بازگشت

في ذکر غيبته و السبب الموجب لتواريه عن شيعته


اعلم أنه قد استطال الغيبة طوائف من أهل المحال و زين الشيطان لأهل الضلال استبعاد طول غيبة الإمام المهدي ع. و ليس ذلک بعجب أ ليس عبدة العجل حين غاب موسي (ع) في مناجاة ربه عشرة أيام استطالوا الغيبة و رجعوا علي الأعقاب و خرجوا عن طاعة أخيه هارون (ع) و کان سبب کفرهم و خروجهم عن السعادة الأبدية و انسلاخهم عن الحضرة المقدسة الربانية هو استطالة الغيبة. و لم يکن بد من أن يقع مثل ذلک في هذه الأيام

لقول النبي (ع) تحذو أمتي حذو بني إسرائيل حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة

و کيف يستبعد ما جرت به السنة الإلهية و أجراه الله تعالي في أنبيائه و غيبتهم عن أعدائه و إظهارهم بعد الغيبة لأوليائه أ ما علموا أن الله تعالي أخفي شخص



[ صفحه 67]



إبراهيم (ع) و ولادته في زمن نمرود يقتل أولاد رعيته في طلبه فلما علم الله حصول المصلحة في إظهاره و أظهره الله تعالي کما هو المشهور في قصته ثم أنجاه من النار بقدرته. و کذلک موسي (ع) و حکايته مشهورة و في القرآن المجيد مذکورة و کذا يوسف (ع) مع قرب موضعه من أبيه و ظهوره بعد خفائه و کذا إدريس (ع) فإنه أول من غاب من أيدي الکفرة الملحدين و دعا علي قومه إلا تمطر عليهم السماء فمکثوا عشرين سنة حتي هلکوا جوعا و سغبا ثم ظهر عليهم و قد أخذ منهم الجهد مأخذه فتابوا و أقلعوا فدعا الله لهم فأمطرت السماء عليهم فخصبوا. و کذا صالح (ع) فإنه غاب عن قومه مدة متطاولة فافترقوا علي ثلاثة فرق جاحدون و شاکون و متيقنون ثم خرج عليهم و قد تغيرت أوصافه فعرض نفسه علي الجاحدين فأنکروه و طردوه ثم علي الشاکين فأبوه و لم يجيبوه ثم علي المتيقنين فطلبوا منه ما يدل عليه فذکرهم و عرفهم فرجعوا إليه و هذا شأن قائمنا (ع) في قيامه و دنو أيامه. و أقرب الأحوال شبها بأحواله في تقلبه و تصرفه و انتقاله أحوال موسي



[ صفحه 68]



ع فإن يوسف (ع) عهد إلي أمته عند موته أن الفتنة تحيط بهم و تشملهم و تستولي عليهم القبط و أن بطون نسائهم تشق و تذبح الأطفال حتي يدفع الله عنهم بالقائم من ولد لاوي بن يعقوب و ذکر غيبته لهم ثم وقعت الغيبة و الشدة الشديدة علي بني إسرائيل و هم ينتظرون قيام القائم فمکثوا کذلک أربعمائة سنة حتي آن وقت ولادة موسي (ع) فاشتد الأمر عليهم و جري الأمر بولادة موسي (ع) و إلقائه في اليم و تربيته في دار فرعون إلي أن نشأ و تزعزع کما هو في الکتاب العزيز و کان لبني إسرائيل رجل عالم يستريحون إلي حديثه و يفرجون عن أنفسهم الکرب باجتماعهم إليه فبينا هم کذلک إذ طلع عليهم موسي (ع) و کان في ذلک الوقت حديث السن و هو مع فرعون فعدل عن الموکب و أقبل إليهم و تحته بغلة و عليه طيلسان خز فلما رآه ذلک العالم عرفه فقام إليه و أکب عليه يقبل يديه و رجليه و قال الحمد لله الذي لم يمتني حتي أرانيک فلما رأي شيعته ذلک علموا أنه هو فأکبوا علي الأرض شکرا لله عز و جل فلم يزدهم علي أن قالوا ارجعوا إلي أن يعجل الله فرجکم ثم غاب عنهم مدة حتي خرج إلي مدين و مکث مدة طويلة هناک فکانت تلک الغيبة الثانية و کانوا يخرجون إلي الصحاري و يسألون الله تعالي الفرج فمکثوا



