده في البلدان ثم إن ملک الموت جاء و هو في الشمس فقال السلام عليک فرد عليه السلام فقال ما جاء



[ صفحه 85]



بک يا ملک الموت فقال جئتک لأقبض روحک فقال له تدعني حتي أدخل من الشمس إلي الظل فقال نعم قال فتحول نوح (ع) ثم قال يا ملک الموت کأني ما مر بي من الدنيا مثل تحولي من الشمس إلي الظل فامض لما أمرت به قال فقبض روحه ع

و بالطريق المذکور قال کانت أقل أعمار قوم نوح ثلاثمائة سنة

و من ذلک بالطريق المذکور

يرفعه إلي محمد بن يوسف التميمي عن الصادق عن أبيه عن جده عن رسول الله ص قال عاش آدم أبو البشر تسعمائة سنة و ثلاثين سنة و عاش إبراهيم مائة و خمسا و سبعين سنة و عاش إسماعيل مائة و عشرين سنة و عاش نوح (ع) ألفي سنة و أربعمائة سنة و خمسين سنة و إسحاق مائة و ثمانين و يعقوب مائة و خمسة و أربعين و يوسف مائة و عشرين و کذا موسي و هارون مائة و ثلاثة و ثلاثين و داود مائة سنة ملک منها أربعين و سليمان سبعمائة و اثنتي عشرة سنة

و من المعمرين الدجال بالطريق المذکور قال ابن سمرة خطبنا أمير المؤمنين (ع) فحمد الله و أثني عليه و ذکر النبي و صلي عليه ثم قال



[ صفحه 86]



سلوني يا أيها الناس قبل أن تفقدوني ثلاثا فقام صعصعة بن صوحان فقال يا أمير المؤمنين متي يخرج الدجال فقال له (ع) اقعد فقد سمع الله کلامک و علم ما أردت و الله و الله ما المسئول عنه بأعلم من السائل و لکن لذلک علامات و هيئات يتبع بعضها بعضا کحذو النعل فإن شئت أنبأتک بها قال نعم يا أمير المؤمنين فقال علي (ع) احفظ فإن علامة ذلک إذا أمات الناس الصلاة و أضاعوا الأمانة و استحلوا الکذب و أکلوا الربا و أخذوا الرشي و شيدوا البناء و قطعوا الأرحام و اتبعوا الأهواء و استخفوا بالدماء و کان الحلم ضعفا و الظلم فخرا و کانت الأمراء فجرة و الوزراء ظلمة و العرفاء خونة و القراء فسقة و ظهرت شهادة الزور و استعلن الفجور و قول البهتان و الإثم و الطغيان و حليت المصاحف و زخرفت المساجد و طولت المنابر و أکرم الأشرار و ازدحمت الصفوف و اختلفت القلوب و نقضت العهود و اقترب الموعود و شارک النساء أزواجهن في التجارة حرصا علي الدنيا و علت أصوات الفساق و استمع منهم و کان زعيم القوم أرذلهم و اتقي الفاجر مخافة شره و صدق الکاذب و اؤتمن الخائن و اتخذت القيان و المعازف و لعن آخر هذه الأمة أولها و رکب ذوات الفروج السروج و تشبه الرجال بالنساء و النساء بالرجال و أشهد الشاهد من



[ صفحه 87]



غير أن يستشهد و شهد الآخر قضاء لذمام بغير حق عرفه و تفقه لغير الدين و آثروا عمل الدنيا علي الآخرة و لبسوا جلود الضأن علي قلوب الذئاب و قلوبهم أنتن من الجيفة و أمر من الصبر فعند ذلک الوحا الوحا ثم العجل العجل خير المساکن حينئذ بيت المقدس ليأتين علي الناس زمان يتمني أحدهم أنه من سکانه فقام إليه الأصبغ بن نباتة فقال يا أمير المؤمنين من الدجال فقال إن الدجال الصائد بن الصيد فالشقي من صدقه و السعيد من کذبه يخرج من بلد يقال له أصبهان من قرية تعرف باليهودية عينه اليمني ممسوحة و الأخري في جبهته کأنها کوکب الصبح فيها علقة کأنها ممزوجة بالدم بين عينيه مکتوب کافر يقرأه کل کاتب و أمي يخوض البحار و تسير معه الشمس بين يديه جبل من دخان و خلفه جبل أبيض يري الناس أنه طعام يخرج حين يخرج من قحط شديد تحته حمار أقمر خطوة حماره ميل تطوي له الأرض منهلا منهلا لا يمر بماء إلا غار إلي يوم القيامة ينادي بأعلي صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن و الإنس و الشياطين يقول إلي أوليائي أنا الذي خلق فسوي و قدر فهدي



