هل تکون أعماله نسخا للشريعة؟
قالوا: إذا حصل الاجماع علي أن لا نبيّ بعد رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم)، وأنتم قد زعمتم أنّ القائم إذا قام لم يقبل الجزية من أهل الکتاب، وأ نّه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقّه في الدين، ويأمر بهدم المساجد والمشاهد، وأ نّه يحکم بحکم داود (عليه السلام) لا يسأل عن بيّنة، وأشباه ذلک ممّـا ورد في آثارکم، وهذا يکون نسخاً للشريعة، وإبطالاً لاحکامها، فقد أثبتّم معني النبوّة، وإن لم تتلفّظوا باسمها، فما جوابکم عنها؟
الجواب: أنّا لا نعرف ما تضمّنه السؤال من أ نّه (عليه السلام) لا يقبل الجزية من أهل
[ صفحه 564]
الکتاب، وأ نّه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقّه في الدين، فإن کان ورد بذلک خبر فهو غير مقطوع به.
وأمّا هدم المساجد والمشاهد، فقد يجوز أن يختصّ بهدم ما بُني من ذلک علي غير تقوي الله تعالي، وعلي خلاف ما أمر الله سبحانه به، وهذا مشروع قد فعله النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم).
وأمّا ما روي من أ نّه (عليه السلام) يحکم بحکم داود لا يسأل عن بيّنة، فهذا أيضاً غير مقطوع به، وإن صحّ فتأويله: أ نّه يحکم بعلمه فيما يعلمه، وإذا علم الامام أو الحاکم أمراً من الاُمور، فعليه أن يحکم بعلمه ولا يسأل البيّنة، وليس في هذا نسخ للشريعة.
علي أنّ هذا الذي ذکروه من ترک قبول الجزية واستماع البيّنة، لو صحّ لم يکن ذلک نسخاً للشريعة، لانّ النسخ هو ما تأخّر دليله عن الحکم المنسوخ ولم يکن مصاحباً له، فأمّا إذا اصطحب الدليلان فلا يکون أحدهما ناسخاً لصاحبه وإن کان يخالفه في الحکم، ولهذا اتّفقنا علي أنّ الله سبحانه لو قال: ألزموا السبت إلي وقت کذا، ثمّ لا تلزموه، أنّ ذلک لا يکون نسخاً، لانّ الدليل الرافع مصاحب للدليل الموجب.
وإذا صحّت هذه الجملة، وکان النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) قد أعلمنا بأنّ القائم من ولده يجب اتّباعه وقبول أحکامه، فنحن إذا صرنا إلي ما يحکم به فينا - وإن خالف بعض الاحکام المتقدّمة - غير عاملين بالنسخ، لانّ النسخ لا يدخل فيما يصطحب الدليل، وهذا واضح [1] .
[ صفحه 565]
وفي (البحار) روي الحسين بن مسعود في (شرح السنّة) بإسناده عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) أ نّه قال: والذي نفسي بيده ليوشکن أن ينزل فيکم ابن مريم حکماً عدلاً، يکسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، فيفيض المال حتّي لا يقبله أحد.
ثمّ قال:
قوله: يکسر الصليب، يريد إبطال النصرانية، ويحکم بشرع الاسلام، ومعني قتل الخنزير تحريم اقتنائه وأکله وإباحة قتله، وقوله: يضع الجزية، معناه يضعها عن أهل الکتاب ويحملهم علي الاسلام، فقد روي أبو هريرة عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) في نزول عيسي: ويهلک في زمانه الملل کلّها إلاّ الاسلام ويهلک الدجّال، فيمکث في الارض أربعين سنة، ثمّ يتوفّي فيصلّي عليه المسلمون. وقيل: معني الجزية أنّ المال يکثر حتّي لا يوجد محتاج ممّن يوضع فيهم الجزية، يدلّ عليه قوله: فيفيض المال حتّي لا يقبله أحد.
وروي البخاري بإسناده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): کيف أنتم إذا نزل ابن مريم وإمامکم منکم، وهذا حديث متّفق علي صحّته، انتهي.
وقد أورد البخاري وغيره أخباراً اُخر في ذلک، فظهر أنّ هذه الاُمور المنقولة من سير القائم (عليه السلام) لا تختصّ بنا، بل أوردها مخالفونا ونسبوها إلي عيسي (عليه السلام)، لکن قد رووا أنّ (إمامکم منکم)، فما کان جوابهم فهو جوابنا، والشبهة مشترکة بينهم وبيننا [2] .
[ صفحه 566]
پاورقي
[1] إعلام الوري: 477 ـ 478، کشف الغمّة 3: 356.
[2] أعيان الشيعة 2: 64، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 79.