[ صفحه 69]



نيفا و خمسين سنة و قد اشتد عليهم الأمر فإذا هم بموسي قد أقبل راکب حمار حتي وقف عليهم و قد أعطاه الله الرسالة و کلمه و قربه نجيا و ذلک في ليلة واحدة و کذلک يفعل الله تعالي بالإمام القائم (ع) يصلح أمره في ليلة واحدة. و کذا أسباط بني إسرائيل کانوا اثني عشر سبطا أولهم يوشع وصي موسي (ع) أئمة واحد بعد واحد مستترين عن عموم الناس ظاهرين لخواص شيعتهم حتي وصل الأمر إلي الثاني عشر منهم فاختفي عنهم مدة طويلة ثم ظهر لبني إسرائيل و بشرهم بداود و قتله لجالوت و أنه يکلمه الحجر فيقول له احملني تقتل بي جالوت و کذلک إمامنا (ع) إذا حان وقت خروجه له علم ينشر و سيف ينصلت و ينطقان و يقولان قم يا ولي الله فاقتل أعداء الله. و کذا سليمان بن داود (ع) فإنه غاب عن قومه مدة متطاولة و کان يأوي إلي امرأة قد تزوجها لا تعرف أنه سليمان و کان يخرج فيعمل في البحر مع الصيادين فخرج يوما علي عادته فأخذ سمکة بأجرة عمله فشق بطنها فإذا الخاتم فلبسه فعکف عليه الطير و الوحش و الجن و الإنس و کذا إمامنا ص الخاتم معه إذا لبسه اجتمع الکل إليه. و آصف وصي سليمان کان في بني إسرائيل و غاب عنهم مدة طويلة لما کان يلقاه من المحن من جبابرة زمانه ثم ظهر لهم ثم غاب عنهم فقالوا أين الملتقي فقال علي السراط. و کذا دانيال کان في يد بخت نصر يعذبه بأنواع العذاب ثم غيبه في



[ صفحه 70]



جب مکث فيه تسعين سنة يأتيه الله برزقه علي يد ملک من ملائکته ثم رأي بخت نصر في النوم و الملائکة تهبط علي الجب أفواجا فخاف من فارطه فأخرجه و أظهره لأصحابه و جعله ناظرا في أمور مملکته و جمع إليه من نفي من شيعته فلما مات وصي إلي عزير فغيبه الله مائة سنة ثم أظهره الله بعد ذلک فمکث في قومه إلي أن مات ثم استترت الحجج إلي أن أظهر زکريا و ابنه يحيي و بشرا بعيسي (ع) ثم إن عيسي ظهر بعد أن أخفته مريم فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَکاناً قَصِيًّا و کان له غيبات يسيح فيها في الأرض و لا يعرف قومه خبره إلي أن يظهر عليهم و أوصي إلي شمعون فلما مضي شمعون اشتدت عليهم البلوي فمکثوا مائتين و خمسين سنة بغير حجة ظاهرة و في هذه الفترة کانت غيبة سلمان الفارسي رضي الله عنه. و کذا نبينا ص غاب عن قومه في الغار ثم ظهر بعد الاستتار و لم يزل کل واحد من الأنبياء (ع) و أوصيائهم إما غائب مستور أو ظاهر



[ صفحه 71]