[ صفحه 88]



أنا ربکم الأعلي و کذب عدو الله إنه أعور يطعم الطعام و يمشي في الأسواق و إن ربکم ليس بأعور و لا يطعم الطعام و لا يمشي في الأسواق ألا إن أکثر أتباعه يومئذ أولاد زنا و أصحاب الطيالسة الخضر يقتله الله عز و جل بالشام علي عقبة تعرف بعقبة أفيق لثلاث ساعات من يوم الجمعة علي يدي من يصلي المسيح عيسي ابن مريم خلفه ألا إن بعد ذلک الطامة الکبري قلنا و ما ذاک يا أمير المؤمنين قال خروج دابة من الأرض من عند الصفا معها خاتم سليمان و عصا موسي تضع الخاتم علي وجه کل مؤمن فيطبع فيه هذا مؤمن حقا و يضعه علي وجه کل کافر فيکتب فيه هذا کافر حقا حتي أن المؤمن ينادي الويل لک يا کافر و أن الکافر ينادي طوبي لک يا مؤمن وددت أني اليوم مثلک فأفوز فوزا عظيما ثم ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله عز و جل و ذلک بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلک ترفع التوبة فلا توبة تقبل و لا عمل يرفع و لا ينفع نفسا إيمانها لم تکن آمنت من قبل أو کسبت في إيمانها خيرا ثم قال (ع) لا تسألوني عما بعد ذلک فإنه عهد إلي حبيبي ألا أخبر به غير عترتي قال ابن سمرة فقلت لصعصعة ما عني أمير المؤمنين (ع) بهذا القول قال يا ابن سمرة إن الذي يصلي خلفه عيسي هو الثاني عشر من العترة



[ صفحه 89]



التاسع من ولد الحسين (ع) و هو الشمس الطالعة من مغربها يظهر عند الرکن و المقام فيملأها عدلا و قسطا کما ملئت جورا و ظلما

و هذا الدجال و ظهوره و وجوده و تعميره اتفق عليه کافة المسلمين العامة و الخاصة فيا عجبا ممن يصدق بقاء هذا الکافر الفاجر الذي يملأ الأرض ظلما و جورا و يمنع بقاء مثل الإمام القائم (ع) المعصوم ابن المعصومين الذي يملأ الأرض عدلا و قسطا و يستبعد طول تعمير مثل هذا الإمام و لا يستبعد طول تعمير مثل هذا الفاجر أکفر الکفار و يسلمون الأخبار الواردة الشاهدة بوجود هذا اللعين و يدفعون الأخبار الواردة عن النبي ص و الأئمة المعصومين الشاهدة بوجود الإمام المهدي (ع) إمام المتقين و هل دفعهم الروايات الواردة بوجوده و طول تعميره (ع) إلا مثل دفع البراهمة و المشرکين وجود النبي ص و إنکارهم صحة



[ صفحه 90]



الإسلام فإنهم يقولون للمسلم ما صح عندنا شي ء عن معجزات الرسول و لا يثبت عندنا صحة ما يقول و کذلک هؤلاء يقولون ما نعرف شيئا من فضائل الأئمة المعصومين (ع) و لا نعرف صحة الأخبار الواردة بتعمير الإمام القائم (ع) فلو صح ما يقول هؤلاء لنا لصح لزوم قول الکفرة و المشرکين. و أعجب منه أنهم يعترفون بوجود إبليس رئيس الضالين و تعميره من قبل آدم (ع) إلي يوم القيام و هو الضال رئيس الضالين و يمنعون بقاء مثل هذا الإمام الهادي من الهداة الأئمة المعصومين و کيف يصح لهم إنکار تعمير مثل هذا الإمام مع اعترافهم بتعمير کثير ممن سلف من الأنبياء قبل ملة الإسلام مع أنهم يقولون بصحة قول النبي ع

يحذو أمتي حذو من تقدمهم حذو النعل بالنعل

و قد شهد بذلک أيضا الکتاب المبين لَتَرْکَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ و هم يتبعون آثارهم و يفعلون أفعالهم إلي يوم الدين فهل



[ صفحه 91]



