طول عمر الامام
قالوا: إنّ طول العمر بهذه المدّة مستبعد بل غير واقع عادة، کيف وقد مضي عليه الان ما يزيد عن ألف سنة؟
[ صفحه 524]
الجواب: إنّ الاستبعاد ليس دليلاً، ولا يعارض الدليل، وقد عرفت قيام الادلة العقلية والنقلية علي ولادته وغيبته، فهل يجوز أن ندفعها بالاستبعاد، مع أ نّه لا استبعاد في ذلک بعد نصّ القرآن العظيم علي مثله في نوح، وأ نّه لبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً [1] ، ونقل أ نّه عاش ألفاً وثلاثمائة سنة. وفي رواية عن أنس ابن مالک عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) أ نّه عاش ألفاً وأربعمائة وخمسين سنة، وعاش آدم تسعمائة وثلاثين سنة کما هو مذکور في التوراة، وعاش شيث تسعمائة واثنتي عشرة سنة، وجاءت الروايات ببقاء الخضر إلي الان، وکذلک إلياس وإدريس.
ونصّ القرآن الکريم علي بقاء عيسي ورفعه إلي السماء [2] ، وجاءت الروايات المتّفق عليها بين الفريقين علي أ نّه ينزل عند خروج المهدي (عليه السلام) ويصلّي خلفه، فکيف جاز بقاء المأموم طول هذه المدّة وحياته، وامتنع بقاء الامام؟ هذا مع ما صحّ عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) أ نّه قال: کلّ ما کان في الاُمم السالفة يکون في هذه الاُمّة حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة.
وجاءت روايات الفريقين بحياة الدجّال، وهو کافر معاند مضلّ، وبقائه إلي خروج المهدي (عليه السلام)، فيقتله المهدي (عليه السلام)، فکيف امتنع في وليّ الله ما وقع مع عدوّ الله؟ ونسب معتقده إلي الجهل وسخافة العقل.
ونصّ الکتاب العزيز علي بقاء إبليس إلي يوم القيامة [3] وهو غاو مضلّ، وقد
[ صفحه 525]
صنّف أبو حاتم السجستاني کتاباً خاصّاً بالمعمّرين [4] .
وقد نصّ القرآن الکريم علي بقاء أهل الکهف أحياءً وهم نيام، وکلبهم باسط ذراعيه بالوصيد [5] ، فلبثوا في رقدتهم الاُولي ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، کما نطق به القرآن العظيم، فأ يّهما أعجب وأغرب وأبعد، بقاء رجل يأکل ويشرب ويمشي وينام ويستيقظ ويتنظّف مدّة طويلة، أم بقاء أشخاص نيام في مکان واحد لا يأکلون ولا يشربون ولا يتنظّفون؟
وقد نصّ القرآن الکريم علي إماتة عزير مائة عام ثمّ إحيائه وطعامه لم يتسنّه ولم يتغيّر وحماره معه [6] ، فأ يّهما أعجب وأدعي للاستغراب والاستبعاد، هذا أم بقاء المهدي (عليه السلام)؟
وقد نصّ الکتاب العزيز علي بقاء أهل الجنّة والنار [7] ، وجاءت الاخبار بلا خلاف بأنّ أهل الجنّة لا يهرمون ولا يضعفون ولا يحدث بهم نقصان في الانفس والحواسّ.
قال السيّد محسن الامين (عليه الرحمة): وقد شاهدنا في زماننا بقاء الاجسام بعد الموت محفوظة بالادوية اُلوفاً من السنين في الملک الذي اُخرج من صيدا وهو في تابوت مغموراً بالماء لم يُفقَد من جسمه شيء، ونقل بتابوته إلي القسطنطينية في عهد السلطان عبد الحميد العثماني، وتأريخه قبل المسيح (عليه السلام)،
[ صفحه 526]
وشاهدنا في مصر أجسام الفراعنة محنّطة باقية من عهد موسي (عليه السلام) أو قبله بأکفانها والتماسيح المحنّطة والمعزي والحنطة والخبز وغير ذلک، وبهذه السنين استخرج في مصر أحد الفراعنة المسمّي (توت عنخ آمون) وجسمه لم يبل ومائدته أمامه عليها الفواکه، فإذا جاز علي الله تعالي أن يلهم عباده معرفة الادوية الحافظة لاجسام الموتي والحيوانات وغيرها اُلوفاً من السنين، أما يجوز عليه أن يطوّل عمر شخص ويبقيه حيّاً زماناً طويلاً؟
وقد ضرب السيّد ابن طاووس (رحمه الله) في کتاب (کشف المحجّة) مثلاً لرفع استبعاد بقاء المهدي حيّاً بين الناس مدّة طويلة وهم لا يعرفونه، حين حصلت بينه وبين بعض علماء بغداد من أهل السنّة مناظرة في ذلک، فقال: لو أنّ رجلاً حضر إلي بغداد وادّعي أ نّه يستطيع المشي علي الماء، وضرب لذلک موعداً، أتري أنّ أحداً من أهل بغداد کان يتخلّف عن ذلک الموعد؟ لا شکّ أ نّه يتخلّف أحد أو يتخلّف النادر، ثمّ إذا حضر في اليوم المعيّن ومشي علي الماء، وقال: إنّه في اليوم الثاني يريد أن يفعل مثل ذلک، أفکان يحضر من الناس مثلما حضر في اليوم الاوّل؟ لا شکّ أنّ الحاضرين يکونون أقلّ من اليوم الاوّل بکثير، وإذا قال إنّه في اليوم الثالث يريد أن يفعل مثل ذلک، فلا شکّ أ نّه لا يحضره أحد أو يحضره النادر، وإذا تکرّر ذلک منه کثيراً لا ينظر إليه أحد، ولا يستغرب منه ذلک، فکذلک المهدي (عليه السلام) لمّـا کان بقاء مثله زمناً طويلاً قليل يستغربه الناس، ولو نظروا إلي تکرّر وقوعه في الاعصار السابقة يرتفع الاستغراب.
وأقول: إنّه في زماننا ونحن بدمشق جاء خبر بأنّ طيّارة عثمانية تريد المجيء إلي دمشق، ولم تکن الناس رأت الطائرات، فلم يبقَ بدمشق أحد إلاّ خرج للنظر إليها، فلمّـا جاءت ثانياً وثالثاً قلّ المتفرّجون، إلي أن صارت الطائرات اليوم بمنزلة
[ صفحه 527]
الطيور لا ينظر إليها أحد ولا يستغرب أمرها [8] .
پاورقي
[1] العنکبوت: 14.
[2] النساء / 157 ـ 158.
[3] سورة الحجر: 37 ـ 38، وسورة ص: 80 ـ 81.
[4] کتاب (المعمّرون) طبع أوّل مرّة في مصر سنة 1323 هـ.
[5] الکهف: 18.
[6] البقرة: 259.
[7] الامثلة القرآنية حول خلود أهل الجنّة والنار کثيرة.
[8] أعيان الشيعة 2: 61 ـ 62، في رحاب أئمة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 69.