مؤيد منصور و کذا الإمام (ع) لا بد بعد استتاره و غيبته من أن يأذن الله في ظهوره و نصرته فيملأها عدلا و قسطا کما ملئت جورا و ظلما. و کيف يعرض الشک في غيبة الإمام الحجة (ع) و قد اتفق علي وقوعها الأئمة المعصومون و نقلها عنهم متواترا الرجال الثقات الأبرار الصالحون و دون ذلک في الصحف و أثبت في الکتب قبل حصولها و وقوعها بما ينيف عن مائتي سنة فوقع الحال کما ذکروه مطابقا لما قرروه. و قد أشبهت غيبة الإمام غيبة من تقدمه من آبائه النبيين الکرام و إذا أذن الله تعالي و صلح هذا العالم لخروجه خرج و لا حرج. لا يقال الذي ثبت في القرآن هو غيبة الأنبياء (ع) و ظهورهم بعد الغيبة و أنتم لا تدعون في إمامکم النبوة فلا تکون حاله حال الأنبياء في الغيبة. لأنا نقول أنتم لا تشکون أن الأئمة قائمون مقام النبيين في إقامة الحجج و البراهين و الإعذار و الإنذار عن رب العالمين إلي کافة المخلوقين فلا فرق بينهم إلا في رتبة الإرسال و ما عدا ذلک فهم فيه سواء فيدخل فيهم هذا الحال و ظهور الأنبياء و غيبتهم إنما هو لمصلحة رآها الله تعالي لبريته فحصل لهم ذلک ليتم به أداء شريعته و الأئمة کذلک فيجري ذلک في زمانهم کما جري في زمان أنبيائهم و قد شهد القرآن بمساواة النبي في سائر الأحوال عدا مرتبة الإرسال و إن شککتم في ذلک فاقرءوا آية الابتهال فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَکُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَکُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَي الْکاذِبِينَ أ ليس قد جعل الله نفس النبي (ع) کنفس علي و ابنه في ذلک المقام و کذا الخبر



[ صفحه 72]



عن قول النبي ص لعلي ع

أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي فجعل له جميع مراتبه إلا النبوة و لا فرق بين النبي و الإمام في غير ما أخرجه الاستثناء. و أما السبب فلا يجب علينا ذکره لأن المعصوم لا يسأل عن أفعاله لأنها إنما تحمل علي الوجوب و الاستحباب و لا يجب أن يعلل بالأسباب و لکنا نذکره لنفي الشک و الارتياب فنقول ظهوره (ع) سبب لإقامة الحدود و تنفيذ الأحکام و اختفاؤه سبب لتعطيل کثير من حدود شريعة النبي ص و إذا کان کذلک علمنا أن الله تعالي و الإمام (ع) ليس سببا للغيبة و إلا لزم عليهما ترک الواجب و هو محال فتعين أن يکون السبب عدم الناصر و امتناع صلوحية الحاضر فإذا حصل المساعد علي تنفيذ أموره و صلحت هذه الأمة لحضوره ظهر بأمر ربه فيملأ الدنيا عدلا و قسطا کما ملئت ظلما و جورا. فلو قال الخصم فهلا ظهر إلي أعدائه و لو أدي ذلک إلي قتله کما فعل جده الحسين (ع) سلمنا أن الخوف علي نفسه و عدم الناصر يمنع من الظهور فلا يظهر لأعدائه فما المانع من ظهوره لأوليائه و تعليمهم الأحکام و إقامة الحدود فيهم کما أمر بها المشرع ع. قلنا الجواب علي وجوه الأول أنا قد بينا أن المعصوم لا يجب تعليل أفعاله لأنها إنما تحمل علي الصحة و إلا لما کان معصوما. الثاني أن الحسين (ع) لما اجتمعت له شرط الخميس و هم سبعون



[ صفحه 73]