إنکارهم للتعمير في حقه إلا عناد مبين. أما نطق القرآن المجيد أيضا بتعمير أهل الکهف و غيبتهم في کهفهم ثلاثمائة سنين و ازدادوا تسعا و إذا جري ذلک في حق الأشقياء مثل الدجال و في حق الأنبياء مثل نوح و آدم و سليمان و غيرهم و في الأولياء مثل الخضر و أصحاب الکهف فما المانع منه في مثل الأئمة المعصومين الذي يترتب علي بقائهم بقاء الدين إذ هم لطف في حق المکلفين و لکن طبع الله علي قلوبهم فأصمهم و أعمي أبصارهم. و من العجائب أن مخالفينا يروون في کتبهم و ينقلون في أحاديثهم عن مشايخهم أن عيسي (ع) مر في بعض سياحاته بکربلاء و معه الحواريون فجلس هناک و بکي بکاء کثيرا و أبکي من کان معه و قال هذا موضع يقتل فيه سبط نبي أمه کأمي سيد شباب أهل الجنة و إن هذه التربة التي يلحد فيها ريحها أطيب من ريح المسک و إن هذه الظباء ترعي فيها و تسرح و تروح إليها و هي تلعن علي قاتليه و تستغفر لناصريه ثم ضرب بيده إلي بعر تلک الظباء فشمه و قال اللهم أبقه حتي يشمه أبوه فيکون له عزاء و سلوة و إن تلک البعرات بقيت إلي زمان أمير المؤمنين (ع) و إنه مر بها فنزل هناک فبکي و أبکي و أخذ البعرات فشمها و أخبر من کان معه بمقالة عيسي.



[ صفحه 92]



و هذا الخبر عندنا أيضا مشهور و في کتبنا مسطور فهم مصدقون جازمون بأن بعر الظباء يبقي نحوا من خمسمائة سنين و أزيد و ما سف عنها و لم تغيره الشموس و الأمطار و الرياح و الأعصار و ينکرون بقاء القائم (ع) إنها لا تعمي الأبصار و لکن تعمي القلوب التي في الصدور. و بالطريق المذکور حديث حبابة الوالبية

قالت رأيت أمير المؤمنين (ع) في شرطة الخميس و معه درة يضرب بها بياعي الجري و المارماهي و الزمير و الطافي و يقول لهم يا بياعي مسوخ بني إسرائيل و جند بني مروان قالت فقام إليه فرات بن أحنف فقال يا أمير المؤمنين و ما مسوخ بني إسرائيل فقال أقوام حلقوا اللحي و فتلوا الشوارب فمسخوا فلم أر ناطقا أحسن نطقا منه ثم اتبعته فلم أزل أقفو أثره حتي قعد في رحبة المسجد فقلت له يا أمير المؤمنين ما دلالة الإمامة رحمک الله قالت ايتيني بتلک الحصاة و أشار بيده إلي حصاة فأتيته بها فطبع بخاتمه فيها ثم قال يا حبابة إذا ادعي مدع الإمامة فقدر أن يطبع کما رأيت فاعلمي أنه إمام مفترض الطاعة و الإمام لا يعزب عنه



[ صفحه 93]



شي ء يريده قالت ثم انصرفت حتي قبض أمير المؤمنين (ع) فجئت إلي الحسن (ع) و هو في مجلس أمير المؤمنين و الناس يسألونه فقال لي يا حبابة هات ما معک فأعطيته الحصاة فطبع فيها کما طبع أمير المؤمنين (ع) قالت ثم أتيت الحسين (ع) و هو في مسجد الرسول ص فقرب و رحب ثم قال أ تريدين دلالة الإمامة فقلت نعم فقال هات ما معک فناولته الحصاة فطبع فيها قالت ثم أتيت علي بن الحسين (ع) و قد بلغ بي الکبر إلي أن أعييت و أنا أعد يومئذ مائة و ثلاثة و عشرين سنة فرأيته راکعا ساجدا مشغولا بالعبادة فيئست من الدلالة فأومأ إلي بالسبابة فعاد إلي شبابي قالت فقلت يا سيدي کم مضي من الدنيا و کم بقي فقال أما ما مضي فنعم و أما ما بقي فلا قالت ثم قال هات ما معک فأعطيته الحصاة فطبع ثم أتيت أبا جعفر (ع) فطبع فيها ثم أتيت أبا عبد الله فطبع فيها ثم أتيت أبا الحسن موسي بن جعفر (ع) فطبع فيها ثم أتيت الرضا (ع) فطبع فيها و عاشت حبابة بعد ذلک تسعة أشهر



[ صفحه 94]



و بالطريق المذکور يرفعه إلي محمد بن إسماعيل بن موسي بن جعفر عن أبيه جعفر عن أبيه محمد بن علي (ع) أن حبابة الوالبية دعا لها علي بن الحسين (ع) فرد الله عليها شبابها فأشار إليها بإصبعه فحاضت لوقتها و لها يومئذ مائة و ثلاثة و عشرون سنة

