في إثبات إمامته و وجوده
قال قدس الله سره لا بد من ذکر إثبات إمامته و وجوده و عصمته بالأدلة العقلية و إن کان إثبات إمامة آبائه (ع) يثبت بها وجوده و إمامته لأن ذلک أصل يترتب علي هذا و مقام يرجع هذا البحث إليه و لکن نذکر هنا ما يقطع حجة جاحديه و يعلم أن الحق له و معه و فيه. قال قدس الله روحه و الأدلة العقلية من وجوه أ لو لم يکن القائم (ع) موجودا لخلا الزمان عن الإمام لکن التالي باطل فالمقدم مثله.
[ صفحه 8]
بيان الملازمة أن الإمامة منحصرة فيهم (ع) و آباؤه (ع) لا شک في انتقالهم إلي ربهم فلو لم يکن وجوده واجبا لخلا الزمان عن الإمام المعصوم فالملازمة ظاهرة. و أما بطلان التالي فلأنه قد ثبت أن الإمامة لطف و اللطف واجب علي الله تعالي فخلو الزمان عن الإمام محال فيبطل التالي فيبطل المقدم فيکون موجودا و هو المطلوب.
[ صفحه 9]
ب لو قيل بعدم وجود القائم محمد بن الحسن (ع) و عدم وجوب إمامته لزم خرق الإجماع لکن التالي باطل فالمقدم مثله بيان الشرطية أن الإجماع واقع بين کافة المسلمين أن الناس طرا علي قسمين قسم قائل بإمامة الأئمة الاثني عشر (ع) و قسم غير قائل بذلک أما القائلون بإمامتهم فلا شک عندهم في وجوده و إمامته و هو ظاهر و أما غير القائلين بإمامتهم فالبحث معهم ليس في إمامته و وجوده بل في إمامة أجداده فإن کل من قال بإمامتهم قال بإمامته و وجوده و کل من لم يقل بإمامتهم لم يقل بإمامته و لا بوجوده فلو قال أحد بإمامتهم و أنکر إمامته و وجوده لکان قولا ثالثا خارقا للإجماع فقد بانت الشرطية. و أما بطلان التالي فظاهر فيبطل المقدم فيکون القول بعدم وجوده و بعدم إمامته محالا و هو المطلوب لا يقال الإمام هو الذي يقوم بأعباء الإمامة و أنتم تقولون إن الحسن العسکري مات و ابنه المهدي صغير لا يصح أن يقوم بأعباء الإمامة فلا يکون علي تقدير صحة وجوده إماما.
[ صفحه 10]
لأنا نقول النبوة أعظم درجة من الإمامة و قد نبي الله عيسي ابن مريم و هو ابن ساعة واحدة أ لا تري کيف أنکر بنو إسرائيل علي مريم فقالوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا ما کنا نظن أنک تفعلين مثل هذا الفعل الفضيع فأشارت إليه فقالت کلموا هذا الطفل قالوا کَيْفَ نُکَلِّمُ مَنْ کانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا فأجابوها منکرين عليها أ رأيت طفلا يتکلم قال إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْکِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا فتکلم بالحکمة و أثبت لنفسه النبوة. و کذلک القول في يحيي بن زکريا أثبت الله له الحکم في الکتاب و هو صبي فقال وَ آتَيْناهُ الْحُکْمَ صَبِيًّا و هذا نص في الباب. و لا يدفع الشک في إمامته إمامته و إلا لدفع الشک في نبوة عيسي نبوته. و لعمري إن الناس علي قسمين قسم شهدوا بوجوده بعد أبيه الحسن (ع) و قسم نفوا ذلک فأي الشهادتين أثبت و أولي بالقبول عند أهل العقول و المنقول أ ليست شهادة النفي منفية لا يجب قبولها في الشريعة المحمدية. ج إنما دهي مخالفونا في إمامة القائم و إمامة آبائه (ع) فأنکروها و زين لهم الشيطان منعها فمنعوها لموضع جهلهم بحقيقة الإمام و ما خصه الله تعالي به من الکرامة حتي صار أهلا للإمامة فخفي عليهم معرفة حقيقته فوضعوا الحق في غير موضعه و أخرجوه عن مستحقه و غفلوا عن کون الإمام
[ صفحه 11]
يجب أن يکون في مرتبة النبي (ع) إذ هو المبلغ عنه ص ما أنزل إليه کأنهم لم يطلعوا علي ما خاطبه به في الکتاب المبين الر کتاب أنزل إليک لتکون للعالمين نذيرا فجعله نذيرا لکافة المخلوقين من الملائکة المقربين و الجن و الإنس أجمعين. و إذا کان الإمام في مرتبته کان حجة علي هؤلاء بأجمعهم لوجوب تبليغه إياهم ما وجب عليهم من شريعته فبمجرد اختيار بعض الناس لبعض الأشخاص في بعض الأصقاع أو يکون فيه صفة اختاروها أو حالة أرادوها يصير حجة علي کافة المخلوقين من الملائکة و الجن و الإنس أجمعين نعوذ بالله من هذا الإفک العظيم و الضلال المبين. و يعضد ما ادعيناه و يشهد بصحة ما قلناه ما صح لي روايته عن الشيخ محمد بن علي بن بابويه يرفعه إلي أبي عبد الله بن صالح الهروي عن الرضا (ع) قال قال رسول الله ص و الله ما خلق أفضل مني و لا أکرم عليه مني قال علي (ع) فقلت يا رسول الله أ فأنت أفضل أم جبرئيل فقال (ع) يا علي إن الله تبارک و تعالي فضل أنبياءه المرسلين علي ملائکته المقربين و فضلني علي جميع النبيين و المرسلين و الفضل بعدي