رجلا کما يريد هو و يعلم منهم وجب عليه القيام و القائم (ع) لم يحصل له ذلک فلا يجب عليه القيام. الثالث أنا لا نمنع من ظهوره لأوليائه لکن ليس الکل صالحا لظهوره عليهم و وصوله لهم بل البعض قد حصل له ذلک و سيأتي ذکر وکلائه و رواته إن شاء الله تعالي. ثم إن اللطف موجود حاصل للجميع لأن من يقول بإمامته لا يأمن أن يظهر فيعاقبه علي المعصية و يثيبه علي الطاعة فهم مع جزمهم بوجوده و إمکان حضوره لا يزالون قريبين إلي الطاعة بعيدين عن المعصية فاللطف حاصل لهم. فإن قلت لو کان المهدي منصوبا من قبل الله تعالي لکانت غيبته و حذره و تمکين الظالمين من قهره و مفارقته عن رعيته مناقضة لغرض الله تعالي لکن مناقضة غرضه محال فکونه من قبله تعالي محال. قلت إن الله تعالي علم أن في خلقه من يوحده و يأتمر بأمره و أن لهم أعداء يعيبونهم و يقصدونهم فلو أنه عز و جل قصر الأيدي عنهم جبرا و قهرا لبطلت الحکمة و ثبت الإجبار رأسا و بطل الثواب و العقاب و العبادات و أسند هذا الباب لکنه سبحانه جعل الدفع عن أوليائه بضرب من الضروب لا تبطل معه العبادات و لا ينقطع به المثوبات و العقوبات و لا يقع الإلجاء إليه ليکون الحجة له سبحانه لا عليه فکان غيبة الإمام (ع) عن أعدائه و مبغضيه ضربا من تلک الضروب.



[ صفحه 74]



و ليست هذه الغيبة مستجدة في أيام المهدي (ع) و لکنها (تعجير) هجير الأنبياء و المرسلين من لدن آدم أبي النبيين أ لا تري کيف وعد الله سائر ملائکته بظهور آدم بعد غيبته و ذکر ذلک في کتابه المبين وَ إِذْ قالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً روي أن وعده لهم بذلک قبل أن يخلق آدم بسبعمائة سنة و کان آدم غائبا عند وقوع هذا الکلام. و لا يصح للخصم إنکار غيبة آدم (ع) و حصول هذه الأعوام أ ليس قد قال للملائکة إنه سيأتي في الأرض بخليفة فالغيبة حاصلة قبل ذلک و لو بساعة واحدة و الساعة الواحدة لا تخلو عن حکمة و ما حصل في الساعة من الحکمة حصل في الساعتين ضعفين و علي هذا کلما زاد الوقت في الغيبة زادت الحکمة فإذا زالت المحنة ظهر فائدة الحکمة و تحقق ظهوره (ع) و وجب عليه القيام. و لما کان خبر الغيبة خبرا مشهورا و أمرها أمرا مأثورا نقله المخالف و المؤالف عن النبي ص التبس علي أکثر الناس حالها و لم يعرف من المراد بها إلا الخواص لا جرم اشتبه الأمر فيها فزعم بعض الشيعة أن المراد محمد بن الحنفية و بعضهم أن المراد جعفر الصادق و بعضهم موسي



[ صفحه 75]



الکاظم و قد تقدم ذکر هذه الفرق و بطلان مقالتهم. و يکفي في بطلان ما هم عليه موت من نسبوها إليه إلا من عصم الله من المؤمنين و وفقهم للتمسک بالحق المبين من أهل المعرفة و العلم الذين تطابق ما ذهبوا إليه من المنقول علي ما انتهضت به أدلة المعقول فرسموا البنيان علي أسه و أقروه في موضعه فتلقوا أمر الغيبة من إمام بعد إمام إلي محمد بن الحسن (ع) فضبطوا وقته و زمانه و ميلاده و عرفوا دلائله و أعلامه و شاهده بعضهم و علم أحکامه فهم علي يقين من أمره في حين غيبته و مشهده. و إذا حقق اللبيب أمره وجده غير مشکوک في إمامته و ظهوره بعد غيبته لأن المنکر لإمامته لا يخلو إما أن يکون قائلا بإمامة أجداده الأحد عشر أو لا فإن کان الأول لزمه القول به لثبوت الغيبة عنده و موت کل من ادعيت له و لم يبق ممن ادعي له الغيبة إلا هو فتعين لها حتما و إن کان الثاني فالبحث معه ليس في إمامته بل في إمامة آبائه و إذا ثبتت إمامة آبائه کما قلنا لزم القول بإمامته کما قررنا. لا يقال إنه غائب عن أبصار الناس هذه المدة المتطاولة فلو ظهر لما عرف أنه هو و أنتم تدعون أن الإمام حجة علي رعيته و مع غيبته تبطل حجته. لأنا نقول أما أولا فإنه لا بد أن يظهر مع ظهوره معجز يدل علي أنه هو المشار إليه لدلالة ذلک المعجز عليه. و أما ثانيا فممنوع و سند المنع أن حال إمامنا (ع) في غيبته کحال النبي ص في سفره