و إذا أثرت نفس الإمام زين العابدين (ع) في رد شباب حبابة بعد الهرم و الهزال حتي رجعت بعد الميل إلي الاعتدال فکيف ينکر المنکر تأثير نفس القائم (ع) في دفع الهرم عن بدنه الکريم ليدوم تعميره عن التغير سليم و هل نفوسهم ص



[ صفحه 95]



إلا کنفس واحدة في إبداء المعجزات و إظهار البينات و هل ينکر من ذلک إلا عاند و أوجب له الإنکار دخول النار. و من ذلک حديث أبي الدنيا المعمر المغربي بالطريق المذکور يرفعه إلي محمد بن أبي الفتح الزکي قال لقينا بمکة رجلا من أهل المغرب فدخلنا عليه مع جماعة من أصحاب الحديث ممن حضر الموسم في تلک السنة و هي سنة تسع و ثلاثمائة قال فرأينا رجلا أسود الرأس و اللحية کأنه شن بال و حوله جماعة من أولاده و أولاد أولاده و مشايخ من أهل بلده ذکروا أنهم من أقصي بلاد المغرب بقرب باهرة العليا و شهد المشايخ أنا سمعنا آباءنا يحکون من آبائهم أنهم عهدوا هذا الشيخ المسمي بأبي الدنيا و اسمه علي بن عثمان بن خطاب بن مرة بن يزيد. قال ففاتحناه و ساءلناه عن حاله و قصة سبب طول تعميره فوجدناه ثابت العقل يفهم ما يقال له و يجيب عنه بلب و عقل فذکر أنه کان والده قد نظر في



[ صفحه 96]



کتب الأوائل فوجد فيها ذکر نهر الحياة و أنه يجري في بلاد الظلمات و أنه من شرب منه عمر فحمله الحرص علي طول الحياة علي دخول الظلمات فتحمل و تزود حسب ما قدر أنه يکتفي به و أخرجني معه و أخرج معنا خادمين و عدة جمال لبون عليها روايا و زاد و أنا يومئذ ابن ثلاثة عشر سنة فسار بنا إلي أن وافينا طرف الظلمات ثم دخلنا فيها فسرنا نحو ستة أيام بليالها و کنا نميز بين الليل و النهار بأن النهار أضوأ قليلا و أقل ظلمة من الليل فنزلنا بين جبال و أودية و ذکوات و قد کان والدي يطوف في البقعة في طلب النهر لأنه وجد في الکتب التي قرأها أن مجري النهر في ذلک الموضع فأقمنا في تلک البقعة أياما حتي فني الماء الذي کان معنا و أسقيناه جمالنا و لو لا اللبن الذي نحلبه من الجمال لهلکنا و کان والدي يطوف في تلک البقعة في طلب النهر و يأمرنا أن نوقد نارا ليهتدي بها إذا أراد الرجوع إلينا. فمکثنا علي ذلک أياما و والدي يطلب النهر فلا يجده فبعد اليأس عزم علي الانصراف خوف التلف و ألح من کان معنا عليه حذرا علي أنفسهم فقمت يوما من الرحل لحاجتي فتباعدت من الرحل مقدار رمية سهم فعثرت بنهر ماء



[ صفحه 97]



أبيض اللون عذب الطعم طيب الرائحة لذيذ لا بالصغير من الأنهار و لا بالکبير يجري جريا لينا فدنوت منه و غرقت منه بيدي غرفتين أو ثلاثة فشربتها ثم بادرت مسرعا إلي الرحل و بشرت الخدم بأني قد وجدت الماء فحملوا ما کان معنا من القرب و الأدوات لنملأها و ذهلت لفرحتي بوجود الماء و الخوف من التلف عن أن ذلک مطلوب أبي و کان أبي في ذلک الوقت غائبا عن الرحل مشغولا بالطلب فقمنا و سرنا إلي النهر فلم نجده فاجتهدنا و طفنا و استقصينا في الطلب فلم نره فکذبوني الخدم و قالوا لم تجد شيئا فانصرفنا إلي الرحل و أقبل والدي و أخبرته بالقصة فقال قم معي فقمت معه و اجتهدنا في الطلب فلم نقع له علي أثر فقال يا بني الذي أخرجني إلي هذا المکان و تحمل الأذي و الخطر کان ذلک النهر الذي رأيته و لم أرزقه و قد رزقته أنت و سوف تعمر حتي تمل الحياة. و رحلنا منصرفين حتي رجعنا إلي بلدنا و عاش والدي بعد ذلک سنيات ثم توفي فلما بلغ سني ثلاثين سنة اتصل بنا وفاة النبي ص و وفاة الخليفتين بعده و خرجت حاجا فلحقت آخر أيام عثمان مال قلبي من بين جماعة أصحاب النبي ص إلي علي بن أبي طالب فأقمت معه أخدمه و شهدت معه وقائعه و أصابني هذه الشجة من دابته في أيام صفين و ما زلت معه مقيما علي خدمته إلي أن مضي لسبيله فألح علي أولاده و حرمه أن أقيم عندهم فلم أقم و انصرفت إلي بلدي ثم رجعت إلي بلادي و خرجت أيام بني مروان حاجا ثم رجعت إلي أهلي و انصرفت مع أهل بلدي إلي هذه الغاية ما خرجت في سفر إلا ما کان إلي الملوک في بلاد المغرب يبلغهم خبري و طول عمري فيشخصوني إلي حضرتهم ليروني و يسألوني عن سبب طول عمري و عما شاهدت. و کنت



