غيبة المهدي و سفرائه
للمهدي عجل الله فرجه غيبتان صغري و کبري کما جاءت بذلک الأخبار عن أئمة أهل البيت عليهم السلام و يقال قصري و طولي.
أما الغيبة الصغري
فمن مولده إلي انقطاع السفارة بينه و بين شيعته هکذا ذکر المفيد و غيره فجعلوا ابتداء الغيبة من مولده لا من ابتداء إمامته لأنها کانت کذلک و لا وجه لجعلها من ابتداء إمامته و لذلک کانت أربعا و سبعين سنة هذا بناء علي أن وفاة السمري سنة ثلثمائة و تسع و عشرين إما بناء علي أن وفاته سنة ثمان و عشرين (328) کما في أعلام الوري فتنقص سنة مع أنه ذکر أن مدة الغيبة الصغري أربع و سبعون سنة. بوفاة السفراء و عدم نصب غيرهم و هي أربع و سبعون سنة ففي هذه المدة کان السفراء يرونه و ربما رآه غيرهم و يصلون إلي خدمته و تخرج علي أيديهم توقيعات منه إلي شيعته في أجوبة مسائل و في أمور شتي.
و أما الغيبة الکبري
فهي بعد الأولي و في آخرها يقوم بالسيف (و قد جاء في بعض التوقيعات أنه بعد الغيبة الکبري لا يراه أحد و إن من ادعي الرؤية قبل خروج السفياني و الصيحة فهو کذاب (و جاء) في عدة أخبار أنه يحضر المواسم کل سنة فيري الناس و يعرفهم و يرونه و لا يعرفونه.
أما السفراء
في زمن الغيبة الصغري بينه و بين شيعته فهم أربعة.
(الأول أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمرو العمري)
بفتح العين و سکون الميم و کان أسديا فنسب إلي جده أبي أمه جعفر العمري و قيل إن أبا محمد الحسن العسکري عليه السلام أمر بکسر کنيته فقيل العمري و يقال له العسکري لأنه کان يسکن عسکر سر من رأي و يقال له السمان لأنه کان يتجر بالسمن تغطية للأمر و کان الشيعة إذا حملوا إلي الحسن العسکري عليه السلام ما يجب عليهم من المال جعله أبو عمرو في زقاق السمن و حمله إليه تقية و خوفا و کان علي الهادي عليه السلام نصبه وکيلا ثم ابنه الحسن العسکري عليه السلام ثم کان سفيرا للمهدي عليه السلام قال الشيخ الطوسي في کتاب الغيبة في حقه أنه الشيخ الموثوق به و قال علي الهادي عليه السلام في حقه هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لکم فعني يقوله و ما أداه إليکم فعني يؤديه (و سأله) بعض أصحابه لمن أعامل و عمن آخذ و قول من أقبل فقال العمري ثقتي فما أدي إليک فعني يؤدي و ما قال لک فعني يقول فاسمع له و أطع فانه الثقة المأمون.
(و قال) الحسن العسکري عليه السلام في حقه بعد مضي أبيه هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي و ثقتي في المحيا و الممات فما قاله لکم فعني يقوله و ما أداه إليکم فعني يؤديه (و جاءه) أربعون رجلا من أصحابه يسألونه عن الحجة من بعده فإذا غلام کأنه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمد فقال هذا إمامکم من بعدي و خليفتي عليکم أطيعوه و لا تتفرقوا من بعدي فتهلکوا في أديانکم ألا و أنکم لا ترونه بعد يومکم هذا حتي يتم له عمر فأقبلوا من عثمان بن سعيد ما يقوله و انتهوا إلي أمره و أقبلوا قوله فهو خليفة إمامکم و الأمر إليه (و عثمان) بن سعيد هو الذي حضر تغسيل الحسن العسکري عليه السلام و تولي جميع أمره في تکفينه و تحنيطه و دفنه مأمورا بذلک (قال) الشيخ الطوسي في کتاب الغيبة و کانت توقيعات صاحب الأمر عليه السلام تخرج علي يده و يد ابنه محمد إلي شيعته و خواص أبيه بالأمر و النهي و أجوبة المسائل بالخط الذي کان يخرج في حياة الحسن العسکري عليه السلام فلم تزل الشيعة مقيمة علي عدالتهما حتي توفي عثمان بن سعيد لم يتيسر لنا الاطلاع علي تأريخ وفاته.و غسله ابنه محمد و دفن بالجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في قبلة مسجد الذرب يدخل إلي موضع القبر في بيت ضيق مظلم فکنا نزوره مشاهرة من وقت دخولي إلي بغداد سنة ثمان و أربعمائة إلي سنة و نيف و ثلاثين و أربعمائة ثم عمره الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج و أبرز القبر إلي برا و عمل عليه صندوقا تحت سقف و يتبرک جيران المحلة بزيارته و يقولون هو رجل صالح و ربما قالوا هو ابن داية الحسين عليه السلام و لا يعرفون حقيقة الحال و هو کذلک إلي يومنا هذا و هو سنة أربع و أربعين و أربعمائة.