[ صفحه 76]



و حضره و ذلک أنه (ع) لما کان بمکة لم يکن بالمدينة و بالعکس و لما سافر لم يکن بالحضر و بالعکس و کان (ع) في جميع هذه الأحوال حاضرا في مکان غائبا عن غيره من الأماکن و لم تسقط حجته عن أهل الأماکن التي غاب عنها و بان منها و کذا الإمام (ع) لم تسقط حجته و إن کان غائبا. و حيث کان الإقرار بغيبة الإمام (ع) هو کمال الإسلام و تمام النعمة علي الأنام لم يکن فيما استبعده الناس من شرائط الدين و شرائعه بأعظم من الإقرار بغيبة الإمام (ع) و ذلک لأنه سبحانه و تعالي مدح المؤمنين علي إيمانهم بالغيب قبل مدحه لهم علي إقامة الصلاة و إيتاء الزکاة و الإيمان بسائر ما أنزل الله في الکتاب. و مما صح لي روايته عن الشيخ محمد بن علي بن بابويه يرفعه إلي يحيي بن أبي القاسم قال سألت الصادق (ع) عن أول سورة البقرة الم ذلِکَ الْکِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُديً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْکَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِکَ وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ من هم المتقون و ما المراد بالغيب قال المتقون شيعة علي و الغيب هو الحجة الغائب (ع) و لو قيل المراد بالغيب أحوال يوم القيامة قلنا لا يصح ذلک لأن کثيرا من اليهود و النصاري و غيرهم يؤمنون بغيب النشور و الحساب و ليسوا داخلين



[ صفحه 77]



تحت هذا الخطاب لأن الله تعالي قد مدحهم و هو سبحانه و تعالي لا يمدح الکافرين و الفاسقين و المنافقين. و يعضد ما قلناه و يؤيد ما ادعيناه أنه لا خلاف في أن الإمام القائم مع تسليم القول بوجوده و إمامته و ظهوره بعد غيبته آية من آيات الله و قد أطلق سبحانه و تعالي لفظ الغيب علي الآية في جواب أهل الغواية و قالوا لو لا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله و کذا أطلق لفظ الآية علي عيسي (ع) وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً وَ آوَيْناهُما إِلي رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ فصح أن يکون المراد بالآية الحجة (ع) و الإشارة بها إليه. و ليس لمنکر أن ينفي اعتقاد وجوده بسبب غيبته أ لسنا مأمورون باعتقاد وجود الکرام الکاتبين الحافظين و هم غائبون عن العيان و قد ذکرهم الله تعالي في کتابه المبين وَ إِنَّ عَلَيْکُمْ لَحافِظِينَ کِراماً کاتِبِينَ يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ و کذا کلفنا اجتناب أوامر الشيطان و مخالفته و نحن لم نشاهده و هو غائب عنا و لم نره و کذا و نحن مکلفون باعتقاد مساءلة الملائکة في القبر و لم نرهم الآن و کذا ما أخبر به النبي ص حين عرج به إلي السماء و لم نر ذلک و کذا کثير من هذه الأمور نحن مکلفون بحقيقتها و اعتقاد وجودها و إن کانت غائبة عنا و لم نرها فلو لم نؤمن بها خرجنا عن الإسلام. و کذلک الإمام القائم (ع) لا يلزم من غيبته القدح في وجوده أو نفي القول بإمامته و کذا لا يقدح في إمامته غلبة أهل العناد و استيلاء الکفرة في البلاد و تعطيل الحدود و الأحکام و اندراس کثير من شرائع الإسلام لأن ذلک جري