[ صفحه 98]



أتمني و أشتهي أن أحج مرة أخري فحملني هؤلاء حفدتي و أسباطي الذين ترونهم حولي و أقدموني للحج. و ذکر أنه قد سقطت أسنانه مرتين أو ثلاثا و عادت فسألناه أن يحدثنا بما سمعه فذکر عدة أحاديث رويت عنه و کتبها المصريون و الشاميون و العراقيون و من سائر الأمصار ممن حضر الموسم و بلغه خبره و من أعاجيب هذا الشيخ أن عنفقته إذا جاع فکلما اشتد جوعه أخذت في البياض حتي تعود کالقطنة البيضاء فإذا أکل و شبع أخذت في السواد حتي تعود إلي حالها الأولي و هو يذکر أنه يعمر إلي أن يدرک الإمام القائم ع. و إذا کان رجل من بعض الأمة قدر الله تعالي أنه شرب شربة من نهر فعمر هذا الزمان الطويل فما المانع من تعمير رجل جعله الله حجة علي العالمين و واسطة بينه و بين عباده المخلوقين و له کما کان لآبائه المعصومين التصرف في عالم الکون و الفساد و تغيير ما شاء من أحوال العباد و البلاد فما المانع أن يسخر الله مثل هذه الأنهار أو يجعل له خاصة يختص به فيحصل له بذلک الدوام و الاستمرار إذ في تعميره نظام أمر المسلمين و بقاء الدنيا و الدين. و من ذلک حديث القلاقل روي الجد السعيد عبد الحميد يرفعه إلي الرئيس أبي الحسن الکاتب البصري و کان من الأسداء الأدباء قال في سنة اثنتين و تسعين و ثلاثمائة أسنت البر سنين عدة و بعثت السماء درها و خص الحيا



[ صفحه 99]



أکناف البصرة و تسامع العرب بذلک فوردوها من الأقطار البعيدة و البلاد الشاسعة علي اختلاف لغاتهم و تباين فطرهم فخرجت مع جماعة من الکتاب و وجوه التجار نتصفح أحوالهم و لغاتهم و نلتمس فائدة ربما وجدناها عند أحدهم فارتفع لنا بيت عال فقصدناه فوجدنا في کسره شيخا جالسا قد سقط حاجباه علي عينيه کبرا و حوله جماعة من عبيده و أصحابه و سلمنا عليه فرد التحية و أحسن التلقية فقال له رجل منا هذا السيد و أشار إلي هو الناظر في معاملة الدرب و هو من الفصحاء و أولاد العرب و کذلک الجماعة ما منهم إلا من ينسب إلي قبيلة و يختص بسداد و فصاحة و قد خرج و خرجنا معه حتي وردتم ملتمس الفائدة المستطرفة من أحدکم و حين شاهدنا رجونا ما نبغيه عندک لعلو سنک. فقال الشيخ و الله يا بني أخي حياکم الله إن الدنيا شغلتنا عما تبتغونه مني فإن أردتم الفائدة فاطلبوها عند أبي و ها بيته و أشار إلي خباء کبير بإزائه. فقلنا النظر إلي مثل والد هذا الشيخ الهم فائدة نتعجل فقصدنا ذلک البيت فوجدنا في کسره شيخا متضجعا و حوله من الخدم و الأمر أوفي مما شاهدناه أولا و رأينا عليه من آثار السن ما يجوز له أن يکون والد ذلک الشيخ فدنونا منه و سلمنا عليه فأحسن الرد و أکرم الجواب فقلنا له مثل ما قلنا لابنه و ما کان من جوابه و إنه دلنا عليک فخرجنا بالقصد إليک فقال يا بني أخي حياکم