[ صفحه 12]
لک يا علي و للأئمة من بعدک و إن الملائکة لخدامنا و خدام محبينا يا علي المؤمن من آمن بولايتنا أ ليس الذين يحملون العرش و من حوله يسبحون بحمد ربهم و يستغفرون للذين آمنوا حملة العرش و من حوله من الملائکة يخدمون المؤمنين بالاستغفار دائبين الليل و النهار يا علي لو لا نحن لما خلق الله آدم و لا حواء و لا الجنة و لا النار و لا السماء و لا الأرض و کيف لا نکون أفضل من الملائکة و قد سبقناهم إلي معرفة ربنا عز و جل و تسبيحه و تقديسه و تهليله لأن أول ما خلق الله عز و جل أرواحنا فأنطقها بتوحيده و تحميده ثم خلق الملائکة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظمت أمورنا فسبحنا لتعلم الملائکة أنا خلق مخلوقون و أنه منزه عن صفاتنا فسبحت الملائکة و نزهته عن صفاتنا فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائکة أن لا إله إلا الله فلما شاهدوا کبر محلنا کبرنا لتعلم الملائکة أن الله أکبر من أن ينال عظيم المحال فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العز و القوة قلنا لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم لتعلم الملائکة أن لا حول و لا قوة إلا بالله فقالت الملائکة لا حول و لا قوة إلا بالله فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا و أوجبه من فرض الطاعة لنا قلنا الحمد لله لتعلم الملائکة ما يحق لله تعالي ذکره علينا من الحمد علي نعمه فقالت الملائکة الحمد لله فبنا اهتدوا إلي معرفة توحيد الله و تسبيحه و تهليله و حمده و تمجيده ثم إن الله تبارک و تعالي خلق آدم (ع) و أودعنا صلبه و أمر الملائکة
[ صفحه 13]
بالسجود له تعظيما لنا و إکراما و کان سجودهم لله عز و جل عبودية و لآدم إکراما و طاعة لکوننا في صلبه فکيف لا يکون أعظم من الملائکة و قد سجدوا لآدم کلهم أجمعون و لما عرج بي جبرئيل إلي السماء أذن جبرئيل مثني مثني و أقام مثني مثني ثم قال لي تقدم يا محمد فقلت له يا جبرئيل أتقدم عليک فقال نعم إن الله تعالي فضل أنبياءه علي ملائکته أجمعين و فضلک خاصة و تقدمت و صليت بهم و لا فخر فلما انتهينا إلي حجب النور قال لي جبرئيل تقدم يا محمد و تخلف عني فقلت يا جبرئيل في مثل هذا الموضع فقال يا محمد إن انتهاء حدي الذي وضعني الله عز و جل هذا المکان فإن تجاوزت احترقت أجنحتي لتعدي حدود ربي جل جلاله فزج زجة في النور حتي انتهيت إلي حيث ما شاء الله عز و جل من ملکوته فنوديت يا محمد أنت عبدي و أنا ربک فإياي فاعبد و علي فتوکل فإنک نوري في عبادي و رسولي إلي خلقي و حجتي في بريتي لمن تبعک خلقت جنتي و لمن خالفک خلقت ناري و لأوصيائک أوجبت کرامتي و لشيعتهم أوجبت ثوابي فقلت يا رب و من أوصيائي فنوديت يا محمد أوصياؤک المکتوبون علي ساق العرش فنظرت و أنا بين يدي ربي إلي ساق العرش فرأيت اثني عشر نورا في کل نور سطر عليه اسم کل وصي من أوصيائي أولهم علي بن أبي طالب و آخرهم مهدي أمتي فقلت يا رب إن هؤلاء أوصيائي بعدي فنوديت يا محمد إن هؤلاء أوليائي و أحبائي و أصفيائي و حججي بعدک علي بريتک و هم
[ صفحه 14]
أوصياؤک و خلفاؤک و خير خلقي بعدک و عزتي و جلالي لأظهرن بهم ديني و لأعلنن بهم کلمتي و لأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي و لأملکنه مشارق الأرض و مغاربها و لأسخرن له الرياح و لأذلن له الرقاب الصعاب و لأرقينه في الأسباب و لأنصرنه بجندي و لأمدنه بملائکتي حتي يعلن دعوتي و يجمع الخلق علي توحيدي ثم لأديمن ملکه و لأداولن الأيام بين أوليائي إلي يوم القيامة فإذا کان ذلک کذلک فأين من ادعي فيه الإمامة غير هؤلاء المعصومين إلي يوم القيامة و هذه الصفات و أني لهم هذه الحالات و هل أخص بها إلا هم (ع) دون سائر الأنام ذلک فضل الله يؤتيه من يشاء و الله ذو الفضل العظيم
[ صفحه 15]