[ صفحه 78]



في زمن النبي ص حتي کان محصورا بالشعب غائبا عن أکثر الناس و لا يقدح ذلک في نبوته و کذلک الإمام (ع) لا يقدح ذلک في إمامته بسبب غيبته بل هو بأمر الله تعالي يأمره بالخروج في وقت تقتضيه المصلحة و يأمره ترک الخروج إذا اقتضته المصلحة فهو مدبر يأمره أ ليس الأئمة عباد مکرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون عباد أکرمهم باريهم لا يقعدون عن أمره و لا يخرجون عن نهيه.

و بالطريق المذکور يرفعه إلي الإمام محمد بن علي الجواد عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) قال للغائب منا غيبة أمدها طويل کأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعي فلا يجدونه ألا فمن ثبت منهم علي دينه و لم يقس قلبه لطول أمد غيبته فهو معي في درجتي يوم القيامة ثم قال إن القائم منا إذا قام لم يکن لأحد في عنقه بيعة فلذلک تخفي ولادته و يغيب شخصه و بالطريق المذکور يرفعه إلي الحسين (ع) قال منا اثنا عشر مهديا أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و آخرهم التاسع من ولدي و هو القائم بالحق يحيي الله به الأرض بعد موتها و يظهر به دين الحق ليظهره علي الدين کله و لو کره المشرکون له غيبة يرتد فيها أقوام و يثبت علي الدين فيها آخرون فيؤذون و يقال لهم متي هذا الوعد إن کنتم صادقين أين إمامکم الذي تزعمون أما إن الصابر في غيبته علي الأذي و التکذيب بمنزلة المجاهد



[ صفحه 79]



بالسيف بين يدي رسول الله ص و عن الإمام زين العابدين (ع) بالطريق المذکور قال من ثبت علي موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله عز و جل أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر و أحد

و عن الباقر (ع) بالطريق المذکور عن جابر قال قال يأتي علي الناس زمان يغيب عنهم إمامهم فطوبي للثابتين علي أمرنا في ذلک الزمان إن أدني ما يکون لهم من الثواب أن يناديهم الباري عز و جل عبادي آمنتم بسري و صدقتم بغيبي فأبشروا بحسن الثواب مني أنتم عبادي و إمائي حقا منکم أتقبل و عنکم أعفو و بکم أسقي عبادي الغيث و أدفع عنکم البلاء و لولاکم لأنزلت عليهم عذابي قال جابر فقلت يا ابن رسول الله فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلک الزمان قال حفظ اللسان و لزوم البيت

و عن الصادق (ع) بالطريق المذکور أنه قال من مات منتظرا لهذا الأمر کان کمن کان مع القائم (ع) في فسطاطه لا بل کان بمنزلة الضارب بين يدي رسول الله ص بالسيف

و عنه أنه قال لا يأتيکم هذا الأمر إلا بعد يأس لا و الله حتي تميزوا لا و الله حتي تمحصوا لا و الله حتي يشقي من شقي و يسعد من سعد



[ صفحه 80]