[ صفحه 100]



الله إن الذي شغل ابني عما التمستموه منه هو الذي شغلني عما هذه سبيله و لکن الفائدة تجدونها عند والدي و ها هو بيته و أشار إلي بيت منيف بنحوه منه فقلنا فيما بيننا حسبنا من الفوائد مشاهدة والد هذا الشيخ الفاني فإن کانت منه فائدة فهي ربح لم يحتسب. و قصدنا ذلک الخباء فوجدنا حوله عددا کثيرا من الإماء و العبيد فحين رأونا تسرعوا إلينا و بدءوا بالسلام علينا و قالوا ما تبغون حياکم الله فقلنا نبغي السلام علي سيدکم و طلب الفائدة من عنده ببرکتکم فقالوا الفوائد کلها عند سيدنا و دخل منهم من يستأذن ثم خرج بالإذن لنا فدخلنا فإذا سرير في صدر البيت و عليه مخاد من جانبيه و وسادة في أوله و علي الوسادة رأس شيخ قد بلي و طار شعره و الإزار علي المخاد التي من جانبي السرير ليستره و لا يثقل منه عليه فجهرنا بالسلام فأحسن الرد و قال قائلنا مثل ما قال لولده و أعلمناه أنه أرشدنا إلي أبيه فحججنا بما احتج به و أن أباه أرشدنا إليک و بشرنا بالفائدة منک. ففتح الشيخ عينين قد غارتا في أم رأسه و قال للخدم أجلسوني فلم تزل أيديهم تتهاداه بلطف إلي أن أجلس و ستر بالإزر التي طرحت علي المخاد



[ صفحه 101]



ثم قال لنا يا بني أخي لأحدثنکم بخبر تحفظونه عني و تفيدون منه ما يکون فيه ثواب لي کان والدي لا يعيش له ولد و يحب أن يکون له عاقبة فولدت له علي کبر ففرح بي و ابتهج بمولدي ثم قضي و لي سبع سنين فکفلني عمي بعده و کان مثله في الحذر علي

فدخل بي يوما علي رسول الله ص فقال له يا رسول الله إن هذا ابن أخي و قد مضي أبوه لسبيله و أنا کفيل بتربيته و إنني أنفس به علي الموت فعلمني عوذة أعوذه بها ليسلم ببرکتها فقال ص أين أنت عن ذات القلاقل فقال يا رسول الله و ما ذات القلاقل قال أن تعوذه فتقرأ عليه سورة الجحد و هي قُلْ يا أَيُّهَا الْکافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ إلي آخرها و سورة الإخلاص قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ إلي آخرها و سورة الفلق قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ إلي آخرها و سورة الناس قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِکِ النَّاسِ إلي آخرها و أنا إلي اليوم أتعوذ بها کل غداة فما أصبت بولد و لا أصيب لي مال و لا مرضت و لا افتقرت و قد انتهي بي السن إلي ما ترون فحافظوا عليها و استکثروا من التعوذ بها فسمعنا ذلک منه ثم انصرفنا من عنده

و إذا کان شخص من بعض أمة النبي ص دله علي التعوذ بهذه السور فعمر العمر الطويل و بلغ ببرکتها ما بلغ کما قيل فما ظنک بولد النبي ص الذي قد انتهي إليه هذا القرآن و حکمه و فهمه و فوائده و علمه إليه و هو القائم بإيضاحه و بيانه أ ليس هو ولي المسلمين و الإسلام



[ صفحه 102]



و صاحب زمانه فما المانع أن يکون قد أعطاه الله تعالي من الخاصة و جعل له من المزية طول التعمير و البقاء علي مر الدهور و الأعوام ليقوم بما وجب في القرآن علي المکلفين من شرائع الإسلام و ملة جده الرسول ص و هل ينکر ذلک إلا من طبع علي قلبه فکان من أصحاب الشيطان و حزبه أولئک الذين طبع الله علي قلوبهم فأصمهم و أعمي أبصارهم. و من المعمرين عبيد بن سويد الجرهمي عاش ثلاثمائة و خمسين سنة فأدرک النبي ص و حسن إسلامه و عمر بعد ما قبض النبي ص حتي أدرک معاوية أيام تغلبه و ملکه فقال له معاوية أخبرني يا عبيد عما رأيت و سمعت و أدرکت و کيف رأيت الدهر فقال أما الدهر فرأيت ليلا يشبه ليلا و نهارا يشبه نهارا و مولودا يولد و ميتا يموت و لم أدرک أهل زمان إلا و هم يذمون زمانهم و أدرکت من قد عاش ألف سنة فحدثني عمن عاش ألفي سنة. و منهم الربيع بن الضبع الفزاري لما وفد الناس علي عبد الملک بن مروان کان فيمن وفد عليه الربيع بن الضبع و کان معه ابنه من ابنه وهب بن عبد الله بن الربيع شيخا فانيا قد سقط حاجباه علي عينيه قد عصبهما بعصابة فلما رآه الآذن و کانوا يأذنون للناس علي أسنانهم قال ادخل أيها الشيخ فدخل يدب علي العصا يقيم بها صلبه و لحيته علي رکبتيه فلما رآه عبد الملک رق



