اذا کانت العلة في غيبته خوفه من الظالمين، فلماذا لا يظهر لأو
قالوا: إذا کانت العلّة في غيبة الامام خوفه من الظالمين واتقاؤه من المخالفين، فهذه العلّة منتفية عن أوليائه، فيجب أن يکون ظاهراً لهم، أو يجب أن يسقط عنهم التکليف الذي إمامته لطف فيه؟
الجواب: قد أجاب أصحابنا عن هذا السؤال بأجوبة:
أحدها: أنّ الامام ليس في تقيّة من أوليائه وإن غاب عنهم کغيبته من أعدائه لخوفه من إيقاعهم الضرر به، وعلمه بأ نّه لو ظهر لهم لسفکوا دمه. وغيبته عن أوليائه لغير هذه العلّة، وهو أ نّه أشفق من إشاعتهم خبره، والتحدّث منهم کذلک علي وجه التشرّف بذکره، والاحتجاج بوجوده، فيؤدّي ذلک إلي علم أعدائه بمکانه، فيعقب علمهم بذلک ما ذکرناه من وقوع الضرر به.
وثانيها: أنّ غيبته عن أعدائه للتقيّة منهم، وغيبته عن أوليائه للتقيّة عليهم، والاشفاق من إيقاع الضرر بهم، إذ لو ظهر للقائلين بإمامته وشاهده بعض أعدائه وأذاع خبره طولب أولياؤه به، فإذا فات المطالب بالاستتار أعقب ذلک عظيم
[ صفحه 559]
المکروه والضرر بأوليائه، وهذا معروف بالعادات.
وثالثها: أ نّه لا بدّ أن يکون في المعلوم أنّ في القائلين بإمامته من لا يرجع عن الحقّ من اعتقاد إمامته، والقول بصحّتها علي حال من الاحوال، فأمره الله تعالي بالاستتار ليکون المقام علي الاقرار بإمامته مع الشبهة في ذلک وشدّة المشقّة أعظم ثواباً من المقام علي الاقرار بإمامته مع المشاهدة له، فکانت غيبته عن أوليائه لهذا الوجه، ولم تکن للتقيّة منهم.
ورابعها: وهو الذي عوّل عليه المرتضي - قدّس الله روحه - قال: نحن أوّلاً: لا نقطع علي أ نّه لا يظهر لجميع أوليائه، فإنّ هذا أمر مغيّب عنّا، ولا يعرف کلّ منّا إلاّ حال نفسه، فإذا جوّزنا ظهوره لهم کما جوّزنا غيبته عنهم فنقول في علّة غيبته عنهم: إنّ الامام عند ظهوره من الغيبة إنّما يميّز شخصه کما يعرف عينه بالمعجز الذي يظهر علي يديه، لانّ النصوص الدالّة علي إمامته لا تميّز شخصه من غيره کما ميّزت أشخاص آبائه، والمعجز إنّما يعلم دلالته بضرب من الاستدلال، والشبهة تدخل في ذلک، فلا يمتنع أن يکون کلّ من لم يظهر له من أوليائه، فإنّ المعلوم من حاله أ نّه متي ظهر له قصر في النظر في معجزه، ولحقّ لهذا التقصير بمن يخاف منه من الاعداء.
علي أنّ أولياء الامام وشيعته منتفعون به في حال غيبته، لا نّهم مع علمهم بوجوده بينهم، وقطعهم بوجوب طاعته عليهم، لا بدّ أن يخافوه في ارتکاب القبيح، ويرهبوا من تأديبه وانتقامه ومؤاخذته، فيکثر منهم فعل الواجب، ويقلّ ارتکاب القبيح، أو يکونوا إلي ذلک أقرب، فيحصل لهم اللطف به مع غيبته.
بل ربما کانت الغيبة في هذا الباب أقوي لانّ المکلّف إذا لم يعرف مکانه، ولم يقف علي موضعه، وجوّز فيمن لا يعرفه أ نّه الامام، يکون إلي فعل الواجب
[ صفحه 560]
أقرب منه إلي ذلک لو عرفه ولم يجوّز فيه کونه إماماً.
فإن قالوا: إنّ هذا تصريح منکم بأنّ ظهور الامام کاستتاره في الانتفاع به والخوف منه.
فنقول: إنّ ظهوره لا يجوز أن يکون في المنافع کاستتاره، وکيف يکون ذلک وفي ظهوره وقوّة سلطانه انتفاع الوليّ والعدوّ، والمحبّ والمبغض، ولا ينتفع به في حال الغيبة إلاّ وليّه دون عدوّه، وأيضاً فإنّ في انبساط يده منافع کثيرة لاوليائه وغيرهم، لا نّه يحمي حوزتهم، ويسدّ ثغورهم، ويؤمن طرقهم، فيتمکّنون من التجارات والمغانم، ويمنع الظالمين من ظلمهم، فتتوفّر أموالهم، وتصلح أحوالهم.
غير أنّ هذه منافع دنيويّة لا يجب إذا فاتت بالغيبة أن يسقط التکليف معها، والمنافع الدينية الواجبة في کلّ حالة بالامامة قد بيّنا أ نّها ثابتة لاوليائه مع الغيبة، فلا يجب سقوط التکليف [1] .
وقد ذکرنا أنّ الاخبار قد جاءت بظهوره لاوليائه وثقاته في الغيبة الصغري مدّة أربع وسبعين سنة، أمّا بعدها فقد تقدّم بعض الاخبار الدالّة علي عدم إمکان رؤيته وتکذيب من يدّعي ذلک، وسواء قلنا بذلک، أو قلنا بإمکان الرؤية في الغيبة الکبري، وحملنا ما يدلّ علي العدم علي بعض الوجوه، مثل إرادة نفي الرؤية التي يعرفه فيها بعينه وشخصه، يمکن أن نقول أنّ سبب عدم ظهوره لاوليائه هو بعض الوجوه المتقدّمة والله أعلم [2] .
[ صفحه 561]
پاورقي
[1] إعلام الوري: 470، کشف الغمّة 3: 349، وراجع المقنع في الغيبة للسيّد المرتضي: 61.
[2] راجع أعيان الشيعة 2: 63، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 77.