الاحاديث القائلة باثني عشر مهدياً
وأشارت بعض الاحاديث إلي أنّ هناک اثني عشر مهديّاً يکونون بعد دولة الامام المهدي (عليه السلام)، وفي بعض الاخبار أ نّهم من أولاد الحسين، وفي بعضها أ نّهم من الشيعة الموالين، ويدعون الناس إلي موالاة أهل البيت (عليهم السلام) ومعرفة حقّهم، وفي بعضها أ نّهم من ولاة عهد الامام المهدي (عليه السلام) وقوّامه، أو من أولاده (عليه السلام) کما تقدّم عن الشيخ المفيد (رحمه الله).
منها ما رواه الشيخ في کتاب الغيبة في جملة الاحاديث التي رواها من طرق العامّة في النصّ علي الائمة (عليهم السلام)، قال: أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن عليّ بن سنان الموصلي العدل، عن عليّ بن الحسين، عن احمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر بن احمد البصري، عن عمّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أ نّه قال في الليلة التي کانت فيها وفاته: يا أبا الحسن، أحضر دواةً وصحيفة، فأملي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وصيّته حتّي انتهي إلي هذا الموضع فقال: يا أبا الحسن، إنّه يکون بعدي اثنا عشر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشر مهديّاً، فأنت يا عليّ أوّل الاثني عشر إماماً.
وذکر النصّ (عليه السلام) فقال: إذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه محمّد المستحفظ من آل محمّد، فذلک اثنا عشر إماماً، ثمّ يکون من بعده اثنا عشر مهدياً، فإذا حضرته الوفاة فليسلّمها إلي ابنه أوّل المقرّبين، له ثلاثة أسامي، اسم کاسمي، واسم
[ صفحه 518]
کاسم أبي، وهو عبد الله واحمد، والثالث المهدي، هو أوّل المؤمنين [1] .
وروي الشيخ في کتاب (الغيبة) في آخره عن محمّد بن عبد الله الحميري، عن أبيه، عن محمّد بن عبد الحميد، ومحمّد بن عيسي، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث طويل - قال: يا أبا حمزة، إنّ منّا بعد القائم اثني عشر مهديّاً من ولد الحسين (عليه السلام) [2] .
وقد روي الصدوق في کتاب (کمال الدين وتمام النعمة)، عن عليّ بن احمد ابن موسي الدقّاق، عن محمّد بن أبي عبد الله الکوفي، عن موسي بن عمران النخعي، عن عمّه الحسين بن يزيد النوفلي، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، قال: قلت للصادق (عليه السلام): سمعت من أبيک أ نّه قال: يکون من بعد القائم اثنا عشر مهديّاً؟
فقال: قد قال اثنا عشر مهديّاً، ولم يقل اثنا عشر إماماً، ولکنّهم قوم، من شيعتنا يدعون الناس إلي ولايتنا ومعرفة فضلنا [3] .
وأورد الشيخ في (المصباح الکبير) دعاءً ذکر أ نّه مرويّ عن صاحب الزمان (عليه السلام)، خرج إلي أبي الحسن الضرّاب الاصفهاني بمکّة، بإسناد لم نذکره اختصاراً، ثمّ أورد الدعاء بطوله إلي أن قال: اللهمّ صلّ علي محمّد المصطفي، وعليّ المرتضي، وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، والحسين المصطفي، وجميع الاوصياء مصابيح الدجي.
إلي أن قال: وصلّ علي وليّک وولاة أمرک والائمة من ولده، ومدّ في
[ صفحه 519]
أعمارهم، وزد في آجالهم، وبلّغهم أقصي آمالهم ديناً ودنياً وآخرة، إنّک علي کلّ شيء قدير.
وروي أيضاً في المصباح بعده بغير فصل دعاءً مرويّاً عن الرضا (عليه السلام) فقال: روي عن يونس بن عبد الرحمن عن الرضا (عليه السلام) أ نّه کان يأمر بالدعاء لصاحب الامر (عليه السلام) بهذا الدعاء: اللهمّ ادفع عن وليّک وخليفتک، إلي أن قال: اللهمّ وصلّ علي ولاة عهده والائمة من بعده وزد في آجالهم وبلّغهم آمالهم، إلي آخر الدعاء [4] .
وعن الحضرمي، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قالا في ذکر الکوفة: منها يظهر عدل الله، وفيها يکون قائمه والقوّام من بعده، وهي منازل النبيّين والاوصياء والصالحين [5] .