(الثاني أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري)
روي الشيخ في کتاب الغيبة عن هبة الله بن محمد عن شيوخه قالوا لم تزل الشيعة مقيمة علي عدالة عثمان بن سعيد و جعل الأمر بعد موته کله مردودا إلي ابنه أبي جعفر و الشيعة مجمعة علي عدالته و ثقته و أمانته للنص عليه بالأمانة و العدالة و الأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن العسکري عليه السلام. و بعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد لا يختلف في عدالته و لا يرتاب بإمانته و التوقيعات تخرج علي يده إلي الشيعة في المهمات طول حياته بالخط الذي کانت تخرج به في حياة أبيه عثمان (و قال) الشيخ أيضا لما مضي أبو عمرو عثمان بن سعيد قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه بنص أبي محمد الحسن العسکري عليه السلام و نص أبيه عثمان عليه بأمر القائم عليه السلام.
قال الحسن العسکري عليه السلام اشهدوا علي أن عثمان بن سعيد العمري وکيلي و أن ابنه محمدا وکيل ابني مهديکم (و قال عليه السلام) لبعض أصحابه العمري و ابنه ثقتان فما أديا إليک فعني يؤديان و ما قالا لک فعني يقولان فاسمع لهما و أطعهما فإنهما الثقتان المأمونان (و کانت) لأبي جعفر محمد بن عثمان کتب في الفقه مما سمعه من أبي محمد الحسن عليه السلام و من الصاحب عليه السلام و من أبيه عثمان عن أبي محمد و عن أبيه علي بن محمد منها کتب الأشربة.
(و روي) عنه أنه قال و الله أن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم کل سنة يري الناس و يعرفهم و يرونه و لا يعرفونه (و قيل) له رأيت صاحب هذا الأمر قال نعم و آخر عهدي به عند بيت الله الحرام و هو يقول اللهم أنجز لي ما وعدتني (و قال) رأيته عليه السلام متعلقا باستار الکعبة في المستجار و هو يقول اللهم انتقم بي من أعدائک (و دخل) علي محمد بن عثمان بعض أصحابه فرآه و بين يديه ساجة و نقاش ينقش عليها آيا من القرآن و أسماء الأئمة عليهم السلام علي حواشيها فقال هذه لقبري أوضع عليها أو قال أسند إليها و قد فرغت منه و أنا کل يوم أنزل فيه فأقرأ جزءا من القرآن فإذا کان يوم کذا من شهر کذا من سنة کذا صرت إلي الله و دفنت فيه فکان کما قال (و في رواية) أنه حفر قبرا و قال أمرت أن أجمع أمري فمات بعد شهرين.
(و کانت وفاته) في آخر جمادي الأولي سنة خمس و ثلثمائة أو أربع و ثلثمائة و تولي هذا الأمر نحوا من خمسين سنة هکذا حکاه الشيخ محمد بن الحسن الطوسي في کتاب الغيبة عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الکاتب ابن بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العمري و لا يخفي أن هذه المدة هي من حين ولادة الصاحب عليه السلام و هي سنة 255 إلي وقت وفاة محمد بن عثمان و هي سنة 305 مع أن محمد بن عثمان لم يتول السفارة من حين ولادة الصاحب عليه السلام بل بعد وفاة أبيه عثمان فلا بد أن ينقص من هذه المدة خمس سنين من ولادة الحجة عليه السلام إلي حين وفاة العسکري عليه السلام و ينقص منها مدة سفارة عثمان بن سعيد إلي حين وفاته و تولي ولده السفارة بعده. و دفن عند والدته بشارع الکوفة في بغداد قيل و هو الآن في وسط الصحراء.