و عنه (ع) قال عبد الله بن سنان قال الصادق جعفر بن محمد (ع) ستصيبکم شبهة فتبقون بلا علم يري و لا إمام هدي فلا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق قلت فکيف دعاء الغريق قال يقول يا الله يا رحمان يا رحيم يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينک فقلت يا مقلب القلوب و الأبصار ثبت قلبي علي دينک فقال إن الله عز و جل يقلب القلوب و الأبصار و لکن قل کما أقول لک يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينک و بالطريق المذکور يرفعه إلي يونس بن عبد الرحمن قال دخلت علي موسي بن جعفر (ع) فقلت يا ابن رسول الله أنت القائم بالحق فقال أنا القائم بالحق و لکن القائم الذي يطهر الأرض من أعداء الله و يملأها عدلا کما ملئت جورا هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفا علي نفسه يرتد فيها أقوام و يثبت فيها آخرون ثم قال (ع) طوبي لشيعتنا المتمسکين بحبلنا في غيبته الثابتين علي موالاتنا و البراءة من أعدائنا أولئک منا و نحن منهم قد رضوا بنا أئمة و رضينا بهم شيعة فطوبي لهم ثم طوبي لهم هم و الله معنا في درجاتنا يوم القيامة و بالطريق المذکور يرفعه إلي سدير عن أبي عبد الله (ع) أن للقائم منا غيبة يطول أمدها فقلت له و لم ذلک يا ابن رسول الله قال لأن الله عز و جل أبي إلا أن يجري فيه سنن الأنبياء ص في غيباتهم و إنه لا بد له يا سدير من استيفاء مدة غيباتهم أ ليس في کتابه العزيز لَتَرْکَبُنَّ طَبَقاً



[ صفحه 81]



عَنْ طَبَقٍ لتسنن بسنن من کان قبلکم و عن عبد الله بن الفضل الهاشمي يرفعه بالطريق المذکور إلي الصادق (ع) قال سمعته يقول إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها يرتاب فيها کل مبطل فقلت له و لم جعلت فداک قال لأمر لم يؤذن لنا في کشفه قلت فما وجه الحکمة في غيبته قال وجه الحکمة في غيبته وجه الحکمة في غيبات من تقدمه من حجج الله عز و جل أن وجه الحکمة في ذلک لا ينکشف إلا بعد ظهوره کما لم ينکشف وجه الحکمة فيما أتاه الخضر (ع) من خرق السفينة و قتل الغلام و إقامة الجدار لموسي (ع) إلي وقت افتراقهما يا ابن الفضل إن هذا الأمر أمر من الله و سر من أسرار الله و غيب من غيب الله و متي علمنا أنه جل و عز حکيم صدقنا أن أفعاله کلها حکمة و إن کان وجهها غير منکشف و مما صح لي روايته عن الشيخ السعيد أبي عبد الله محمد المفيد رحمه الله يرفعه إلي المفضل بن عمر قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إن لصاحب هذا الأمر غيبتين تطول إحداهما حتي يقول بعضهم مات و بعضهم ذهب حتي لا يبقي امرؤ من أصحابه إلا نفر يسير لا يطلع علي موضعه أحد من ولده و لا غيره



[ صفحه 82]



إلا المولي الذي يلي أمره و لا شک أن غيبته (ع) موضع فتنة و محل خبرة و قد سبق ذلک في حکم الله تعالي و اقتضته المصلحة في امتحان العباد أ ليس قد ذکر في کتابه أن الفتنة تحصل للمؤمنين من عباده الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَکُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ فيحصل الثواب للصابرين و العقاب للناکثين الملحدين في الدين. و يعضد ذلک ما روي بالطريق المذکور أن أمير المؤمنين لما بعث أبا موسي الأشعري قال له احکم بکتاب الله و لا تجاوزه فلما أدبر قال کأني به و قد خدع فقيل يا أمير المؤمنين فلم توجهه و أنت تعلم أنه مخدوع فقال لو عمل الله بعلمه في خلقه ما احتج عليهم بالرسل وَ لَوْ أَنَّا أَهْلَکْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِکَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزي و حيث وقع الابتلاء في الأمم السالفة فلا بد من وقوعه في هذه الخالفة



[ صفحه 83]



و لعمري لو لم يحصل غيبته لما صحت إمامته لکن التالي باطل فالمقدم مثله. بيان الملازمة أن الکتب السماوية و الأخبار النبوية شاهدة بغيبته معلنة باختفائه و استتاره من أعدائه فلو لم يغب لخالف ذلک و مخالف ذلک ليس إمام يقتدي به فظهرت الملازمة و أما بطلان التالي فظاهر مما تقدم من ثبوت الإمامة فيبطل المقدم فتجب الغيبة و هو المطلوب.



[ صفحه 84]