بازگشت

توقيع خرج في من ارتاب فيه


78- عن الشيخ الموثّق أبي عمر العامري رحمة الله عليه قال: تشاجر ابن أبي غانم القزويني وجماعة من الشيعة في الخلف فذکر ابن أبي غانم أنّ أبا محمّد (عليه السلام) مضي ولا خلف له ثمّ إنّهم کتبوا في ذلک کتاباً وأنفذوه إلي الناحية، وأعلموا بما تشاجروا فيه، فورد جواب کتابهم بخطّه صلّي الله عليه وعلي آبائه:

بسم الله الرحمن الرحيم، عافانا الله وإيّاکم من الفتن، ووهب لنا ولکم روح اليقين، وأجارنا وإيّاکم من سوء المنقلب، إنّه اُنهي إليّ ارتياب جماعة منکم في الدين، وما دخلهم من الشکّ والحيرة في ولاة أمرهم، فغمّنا ذلک لکم لا لنا وسأونا [1] فيکم لا فينا، لانّ الله معنا فلا فاقة بنا إلي غيره، والحقّ معنا فلن يوحشنا من قعد عنّا، ونحن صنائع ربّنا، والخلق بعد صنائعنا.

يا هؤلاء، ما لکم في الريب تتردّدون، وفي الحيرة تنعکسون [2] ، أو ما سمعتم الله عزّ وجلّ يقول: (يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسولَ وَاُولي الامْرِ مِنْکُمْ) [3] ؟ أوَ ما علمتم ما جاءت به الاثار ممّـا يکون ويحدث في أئمّتکم علي الماضين والباقين منهم (عليهم السلام)؟ أوَ ما رأيتم کيف جعل الله لکم معاقل تأوون إليها، وأعلاماً تهتدون بها من لدن آدم إلي أن ظهر الماضي (عليه السلام)، کلّما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم، فلمّـا قبضه الله إليه ظننتم أنّ الله أبطل دينه، وقطع السبب



[ صفحه 109]



بينه وبين خلقه، کلاّ ما کان ذلک ولا يکون، حتّي تقوم الساعة، ويظهر أمر الله وهم کارهون.

وإنّ الماضي (عليه السلام) مضي سعيداً فقيداً علي منهاج آبائه (عليهم السلام) حذو النعل بالنعل وفينا وصيّته وعلمه، ومن هو خلفه، ومن يسدّ مسدّه، ولا ينازعنا موضعه إلاّ ظالم آثم، ولا يدّعيه دوننا إلاّ جاحد کافر، ولولا أنّ أمر الله لا يغلب، وسرّه لا يظهر ولا يعلن، لظهر لکم من حقّنا ما تبهر منه عقولکم، ويزيل شکوککم، لکنّه ما شاء الله کان، ولکلّ أجل کتاب.

فاتّقوا الله، وسلّموا لنا، وردّوا الامر إلينا، فعلينا الاصدار، کما کان منّا الايراد، ولا تحاولوا کشف ما غُطّي عنکم، ولا تميلوا عن اليمين، وتعدلوا إلي اليسار، واجعلوا قصدکم إلينا بالمودّة علي السنّة الواضحة، فقد نصحت لکم والله شاهد عليّ وعليکم.

ولولا ما عندنا من محبّة صلاحکم ورحمتکم، والاشفاق عليکم، لکنّا عن مخاطبتکم في شغل ممّـا قد امتحنّا من منازعة الظالم العتل [4] الضالّ المتابع في غيّه، المضادّ لربّه، المدّعي ما ليس له، الجاحد حقّ من افترض الله طاعته، الظالم الغاصب.

وفي ابنة رسول الله (صلي الله عليه وآله) لي اُسوة حسنة، وسيُردي الجاهل رداءة عمله وسيعلم الکافر لمن عقبي الدار، عصمنا الله وإيّاکم من المهالک والاسواء، والافات والعاهات کلّها برحمته فإنّه وليّ ذلک، والقادر علي ما يشاء، وکان لنا ولکم وليّاً وحافظاً، والسلام علي جميع الاوصياء والاولياء والمؤمنين، ورحمة الله وبرکاته،



[ صفحه 110]



وصلّي الله علي محمّد النبيّ وسلّم تسليماً [5] .

79- وله (عليه السلام) توقيع إلي مرتاب آخر رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن ابن الوليد، عن سعد، عن علاّن، عن محمّد بن جبرئيل، عن إبراهيم ومحمّد ابني الفرج، عن محمّد بن إبراهيم بن مهزيار أ نّه ورد العراق شاکّاً مرتاداً فخرج إليه: قل للمهزيار قد فهمنا ما حکيته عن موالينا بناحيتکم، فقل لهم: أما سمعتم الله عزّ وجلّ يقول: (يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسولَ وَاُولي الامْرِ مِنْکُمْ) [6] ، هل أمر إلاّ بما هو کائن إلي يوم القيامة، أوَ لم تروا أنّ الله عزّ وجلّ جعل لهم معاقل يأوون إليها وأعلاماً يهتدون بها من لدن آدم إلي أن ظهر الماضي صلوات الله عليه کلّما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم، فلمّـا قبضه الله عزّ وجلّ إليه، ظننتم أنّ الله قد قطع السبب بينه وبين خلقه، کلاّ ما کان ذلک، ولا يکون حتّي تقوم الساعة، ويظهر أمر الله وهم کارهون.

