بازگشت

جواب العلامة الطبرسي


وأجاب العلاّمة الطبرسي عن مسألة طول عمر الامام المهدي (عليه السلام) بعد أن طرح التساؤل التالي:

قالوا: لا يمکن أن يکون في العالم بشرٌ له من السنّ ما تصفونه لامامکم، وهو مع ذلک کامل العقل، صحيح الحسّ؟ وأکثروا التعجّب من ذلک، وشنّعوا به علينا.

والجواب: أنّ من لزم طريق النظر، وفرّق بين المقدور والمحال، لم ينکر ذلک، إلاّ أن يعدل عن الانصاف إلي العناد والخلاف.

وطول العمر وخروجه عن المعتاد لا اعتراض به لامرين:

أحدهما: إنّا لا نسلّم أنّ ذلک خارق للعادة، لانّ تطاول الزمان لا ينافي وجود الحياة، وإنّ مرور الاوقات لا تأثير له في العلوم والقدر، ومن قرأ الاخبار ونظر فيما سطّر في الکتب من ذکر المعمّرين علم أنّ ذلک ممّـا جرت العادة به، وقد نطق القرآن بذکر نوح وأ نّه لبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً. وقد صنّفت الکتب في أخبار المعمّرين من العرب والعجم، وقد تظاهرت الاخبار بأنّ أطول بني آدم عمراً الخضر (عليه السلام)، وأجمعت الشيعة وأصحاب الحديث بل الاُمّة بأسرها - ما خلا المعتزلة والخوارج - علي أ نّه موجود في هذا الزمان، حيّ کامل العقل، ووافقهم علي ذلک أکثر أهل الکتاب.



[ صفحه 528]



ولا خلاف في أنّ سلمان الفارسي أدرک رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) وقد قارب من عمره أربعمائة عام.

وهب أنّ المعتزلة والخوارج يحملون أنفسهم علي دفع الاخبار، فکيف يمکنهم دفع القرآن وقد نطق بدوام أهل الجنّة والنار، وجاءت الاخبار بلا خلاف بين الاُمّة فيها بأنّ أهل الجنّة لا يهرمون ولا يضعفون، ولا يحدث بهم نقصان في الانفس.

ولو کان ذلک منکراً من جهة العقول لما جاء به القرآن، ولا حصل عليه الاجماع، ومن اعترف بالخضر (عليه السلام) لم يصحّ منه هذا الاستبعاد، ومن أنکره حَجّته الاخبار، وجاءت الرواية عن أنس بن مالک قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): «لمّـا بعث الله نوحاً إلي قومه بعثه وهو ابن خمسين ومائتي سنة، ولبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، وبقي بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة، فلمّـا أتاه ملک الموت (عليه السلام) قال له: يا نوح، يا أکبر الانبياء، ويا طويل العمر، ويا مجاب الدعوة، کيف رأيت الدنيا؟

قال: مثل رجل بني له بيت له بابان فدخل من واحد وخرج من الاخر» [1] .

وکان لقمان بن عاد الکبير أطول الناس عمراً بعد الخضر، وذلک أ نّه عاش ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة. ويقال: إنّه عاش عمر سبعة أنسر، وکان يأخذ فرخ النسر الذکر فيجعله في الجبل فيعيش النسر منها ما عاش، فإذا مات أخذ آخر فربّاه، حتّي کان آخرها لبد وکان أطولها عمراً فقيل: أتي أبد علي لبد [2] .



[ صفحه 529]



وعاش الربيع بن ضبع الفزاري ثلاثمائة سنة وأربعين سنة، وأدرک النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) وهو الذي يقول:



ها أنا ذا آملُ الخلودَ وقد

أدرکَ عمري ومولدي حجرا



أمّا امرئ القيس قد سمعتُ به

هيهات هيهات طال ذا عمرا



وهو القائل:



إذا عاش الفتي مائتين عاماً

فقد أودي المسرّة والغناء



وله حديث طويل مع عبد الملک بن مروان.

وعاش المستوعر بن ربيعة ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين سنة، وهو الذي يقول:



ولقد سئمت من الحياة وطولها

وعمّرتُ من بعد السنين سنينا



وعاش أکثم بن صيفي الاسدي ثلاثمائة وستّاً وأربعين سنة، وهو الذي يقول:



وإن امرءاً قد عاشَ تسعين حجّةً

إلي مائة لم يسأم العيشَ جاهلُ



خلت مائتانِ غير ستٍّ وأربع

وذلک مَن عدّ الليالي قلائلُ



وکان ممّن أدرک النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم) وآمن به، ومات قبل أن يلقاه.

وعاش دريد بن زيد أربعمائة سنة وستّاً وخمسين سنة، فلمّـا حضره الموت قال:



ألقي عليّ الدهر رِجلاً ويدا

والدهر ما أصلحَ يوماً أفسدا



يُفسد ما أصلحه اليوم غدا

وعاش دريد بن الصمّة مائتي سنة، وقتل يوم حنين.



