و من کتاب له إلي الشيخ المفيد
91- قال العلاّمة الطبرسي: ذکر کتاب ورد من الناحية المقدّسة حرسها الله ورعاها في أيام بقيت من صفر سنة عشر وأربعمائة علي الشيخ أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان قدّس الله روحه ونوّر ضريحه، ذکر موصله أ نّه تحمّله من ناحية متّصلة بالحجاز، نسخته:
للاخ السديد، والوليّ الرشيد، الشيخ المفيد أبي عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان أدام الله إعزازه من مستودع العهد المأخوذ علي العباد.
بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، سلام عليک أيّها المولي المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين، فإنّا نحمد إليک الله الذي لا إله إلاّ هو، ونسأله الصلاة علي سيّدنا ومولانا نبيّنا محمّد وآله الطاهرين ونعلمک - أدام الله توفيقک لنصرة الحقّ، وأجزل مثوبتک علي نطقک عنّا بالصدق - أ نّه قد اُذن لنا في تشريفک بالمکاتبة وتکليفک ما تؤدّيه عنّا إلي موالينا قبلک، أعزّهم الله بطاعتک، وکفاهم المهمّ برعايته لهم وحراسته.
فقف أمدّک الله بعونه علي أعدائه المارقين من دينه، علي ما نذکره، واعمل في تأديته إلي من تسکن إليه بما نرسمه إن شاء الله، نحن وإن کنّا ثاوين بمکاننا النائي عن مساکن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالي لنا من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في
[ صفحه 123]
ذلک، ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنّا يحيط علمنا بأنبائکم، ولا يعزب عنّا شيء من أخبارکم، ومعرفتنا بالزلل الذي أصابکم، مذ جنح کثير منکم إلي ما کان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ منهم وراء ظهورهم کأ نّهم لا يعلمون.
إنّا غير مهملين لمراعاتکم، ولا ناسين لذکرکم، ولولا ذلک لنزل بکم اللاواء واصطلمکم الاعداء، فاتّقوا الله جلّ جلاله، وظاهرونا علي انتياشکم [1] من فتنة قد أنافت عليکم، يهلک فيها من حمّ [2] أجله، ويحمي عليه من أدرک أمله، وهي أمارة لاُزوف حرکتنا، ومباثّتکم بأمرنا ونهينا، والله متمّ نوره ولو کره المشرکون.
اعتصموا بالتقيّة من شبّ نار الجاهليّة، يحششها [3] عصب اُموية تهول بها فرقة مهديّة، أنا زعيم بنجاة من لم يرم منها المواطن الخفيّة، وسلک في الطعن منها السبل الرضيّة، إذا حلّ جمادي الاُولي من سنتکم هذه.
فاعتبروا بما يحدث فيه، واستيقظوا من رقدتکم لما يکون من الذي يليه، ستظهر لکم من السماء آية جليّة، ومن الارض مثلها بالسويّة، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق، ويغلب من بعد علي العراق طوائف عن الاسلام مرّاق، يضيق بسوء فعالهم علي أهله الارزاق.
ثمّ تتفرّج الغمّة من بعده، ببوار طاغوت من الاشرار، يسرّ بهلاکه المتّقون الاخيار، ويتّفق لمريدي الحجّ من الافاق، ما يأملونه علي توفير غلبة منهم واتّفاق، ولنا في تيسير حجّهم علي الاختيار منهم والوفاق، شأنٌ يظهر علي نظام واتّساق.
[ صفحه 124]
فيعمل کلّ امرئ منکم ما يقرب به من محبّتنا، وليتجنّب ما يدنيه من کراهيتنا، وسخطنا، فإنّ امرءاً يبغته فجأة حين لا تنفعه توبة، ولا ينجيه من عقابنا ندم علي حوبة، والله يلهمک الرشد، ويلطف لکم بالتوفيق برحمته.
نسخة التوقيع باليد العليا علي صاحبها السلام:
هذا کتابنا إليک أ يّها الاخ الوليّ، والمخلص في ودّنا الصفيّ، والناصر لنا الوفيّ، حرسک الله بعينه التي لا تنام، فاحتفظ به ولا تظهر علي خطّنا الذي سطّرناه بماله ضمنّاه أحداً، وأدِّ ما فيه إلي من تسکن إليه، وأوصِ جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله، وصلّي الله علي محمّد وآله الطاهرين [4] .
92- وورد عليه (رحمه الله) کتاب آخر من قبله صلوات الله عليه يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجّة سنة اثنتي عشرة وأربعمائة نسخته:
من عبد الله المرابط في سبيله إلي ملهم الحقّ ودليله.
بسم الله الرحمن الرحيم، سلام عليک أ يّها الناصر للحقّ الداعي إلي کلمة الصدق، فإنّا نحمد الله إليک الذي لا إله إلاّ هو، إلهنا وإله آبائنا الاوّلين، ونسأله الصلاة علي نبيّنا وسيّدنا ومولانا محمّد خاتم النبيّين وعلي أهل بيته الطيّبين الطاهرين.
