بازگشت

ما الفائدة من امام غائب؟


قالوا: ما الفائدة في إمام غائب عن الابصار لا ينتفع به الناس في زمان غيبته، والامام إنّما نصب لينتفع به الناس، ويرجعون إليه في الاحکام، وينصف المظلوم من الظالم؟

والجواب: أنّا لا نسلّم عدم الفائدة في وجوده مع غيبته. قال الشيخ (رحمه الله) في (تلخيص الشافي):

ينتفع به في حال غيبته جميع شيعته والقائلين بإمامته، وينزجرون بمکانه وهيبته عن القبائح، فهو لطف لهم في حال الغيبة کما يکون لطفاً في حال الظهور، وهم أيضاً منتفعون به من وجه آخر، لا نّه يحفظ عليهم الشرع، وبمکانه يتيقّنون بأ نّه لم يکتم من الشرع ما لم يصل إليهم.

وإلي ذلک يشير بعض علمائنا رضوان الله عليهم بقوله: وجوده لطف، وتصرّفه لطف آخر، ومن أين لنا الجزم بأ نّه لا يتصرّف في مصالح العباد الدينية والدنيوية من حيث لا يعرفونه، وقد جاء في الاخبار أ نّه في حال غيبته کالشمس يسترها السحاب، أي فکما أنّ للشمس المستورة بالسحاب منافع وفوائد في الکون، فکذلک لصاحب الزمان (عليه السلام) مع استتاره فوائد ومنافع في الکون، وإن خفي علينا بعضها أو جلّها، ولم نعلمها علي التفصيل.

نعم، جميع الفوائد التي نصب لاجلها لا تکون حاصلة، وهذا لا يضرّ، لانّ السبب في ذلک هم العباد بإخافتهم له التي أوجبت استتاره، بل لو فرض محالاً عدم الفائدة في وجوده حال استتاره لم يکن في ذلک قبح بعد أن کان سبب استتاره من



[ صفحه 553]



خوف الظالمين [1] .

ثمّ إنّ الذي يحقّق ويدقّق في هذه المسألة يجب أن يضع في حسابه أوّلاً الروايات والاخبار الصحيحة التي تتحدّث عن ظهوره الذي سيکون بصورة مفاجئة وسريعة، أو علي حدّ لسان بعض الروايات (بغتة) أي دون تحديد زمن مخصوص أو وقت معيّن، وهذا يترتّب عليه ترقّب کلّ جيل من أجيال المسلمين لظهوره المبارک، إنّ المتأمّل لهذه المسألة سوف لا يصعب عليه أن يکتشف فوائد ومزايا تتعلّق بالاُمّة المرحومة، نذکر منها:

1- إنّ ذلک يدعو کلّ مؤمن إلي أن يکون علي حالة من الاستقامة علي الشريعة، والتقيّد بأوامرها ونواهيها، والابتعاد عن ظلم الاخرين، أو غصب حقوقهم، وذلک لانّ ظهور الامام المهدي (عليه السلام) - الذي سيکون مفاجئاً - يعني قيام دولته وهي التي يُنتصف فيها للمظلوم من الظالم، ويُبسَط فيها العدل ويُمحي الظلم من صفحة الوجود. ولا يقولنّ أحدٌ أنّ الشريعة ودستورها القرآن منعت الظلم والتظالم وهذا يکفي.

فإنّ جوابه: إنّ الشعور والاعتقاد بوجود السلطة وبتمکّنها وسلطنتها يعدُّ رادعاً قوياً، وقد جاء في الاثر الصحيح: «إنّ الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن...».

2- إنّ ذلک يدعو کلّ مؤمن إلي أن يکون في حالة طوارئ مستمرّة من حيث التهيّؤ للانضمام إلي جيش الامام المهدي والاستعداد العالي للتضحية في سبيل فرض هيمنة الامام الکاملة وبسط سلطته علي الارض لاقامة شرع الله تعالي. وهذا



[ صفحه 554]



الشعور يخلق عند المؤمنين حالةً من التآزر والتعاون ورصّ الصفوف والانسجام لا نّهم سيکونون جُنداً للامام (عليه السلام).

3- إنّ هذه الغيبة تحفّز المؤمن بها للنهوض بمسؤوليته، وخاصّة في مجال الامر بالمعروف والنهي عن المنکر، فتکون الاُمّة بذلک متحصّنة متحفّزة. إذ لا يمکن تقيّد أنصار الامام المهدي (عليه السلام) بالانتظار فحسب، دون الامر بالمعروف والنهي عن المنکر استعداداً لبناء دولة الاسلام الکبري وتهيئة قواعدها حتّي ظهور الامام المهدي (عليه السلام).

4- إنّ الاُمّة التي تعيش الاعتقاد بالمهدي الحيّ الموجود تبقي تعيش حالة الشعور بالعزّة والکرامة، فلا تطأطئ رأسها لاعداء الله تعالي، ولا تذلّ لجبروتهم وطغيانهم، إذ هي تترقّب وتتطلّع لظهوره المظفّر في کلّ ساعة، ولذلک فهي تأنف من الذلّ والهوان، وتستصغر قوي الاستکبار، وتستحقر کلّ ما يملکون من عدّة وعدد.

إنّ مثل هذا الشعور سيخلق دافعاً قويّاً للمقاومة والصمود والتضحية، وهذا هو الذي يخوّف أعداء الله وأعداء الاسلام، بل هذا هو سرّ خوفهم ورعبهم الدائم، ولذلک حاولوا علي مرّ التأريخ أن يُضعفوا العقيدة بالمهدي، وأن يسخّروا الاقلام المأجورة للتشکيک بها، کما کان الشأن دائماً في خلق وإيجاد الفرق والتيارات الضالة والهدامة لاحتواء المسلمين، وصرفهم عن التمسّک بعقائدهم الصحيحة، والترويج للاعتقادات الفاسدة، مثلما حصل في نحلة البابية والبهائية والقاديانية والوهابية وغيرها.

هذا، ويمکن أن نضيف إلي هذه الثمرات والفوائد المهمّة، فوائد اُخري يکتسبها المعتقد بظهور المهدي (عليه السلام) في آخرته، ويأتي في مقدّمتها تصحيح اعتقاده بعدل الله تعالي ورأفته بهذه الاُمّة التي لم يترکها سديً ينتهبها اليأس، ويفتک بها



[ صفحه 555]



القنوط، لما تشاهده من انحراف عن الدين، دون أن يمدّ لها حبل الرجاء بظهور الدين علي کلّ الارض بقيادة المهدي (عليه السلام).

ومنها تحصيل الثواب والاجر علي الانتظار، فقد ورد في الاثر الصحيح عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): المنتظر لامرنا کالمتشحّط بدمه في سبيل الله.

ومنها الالتزام بقوله تعالي حکايةً عن وصيّة إبراهيم (عليه السلام) لبنيه: (يَا بَنِيَّ إنَّ اللهَ اصْطَفَي لَکُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وَأ نْتُمْ مُسْلِمُونَ) [2] ، وقد قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): «من مات ولم يعرف إمام زمانه - وفي عصرنا هو الامام المهدي (عليه السلام) - مات ميتةً جاهلية»، واستناداً إلي کلّ ما ذکرناه يظهر معني: إنّ الارض لا تخلو من حجّة لله تعالي [3] .


پاورقي

[1] أعيان الشيعة 2: 62 ـ 63، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 73.

[2] البقرة: 132.

[3] المهدي المنتظر في الفکر الاسلامي: 176 ـ 177.