[ صفحه 103]



عليه و قال اجلس أيها الشيخ فقال يا أمير المؤمنين أ يجلس الشيخ وحده علي الباب قال فأنت إذا من ولد الربيع بن الضبع الفزاري قال نعم أنا وهب بن عبد الله بن الربيع فقال للآذن ارجع فأدخل الربيع فخرج الآذن فلم يعرفه حتي نادي أين الربيع فقال الربيع ها أنا ذا فقام يتطرق في مشيته فلما دخل علي عبد الملک سلم فقال عبد الملک لجلسائه و أبيکم لأنه لأثبت الرجلين يا ربيع أخبرني عما أدرکت من العمر و المدي و رأيت من الخطوب الماضية قال أنا الذي أقول

ها أنا ذا آمل الخلود و قد أدرک أيام مولدي حجراأنا إمرؤ القيس و سمعت به هيهات هيهات طال إذ عمرا

فقال عبد الملک قد رويت هذا من شعرک و أنا صبي قال و أنا القائل

إذا عاش الفتي مائتين عاما فقد ذهب اللذاذة و الفتاء

فقال عبد الملک قد رويت هذا أيضا و أنا غلام يا ربيع لقد طلبک جد غير عاثر ففصل لي عمرک فقال عشت مائتي سنة في الفترة بين عيسي و محمد ص و عشرين و مائة سنة في الجاهلية و ستين في الإسلام.



[ صفحه 104]



و إذا کان شخص من آحاد الناس عاش هذا العمر المديد فهل ينکر تعمير الإمام القائم (ع) إلا غير رشيد. و منهم سطيح الکاهن عاش ثلاثمائة سنة و خبره مشهور لا ينکره المخالف و المؤالف. و منهم شداد بن عاد صاحب المدينة إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد عمر تسعمائة سنة وردت بذلک الأخبار و شهد به أصحاب التواريخ و رواه الآثار. و حکاية مدينته و بنائها العجيب مشهور و کثير من شراح الکتاب العزيز ينکرون تعمير الإمام (ع) قد أثبتوا حکايته في تفاسيرهم و صدقوا تعميره هذه المدة في أساطيرهم و إذا قيل المهدي حي موجود أنکروه و إذا سمعوا بتعميره استبعدوه هل هذا إلا عناد مبين إنه لا يفلح الظالمون. و منهم أوس بن ربيعة الأسلمي عاش مائة و أربعة عشر سنة. و منهم نصر بن دهمان بن سليم بن أشجع بن رثب بن غطفان عاش مائة و تسعين سنة. و منهم لقمان العادي عاش ثلاثة آلاف سنة و خمسمائة سنة و کان أحد وفاد عاد الذين بعثهم قومهم إلي الحرم ليستسقوا لهم و أعطي عمر سبعة أنسر و کان يأخذ الفرخ فيجعله في الجبل الذي هو في أصله فيعيش النسر فيها



[ صفحه 105]



ما عاش فإذا مات أخذ آخر فرباه حتي کان آخرها لبد و کان أطولها عمرا فقيل فيه طال علي الأبد لبده و قد قيل فيه أشعار کثيرة و أعطي من القوة و السمع و البصر علي قدر ذلک. و له أحاديث کثيرة إذا سمعها الذين هم بمعزل عن هذه المقالة أصغوا إليها و استزادوا منها و تمثلوا بها و صدقوها و وافقوا عليها و إذا قيل لهم إن القائم حي



[ صفحه 106]



موجود جعلوا أصابعهم في آذانهم و استغشوا ثيابهم و أصروا و استکبروا استکبارا و صموا أسماعهم و عبسوا وجوههم و قطبوا في وجوه القائلين و استضعفوا عقول المؤمنين و هل هذا إلا عناد خارج عن السداد. و منهم باني الأهرام و البرابي بمصر و هو والد العزيز الذي اشتري يوسف