وللعلماء أقوال لا تخرج عن التأويل لهذه الاحاديث، نذکر فيما يلي بعضها:
1 - قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله): هذه الاخبار مخالفة للمشهور، وطريق التأويل أحد وجهين:
الاوّل: أن يکون المراد بالاثني عشر مهديّاً النبيّ (صلي الله عليه وآله) وسائر الائمة سوي القائم (عليه السلام) بأن يکون ملکهم بعد القائم (عليه السلام)، وقد سبق أنّ الحسن بن سليمان أوّلها بجميع الائمة (عليهم السلام)، وقال برجعة القائم (عليه السلام) بعد موته وبه أيضاً يمکن الجمع بين بعض الاخبار المختلفة التي وردت في مدّة ملکه (عليه السلام).
والثاني: أن يکون هؤلاء المهديّون من أوصياء القائم (عليه السلام) هادين للخلق في زمن سائر الائمة الذين رجعوا لئلاّ يخلو الزمان من حجّة، وإن کان أوصياء الانبياء
[ صفحه 520]
والائمة أيضاً حججاً، والله تعالي يعلم [6] .
وقال العلاّمة الحرّ العاملي: وأمّا أحاديث الاثني عشر فلا يخفي أ نّها غير موجبة للقطع أو اليقين لندورها وقلّتها وکثرة معارضتها، وقد تواترت الاحاديث بأنّ الائمة اثنا عشر، وأنّ دولتهم ممدودة إلي يوم القيامة، وأنّ الثاني عشر خاتم الاوصياء والائمة والخلف، وأنّ الائمة من ولد الحسين إلي يوم القيامة، ونحو ذلک من العبارات، فلو کان يجب علينا الاقرار بإمامة اثني عشر بعدهم، لوصلت إلينا نصوص متواترة تقاوم تلک النصوص، لينظر في الجمع بينهما.
وقد نقل عن السيّد المرتضي أ نّه جوّز ذلک علي وجه الامکان والاحتمال، وقال: لا نقطع بزوال التکليف عند موت المهدي (عليه السلام)، بل يجوز أن يبقي بعده أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، ولا يخرجنا ذلک عن التسمية بالاثني عشريّة، لا نّا کلّفنا أن نعلم إمامتهم، وقد بيّنا ذلک بياناً شافياً، فانفردنا بذلک عن غيرنا.
ويؤيّده عدم الدليل العقلي القطعي علي النفي، وقبول الادلّة النقليّة للتقييد والتخصيص ونحوهما لو حصل ما يقاومهما، ولا يخفي أنّ الحديث المنقول أوّلاً من کتاب (الغيبة) من طرق العامّة، فلا حجّة فيه في هذا المعني، وإنّما هو حجّة في النصّ علي الاثني عشر، لموافقته لروايات الخاصّة، وقد ذکر الشيخ بعده وبعد عدّة أحاديث أ نّه من روايات العامّة، والباقي ليس بصريح.
وقد جاء في الحديث ما هو صريح في أنّ المهدي (عليه السلام) له عقب، وها هنا احتمالات:
أوّلها: أن يکون البعدية غير زمانية، بل هي مثل قوله تعالي: (فَمَنْ يَهْدِيهِ
[ صفحه 521]
مِنْ بَعْدِ اللهِ) فيجوز کون المذکورين في زمن المهدي (عليه السلام)، ويکونوا نوّاباً له، کلّ واحد نائب في جهة، أو في مدّة.
وثانيها: أنّ قوله: من بعده، لا بدّ فيه من تقدير مضاف، فيمکن من بعد ولادته، أو من بعد غيبته، ويکون إشارة إلي السفراء أو الوکلاء علي الانس والجنّ، أو إلي أعيان علماء شيعته في مدّة غيبته، ويمکن أن يقدّر من بعد خروجه، فيکونون نوّاباً له.
وثالثها: أن يکون ذلک محمولاً علي الرجعة، وهناک جملة من الاحاديث الواردة في الاخبار برجعتهم (عليهم السلام) علي وجه الخصوص، وجملة اُخري من الاحاديث الواردة في صحّة الرجعة علي وجه العموم في کلّ من محض الايمان محضاً أو محض الکفر محضاً، وکلّ واحد من القسمين قد تجاوز حدّ التواتر المعنوي بمراتب، وعلي هذا فالائمة من بعده هم الائمة من قبله قد رجعوا بعد موتهم، فلا ينافي ما ثبت من أنّ الائمة اثني عشر لانّ العدد لا يزيد بالرجعة [7] .
پاورقي
[1] الايقاظ من الهجعة: 393.
[2] الايقاظ من الهجعة: 394، بحار الانوار 53: 145 / 2.
[3] الايقاظ من الهجعة: 403، بحار الانوار 53: 145 / 1.
[4] الايقاظ من الهجعة: 394.
[5] بحار الانوار 53: 148.
[6] بحار الانوار 53: 148 ـ 149.
[7] الايقاظ من الهجعة: 401 ـ 402.