(الثالث أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي)
أقامه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه قبل وفاته بسنتين أو ثلاث سنين فجمع وجوه الشيعة و شيوخها و قال لهم إن حدث علي حدث الموت فالأمر إلي أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي فقد أمرت أن أجعله في موضعي بعدي فارجعوا إليه و عولوا في أمورکم عليه»و في رواية«أنهم سألوه إن حدث أمر فمن يکون مکانک فقال لهم هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي القائم مقامي و السفير بينکم و بين صاحب الأمر و الوکيل له و الثقة الأمين فارجعوا إليه في أمورکم و عولوا عليه في مهماتکم فبذلک أمرت و قد بلغت.
»وکان«محمد بن عثمان العمري له من يتصرف له ببغداد نحو من عشرة أنفس منهم الحسين بن روح و کلهم کان أخص به من الحسين بن روح و کان مشايخ الشيعة لا يشکون في أن الذي يقوم مقام محمد بن عثمان هو جعفر بن أحمد بن متيل أو أبوه لما رأوه من الخصوصية به و کثرة وجوده في منزله حتي إنه کان في آخر عمره لا يأکل طعاما إلا ما أصلح في منزل جعفر أو أبيه بسبب وقع له و يأکله في منزل أحدهما فلما وقع الاختيار علي أبي القاسم سلموا و لم ينکروا و کانوا معه و بين يديه کما کانوا مع أبي جعفر محمد بن عثمان و منهم جعفر بن أحمد بن متيل قال جعفر لما حضرت محمد بن عثمان الوفاة کنت جالسا عند رأسه أسائله و أحدثه و أبو القاسم بن روح عند رجليه فقال لي أمرت أن أوصي إلي أبي القاسم الحسين بن روح فقمت من عند رأسه و أخذت بيد أبي القاسم و أجلسته في مکاني و تحولت إلي عند رجليه.
»و في رواية«أن الحسين بن روح کان وکيلا لمحمد بن عثمان سنين کثيرة ينظر له في أملاکه و کان خصيصا به و کان يدفع إليه في کل شهر ثلاثين دينارا رزقا له غير ما يصل إليه من الوزراء و الرؤساء من الشيعة مثل آل الفرات و غيرهم فتمهدت له الحال في طول حياة محمد بن عثمان إلي أن أوصي إليه (و قال) الشيخ الطوسي رحمه الله في کتاب الغيبة کان أبو القاسم رحمه الله من أعقل الناس عند المخالف و الموافق و يستعمل التقية (و توفي) أبو القاسم الحسين بن روح في شعبان سنة ست و عشرين و ثلثمائة و دفن في النوبختية في الدرب النافذ إلي التل و إلي درب الآجر و إلي قنطرة الشوک.
(الرابع أبو الحسن علي بن محمد السمري)
أوصي إليه الحسين بن روح فقام بما کان إليه»روي«الشيخ الطوسي رحمه الله في کتاب الغيبة بسنده عن أحمد بن إبراهيم بن مخلد قال حضرت بغداد عند المشايخ رحمهم الله فقال الشيخ أبو الحسن علي محمد السمري قدس الله روحه ابتداء منه رحم الله علي بن الحسين بن بابويه القمي (و هو والد الصدوق) فکتب المشايخ تاريخ ذلک اليوم فورد الخبر إنه توفي في ذلک اليوم (و في رواية) أنه کان يسألهم عن خبر علي بن الحسين بن بابويه فيقولون قد ورد الکتاب باستقلاله حتي کان اليوم الذي قبض فيه فسألهم فذکروا مثل ذلک فقال لهم آجرکم الله فيه فقد قبض في هذه الساعة فأثبتوا التأريخ فلما کان بعد سبعة عشر يوما أو ثمانية عشر ورد الخبر بوفاته في تلک الساعة.
(و روي) الشيخ في کتاب الغيبة أيضا بسنده أن السمري أخرج قبل وفاته بأيام إلي الناس توقيعا (نسخته) بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانک فيک فأنت ميت ما بينک و بين ستة أيام فاجمع أمرک و لا توص إلي أحد فيقوم مقامک بعد وفاتک فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالي ذکره و ذلک بعد طول الأمد و قسوة القلوب و امتلاء الأرض جورا و سيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن ادعي المشاهدة قبل خروج السفياني و الصيحة فهو کذاب مفتر و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(قال الراوي) فلما کان اليوم السادس عدنا إليه و هو يجود بنفسه فقيل له من وصيک من بعدک فقال لله أمر هو بالغه (و کانت) وفاته في النصف من شعبان سنة ثمان و عشرين أو تسع و عشرين و ثلثمائة و دفن في الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع باب المحول قريبا من شاطئ نهر أبي عتاب.