وعاش صيفيّ بن رياح بن أکثم مائتي سنة وسبعين سنة، لا يُنکر من عقله



[ صفحه 530]



شيئاً وهو ذو الحلم، زعموا فيه ما قال المتلمّس:



لذي الحلمِ قبل اليوم ما يقرعُ العصا

وما عُلّم الانسان إلاّ ليعلما



وعاش نصر بن دهمان بن سليم بن أشجع مائة وتسعين سنة حتّي سقطت أسنانه، وابيضّ رأسه، فاحتاج قومه إلي رأيه، فدعوا الله أن يردّ إليه عقله، فعاد إليه شبابه واسودّ شعره، فقال في ذلک سلمة بن الخرشب:



لنصر بن دهمان الهنيدة عاشها

وتسعين حولاً ثمّ قوّم فانصاتا



وعادَ سوادُ الرأس بعد بياضهِ

وراجعه شرخُ الشبابِ الذي فاتا



وعاش مملياً في رخاء وغبطة

ولکنّه من بعد ذا کلّه ماتا



وعاش ضبيرة بن سعيد السهمي مائتين وعشرين سنة، وکان أسود الرأس صحيح الاسنان.

وعاش عمرو بن حممة الدوسي أربعمائة سنة، وهو الذي يقول:



کبرتُ وطالَ العمرُ حتّي کأ نّني

سليمٌ يراعي ليله غير مودعِ



فلا الموتُ أنساني ولکن تتابعتْ

عليّ سنونٌ من مصيف ومرتعِ



ثلاث مئات قد مررنَ کوامِلاً

وها أنا ذا أرتجي مرّ أربعِ



وروي الهيثم بن عديّ، عن مجاهد، عن الشعبي قال: کنّا عند ابن عبّاس في قبّة زمزم وهو يفتي الناس، فقام إليه أعرابي: فقال قد أفتيت أهل الفتوي فافتِ أهل الشعر.

فقال: قل.

قال: ما معني قول الشاعر:



لذي الحلمِ قبل اليوم ما يقرعُ العصا

وما عُلّم الانسان إلاّ ليعلما



قال: ذلک عمرو بن حممة الدوسي، قضي علي العرب ثلاثمائة سنة. فلمّـا کبر



[ صفحه 531]



ألزموه السادس أو السابع من ولد ولده، فقال: إنّ فؤادي بضعة منّي، فربما تغيّر عليّ في اليوم مراراً، وأمثل ما أکون فهماً في صدر النهار، فإذا رأيتني قد تغيّرت فاقرع العصا، فکان إذا رأي منه تغيّر أقرع العصا فراجعه فهمه.

وعاش زهير بن حُبَاب بن عبد الله بن کنانة بن عوف أربعمائة سنة وعشرين سنة، وکان سيّداً مطاعاً شريفاً في قومه.

وعاش الحارث بن مضاض الجرهمي أربعمائة سنة، وهو القائل:



کأن لم يکن بين الحجونِ إلي الصفا

أنيسٌ ولم يسمرْ بمکّة سامرُ



بلي نحنُ کنّا أهلها فأبارنا

صروفُ الليالي والجدودُ العواثرُ



وعاش عامر بن الظرب العدوانيّ مائة سنة، وکان من حکماء العرب، وله يقول ذو الاصبع:



ومنّا حکم يقضي

ولا ينقض ما يقضي [3] .



فهذا طرف يسير ممّـا ذکر من المعمّرين، وفي إيراد أکثرهم إطالة في الکتاب، وإذا ثبت أنّ الله سبحانه قد عمّر خلقاً من البشر ما ذکرناه من الاعمار، وبعضهم حجج الله تعالي وهم الانبياء، وبعضهم غير حجّة، وبعضهم کفّار، ولم يکن ذلک محالاً في قدرته، ولا منکراً في حکمته، ولا خارقاً للعادة، بل مألوفاً علي الاعصار، معروفاً عند جميع أهل الاديان، فما الذي ينکر من عمر صاحب الزمان أن يتطاول إلي غاية عمر بعض من سمّيناه، وهو حجّة الله تعالي علي خلقه، وأمينه علي سرّه، وخليفته في أرضه، وخاتم أوصياء نبيّه (صلي الله عليه وآله وسلم)؟ وقد صحّ عن رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أ نّه قال: «کلّ ما کان في الاُمم السالفة فإنّه يکون في هذه الاُمّة مثله حذو النعل بالنعل،



[ صفحه 532]



والقذّة بالقذّة» [4] .

هذا وأکثر المسلمين يعترفون ببقاء المسيح (عليه السلام) حيّاً إلي هذه الغاية، شابّاً قويّاً، وليس في وجود الشباب مع طول الحياة - إن لم يثبت ما ذکرناه - أکثر من أ نّه نقض للعادة في هذا الزمان، وذلک غير منکر علي ما نذکره.

والامر الاخر: أن نسلّم لمخالفينا أنّ طول العمر إلي هذا الحدّ مع وجود الشباب خارق للعادات - عادة زماننا هذا وغيره - وذلک جائز عندنا وعند أکثر المسلمين، فإنّ إظهار المعجزات عندهم وعندنا يجوز علي من ليس بنبيّ، من إمام أو وليّ، لا ينکر ذلک من جميع الاُمّة إلاّ المعتزلة والخوارج، وإن سمّي بعض الاُمّة ذلک کرامات لا معجزات، ولا اعتبار بالاسماء، بل المراد خرق العادات، ومن أنکر ذلک في باب الائمة فإنّا لا نجد فرقاً بينه وبين البراهمة في إنکارهم إظهار المعجزات ونقض العادات لاحد من البشر، وإلاّ فليأتِ القوم بالفصل، وهيهات [5] .


پاورقي

[1] راجع کتاب المقنع في الغيبة للسيّد المرتضي رحمه الله تعالي: 155.

[2] کمال الدين: 559.

[3] اُنظر: کمال الدين: 549.

[4] کمال الدين: 576، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 201 / 1.

[5] إعلام الوري: 471، کشف الغمّة 3: 351 ـ 356.