وبعد: فقد کنّا نظرنا مناجاتک عصمک الله بالسبب الذي وهبه لک من أوليائه وحرسک من کيد أعدائه، وشفّعنا ذلک الان من مستقرّ لنا، ينصب في شمراخ [5] من
[ صفحه 125]
بهماء صرنا إليه آنفاً من غماليل ألجأ إليه السباريت [6] من الايمان، ويوشک أن يکون هبوطنا منه إلي صحصح من غير بعد من الدهر، ولا تطاول من الزمان، ويأتيک نبأ منّا بما يتجدّد لنا من حال، فتعرف بذلک ما تعتمده من الزلفة إلينا بالاعمال، والله موفّقک لذلک برحمته.
فلتکن حرسک الله بعينه التي لا تنام أن تقابل بذلک، ففيه تبسل نفوس قوم حرثت باطلاً لاسترهاب المبطلين وتبتهج لدمارها المؤمنون، ويحزن لذلک المجرمون.
وآية حرکتنا من هذه اللوثة [7] حادثة بالحرم المعظّم، من رجس منافق مذمّم، مستحلّ للدم المحرّم، يعمد بکيده أهل الايمان، ولا يبلغ بذلک غرضه من الظلم لهم والعدوان، لا نّنا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملک الارض والسماء، فليطمئنّ بذلک من أوليائنا القلوب وليثقوا بالکفاية منه، وإن راعتهم بهم الخطوب، والعاقبة لجميل صنع الله سبحانه تکون حميدة لهم، ما اجتنبوا المنهيّ عنه من الذنوب.
ونحن نعهد إليک أيّها الوليّ المخلص المجاهد فينا الظالمين، أيّدک الله بنصره الذي أيّد به السلف من أوليائنا الصالحين، أ نّه من اتّقي ربّه من إخوانک في الدين
[ صفحه 126]
وخرج عليه بما هو مستحقّه [8] کان آمناً من الفتنة المظلّة [9] ، ومحنها المظلمة المضلّة، ومن بخل منهم بما أعاره الله من نعمته، علي من أمره بصلته، فإنّه يکون خاسراً بذلک لاُولاه وآخرته.
ولو أنّ أشياعنا وفّقهم الله لطاعته، علي اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخّر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا، علي حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلاّ ما يتّصل بنا ممّـا نکرهه، ولا نؤثره منهم، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوکيل، وصلواته علي سيّدنا البشير النذير، محمّد وآله الطاهرين وسلّم، وکتب في غرّة شوّال من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.
نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله علي صاحبها: هذا کتابنا إليک أيّها الوليّ الملهم للحقّ العليّ بإملائنا وخطّ ثقتنا، فأخفه عن کلّ أحد، واطوه، واجعل له نسخة يطّلع عليها من تسکن إلي أمانته من أوليائنا، شملهم الله ببرکتنا ودعائنا إن شاء الله، والحمد لله والصلاة علي سيّدنا محمّد وآله الطاهرين [10] .
إلي هنا انتهي ما أردنا إيراده من توقيعاته (عليه السلام)، ولو استقصيناها جميعاً لخرجنا عن غرض الکتاب، نرجو من فضله تعالي أن يجعلنا من أنصار حجّته، والقائمين بدينه، ومن أعوانه، والشهداء تحت لوائه، وأن يقرّ عيوننا بطلعته الرشيدة، فإنّه المرجوّ لکلّ خير وفضل.
[ صفحه 127]
پاورقي
[1] الانتياش: التناول.
[2] حمّ: قُدّر.
[3] حشّ النار: أوقدها.
[4] الاحتجاج: 495، بحار الانوار 53: 176.
[5] الشمراخ: رأس الجبل، وقوله (من مستقرٍّ لنا) أي مخيّم ينصب لنا في رأس جبل.
[6] الغماليل: جمع الغملول ـ بالضمّ ـ وهو الوادي أو الشجر أو کلّ مجتمع أظلم وتراکم من شجر أو غمام أو ظلمة، والسباريت: جمع السبروت ـ بالضم ـ، وهو القفر لا نبات فيه، والفقير ولعلّ الاخير أنسب، وأبسلت فلاناً: أسلمته للهلکة.
[7] اللُّوثة: الاسترخاء، وتأتي بمعني الشرّ والدنس، وفي بعض النسخ: اللوبة، وهي الحرّة من الارض ذات الحجارة السود کاللابة، وفي بعضها: اللزبة: وهي الشدّة والقحط.
[8] وفي نسخة: «وخرج ممّـا عليه إلي مستحقّيه».
[9] ويحتمل أن تکون بالمهلمة «المطلة»، وکلاهما بمعني المشرفة.
[10] الاحتجاج: 498، بحار الانوار 53: 176.