من هم الراجعون
يقول الشيخ المفيد: إنّ الله تعالي يردّ قوماً من الاموات إلي الدنيا في صورهم التي کانوا عليها، فيعزّ منهم فريقاً، ويذلّ فريقاً، ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلک عند قيام مهدي آل محمّد (عليه السلام).
وإنّ الراجعين إلي الدنيا فريقان: أحدهما من علت درجته في الايمان، وکثرت أعماله الصالحات وخرج من الدنيا علي اجتناب الکبائر الموبقات، فيريه
[ صفحه 489]
الله عزّ وجلّ دولة الحقّ ويعزّه بها، ويعطيه من الدنيا ما کان يتمنّاه، والاخر من بلغ الغاية في الفساد، وانتهي في خلاف المحقّين إلي أقصي الغايات، وکثر ظلمه لاولياء الله، واقترافه السيّئات، فينتصر الله تعالي لمن تعدّي عليه قبل الممات، ويشفي غيظهم منه بما يحلّه من النقمات.
ثمّ يصير الفريقان من بعد ذلک إلي الموت، ومن بعده إلي النشور وما يستحقّونه من دوام الثواب والعقاب، وقد جاء القرآن بصحّة ذلک وتظاهرت به الاخبار، والامامية بأجمعها عليه إلاّ شذاذاً منهم تأوّلوا ما ورد فيه علي وجه يخالف ما وصفناه [1] .
ممّـا تقدّم تبيّن أنّ الرجعة خاصة، ويدلّ علي ذلک أيضاً قوله تعالي: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ کُلِّ اُمَّة فَوْجاً) [2] وقوله تعالي: (وَحَرَامٌ عَلَي قَرْيَة أهْلَکْنَاهَا أ نَّهُمْ لا يَرْجِعُون) [3] ، وقد تقدّم القول فيهما.
ويستفاد من مجموع الاخبار المستفيضة من طرق الامامية أنّ الراجعين صنفان من المؤمنين والکافرين، فقد روي عن الصادق (عليه السلام) أ نّه قال: «إنّ الرجعة ليست بعامّة، وهي خاصّة، لا يرجع إلاّ من محض الايمان محضاً أو محض الشرک محضاً» [4] ، أمّا سوي هذين الصنفين فلا رجوع لهم إلي يوم المآب.
[ صفحه 490]
ومن حصيلة مجموع الروايات الواردة في هذا الباب نلاحظ أ نّها تنصّ علي رجعة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) [5] والامام الحسين (عليه السلام) [6] وکذلک باقي الائمة والانبياء (عليهم السلام) [7] .
وتنصّ کذلک علي رجعة عدد من أنصار الامام المهدي (عليه السلام) ووزرائه، وبعض أصحاب الائمة وشيعتهم [8] ، ورجعة الشهداء والمؤمنين [9] .
ومن جانب آخر تنصّ علي رجعة الظالمين وأعداء الله ورسوله وأهل بيته (عليهم السلام) [10] ،
[ صفحه 491]
وخصوم الانبياء والمؤمنين، ومحاربي أهل الحقّ والمنافقين [11] ، وجميع هؤلاء لا يخرجون من الصنفين المذکورين في الحديث المتقدّم.
پاورقي
[1] أوائل المقالات: 77 ـ رقم 55 نشر مؤتمر الشيخ المفيد.
[2] النمل: 83.
[3] الانبياء: 95.
[4] مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان: 24 المطبعة الحيدرية ـ النجف، بحار الانوار للعلاّمة المجلسي 53: 39 / 1 ـ دار الکتب الاسلامية.
[5] تفسير القمّي 2: 147 ـ دار الکتاب ـ قم، غيبة النعماني: 234 / 22 مکتبة الصدوق ـ طهران، الخرائج والجرائح للقطب الراوندي 2: 848 ـ مؤسسة الامام المهدي ـ قم، مختصر بصائر الدرجات: 17 و 24 و 26 و 28 و 29، بحار الانوار 53: 39 / 2 و 42 / 10 و 46 / 19 و 56 / 33 و 91 / 96.
[6] الکافي للشيخ الکليني 8: 206 / 250 دار الکتب الاسلامية، مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان: 24 و 28 و 29 المطبعة الحيدرية ـ النجف، بحار الانوار 53: 39 / 1 و 43 / 14 و 89 / 90.
[7] تفسير القمّي 1: 25 و 106، 2: 147 دار الکتاب ـ قم، تفسير العياشي 1: 181 / 76 المکتبة العلمية ـ طهران، مختصر بصائر الدرجات: 26 و 28، بحار الانوار 53: 41 / 9 و 45 / 18 و 54 / 32 و 56 / 38 و 61 / 50.
[8] رجال الکشّي: 217 / 391، الکافي 8: 50 / 14، تفسير العياشي 2: 32 / 90 و 259 / 28، دلائل الامامة: 247 و 248، روضة الواعظين: 266، بحار الانوار 53: 40 / 7، 70 / 67، 76 / 81، 76 / 82، 92 / 102.
[9] تفسير العياشي 1: 181 / 77 و 2: 112 / 139، مختصر بصائر الدرجات: 19، بحار الانوار 53: 65 / 58 و 70: 67.
[10] الاُصول الستّة عشر: 43 ـ 44، بحار الانوار 53: 54 / 32.
[11] دلائل الامامة: 247، تفسير القمّي 1: 385، مختصر بصائر الدرجات: 194.