يا محمّد بن إبراهيم، لا يدخلک الشکّ فيما قدمت له، فإنّ الله لا يخلي الارض من حجّة، أليس قال لک أبوک قبل وفاته: أحضر الساعة من يعيّر هذه الدناير التي عندي، فلمّـا أبطأ ذلک عليه، وخاف الشيخ علي نفسه الوحا [7] قال لک: عيّرها علي نفسک، وأخرج إليک کيساً کبيراً وعندک بالحضرة ثلاثة أکياس، وصرّة فيها دنانير مختلفة النقد، فعيّرتها وختم الشيخ عليها بخاتمه، وقال لک اختم مع خاتمي فإن



[ صفحه 111]



أعش فأنا أحقّ بها، وإن أمت فاتّق الله في نفسک أوّلاً ثمّ فيّ فخلّصني، وکن عند ظنّي بک.

أخرج رحمک الله الدنانير التي استفضلتها من بين النقدين من حسابنا، وهي بضعة عشر ديناراً، واستردّ من قبلک، فإنّ الزمان أصعب ما کان، وحسبنا الله ونعم الوکيل [8] .

80- وفي توقيع منه (عليه السلام) آخر بهذا المعني، کان خرج إلي العمري وابنه (رضي الله عنهما)، رواه سعد بن عبد الله، قال الشيخ أبو جعفر (رضي الله عنه): وجدته مثبتاً بخطّ سعد بن عبد الله (رضي الله عنه).

وفّقکما الله لطاعته، وثبّتکما علي دينه، وأسعدکما بمرضاته، انتهي إلينا ما ذکرتما أنّ الميثمي أخبرکما عن المختار، ومناظرته من لقي، واحتجاجه بأن لا خلف غير جعفر بن علي، وتصديقه إيّاه، وفهمت جميع ما کتبتما به ممّـا قال أصحابکما عنه، وأنا أعوذ بالله من العمي بعد الجلاء، ومن الضلالة بعد الهدي، ومن موبقات الاعمال، ومرديات الفتن، فإنّه عزّ وجلّ يقول: (ألم أحَسِبَ النَّاسُ أنْ يُتْرَکوا أنْ يَقولوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنون) [9] .

کيف يتساقطون في الفتنة، ويتردّدون في الحيرة، ويأخذون يميناً وشمالاً، فارقوا دينهم أم ارتابوا، أم عاندوا الحقّ أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والاخبار الصحيحة، أو علموا ذلک فتناسوا، أما تعلمون أنّ الارض لا تخلو من



[ صفحه 112]



حجّة إمّا ظاهراً، وإمّا مغموراً، أوَ لم يعلموا انتظام أئمّتهم بعد نبيّهم (صلي الله عليه وآله) واحداً بعد واحد إلي أن أفضي الامر بأمر الله عزّ وجلّ إلي الماضي - يعني الحسن بن علي - صلوات الله عليه، فقام مقام آبائه (عليهم السلام) يهدي إلي الحقّ وإلي طريق مستقيم.

کان نوراً ساطعاً وقمراً زاهراً، اختار الله عزّ وجلّ له ما عنده، فمضي علي منهاج آبائه (عليهم السلام) حذو النعل بالنعل، علي عهد عهده، ووصيّة أوصي بها إلي وصيّ ستره الله عزّ وجلّ بأمره إلي غاية، وأخفي مکانه بمشيّته، للقضاء السابق والقدر النافذ، وفينا موضعه، ولنا فضله، ولو قد أذن الله عزّ وجلّ فيما قد منعه وأزال عنه ما قد جري به من حکمه، لاراهم الحقّ ظاهراً بأحسن حلية، وأبين دلالة، وأوضح علامة، ولابان عن نفسه، وقام بحجّته، ولکن أقدار الله عزّ وجلّ لا تغالب، وإرادته لا تردّ، وتوفيقه لا يسبق.

فليدعو عنهم اتّباع الهوي، وليقيموا علي أصلهم الذي کانوا عليه، ولا يبحثوا عمّـا ستر عنهم فيأثموا، ولا يکشفوا ستر الله عزّ وجلّ فيندموا، وليعلموا أنّ الحقّ معنا وفينا، لا يقول ذلک سوانا إلاّ کذّاب مفتر، ولا يدّعيه غيرنا إلاّ ضالّ غويّ، فليقتصروا منّا علي هذه الجملة دون التفسير، ويقنعوا من ذلک بالتعريض دون التصريح، إن شاء الله [10] .


پاورقي

[1] مصدر بمعني السوء علي القلب المکاني، يقال: سأوت فلاناً، أي سؤته.

[2] کذا ولعلّها: تنتکسون.

[3] النساء: 59.

[4] الظالم العتلّ: قد يراد به جعفر الکذّاب، ويحتمل خليفة ذلک الزمان.

[5] الاحتجاج: 496، بحار الانوار 53: 178.

[6] النساء: 59.

[7] الوحا: السرعة والبدار، يعني أ نّه خاف علي نفسه الموت سريعاً.

[8] کمال الدين: 486 / 8، بحار الانوار 53: 185 / 16.

[9] العنکبوت: 2.

[10] کمال الدين: 510 / 42، بحار الانوار 53: 190 / 19.