[ صفحه 107]



ع و اسمه الوليد بن الريان بن دومع و عاش العزيز سبعمائة سنة و عمر والده الريان ألف و سبعمائة سنة و دومع ثلاثة آلاف سنة و خبره مشهور في کتب التواريخ مذکور ترکناه في هذا الباب تفاديا من إطالة الکتاب. و منهم قس بن ساعدة الأيادي عاش ستمائة سنة و منهم سربانک ملک الهند من طريق العامة بالطريق المذکور يرفعه إلي إسحاق بن إبراهيم الطوسي قال رأيت سربانک ملک الهند في بلدة تسمي فنوج و وصف عظم ملکه و شدة سلطانه و سعة مملکته ترکنا ذکره خوف الإطالة قال فسألته کم أتي عليک من السنين فقال تسعمائة و خمس و عشرون سنة و هو مسلم زعم أن النبي ص أنفذ إليه عشرة من أصحابه منهم حذيفة بن اليمان و عمرو بن العاص و أسامة بن زيد و أبو موسي الأشعري و صهيب الرومي و سفينة مولاه و غيرهم فدعوه إلي الإسلام فأجاب و أسلم. فقلت له کيف تصلي و أنت بهذا الضعف فقال أ ليس قد رخص الله تعالي في القيام علي لسان رسوله (ع) الَّذِينَ يَذْکُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلي



[ صفحه 108]



جُنُوبِهِمْ. و إذا جوزوا أن يهب الله تعالي لشخص من ملوک الهند الملک العظيم و العمر الطويل المديد فما وجه إنکارهم مثل هذا في حق الإمام القائم ع. و العجب أن مخالفينا يروون أخبار المعمرين و يجوزون وقوع مثل هذه الأمور في نوع الآدميين و ينکرون بقاء رجل هو خاتم عقد قلادة الأوصياء المعصومين الذي يملأ الله به الأرض عدلا و قسطا کما ملئت جورا و ظلما هل هذا إلا عناد مبين و مجادلة لإطفاء نور الأئمة الطاهرين وَ يَأْبَي اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ کَرِهَ الْکافِرُونَ. و أعجب من هذا أنک إذا قلت لهم أ لستم تقولون إن النبي ص قال

تحذو أمتي حذو الأمم السالفة حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة

فيقولون بلي ثم يقال لهم أ ليس قد وقع مثل هذا التعمير في الأمم المتقدمة و قد نطق به القرآن و رواه مشايخکم و سطرتموه في کتبکم فيقولون نعم فإذا قيل لهم فما وجه إنکار طول تعمير الإمام القائم (ع) تبلبلوا في الخطاب و تلجلجوا في الجواب و لا يدرون أين المفر و لا کيف الذهاب أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ. و لعمري لسنا مکلفين في ثبوت تعمير الإمام (ع) علي ذکر المعمرين بل الدلالة القاطعة علي وجوده و طول تعميره هو ما تقدم ذکره من البراهين العقلية و الأدلة الصحيحة المتواترة النقلية التي بمثلها ثبت قواعد الإسلام و عليها الاعتماد في الإصدار و الإيراد و بها يتم النظام لکن في ذکر ذلک فوائد.



[ صفحه 109]



الأولي أن السامع إذا طرق سمعه أنه قد وقع فيما تقدم في هذا النوع تعمير جماعة من الآدميين لا يستعظم تعمير خاتم الوصيين. الثانية أن القائل بهذا المذهب يزداد بصيرة في دينه و يقينا إلي يقينه بوقوع مثل هذه الأحوال في عدة أشخاص من الرجال فيري أن الإمام القائم (ع) أولي بهذا الحال. الثالثة أن الشاک في هذا المذهب يدعوه الاطلاع علي هذه الأخبار إلي البحث في ذلک و ينتفي عنه تهويل هذا الأمر و يمتنع عقله عن النفار و ترک البحث فنظرة التحقيق فربما أخرجه بحثه و تفحصه عن هذا الأمر من ضيق الظلمة إلي فضاء النور و سواء الطريق فيکون من الفائزين القائلين بالحق علي يقين. الرابعة أن الحق کل ما زاد البحث فيه أضاء نوره و سطع و الباطل کل ما زاد البحث فيه أظلم و انقطع فکان في ذکر هذه الأخبار جلاء لبصائر أهل الاستبصار و عمي لأهل الضلال و الشنار.



[ صفحه 110]