يظهر قبل نزول عيسي
صرّحت طائفة من الاحاديث الواردة في کتب الفريقين أنّ ظهور الامام المهدي (عليه السلام) يکون قبل نزول عيسي (عليه السلام)، حيث ينزل المسيح (عليه السلام) عندما يؤمّ الامام المهدي (عليه السلام) المصلّين في بيت المقدس، ويصلّي (عليه السلام) خلف الامام (عليه السلام)، وإنّما يکون ذلک بعد ظهور الامام ونزوله الکوفه وتفريقه الجنود.
1 - عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): کيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيکم، وإمامکم منکم [1] .
2 - وعن جابر بن عبد الله، قال: سمعت النبيّ (صلي الله عليه وآله وسلم): يقول: لا تزال طائفةٌ من اُمّتي يقاتلون علي الحقّ ظاهرين إلي يوم القيامة، قال: فينزل عيسي بن مريم، فيقول أميرهم: تعال صلّ بنا. فيقول: ألا إنّ بعضکم علي بعض اُمراء، تکرمة لهذه الاُمّة.
[ صفحه 362]
قال الکنجي: هذا حديث حسن، ورواه مسلم في صحيحه، وإن کان الحديث المتقدّم قد اُوّل، فهذا لا يمکن تأويله، لا نّه ذکر فيه أنّ عيسي بن مريم يُقدّم أمير المسلمين، وهو يومئذ المهدي (عليه السلام) فعلي هذا يبطل تأويل من قال: إنّ معني قوله: «وإمامکم منکم» أي يأتيکم بکتابکم [2] .
3 - ومن (حلية الاولياء) في حديث طويل، قال فيه: وجلّهم - يعني المسلمين - في بيت المقدس، إمامهم المهديّ رجل صالح، فبينا إمامهم قد تقدّم يصلّي بهم الصبح، إذ نزل عيسي بن مريم، حتّي کبَّر للصبح، فيرجع ذلک الامام ينکص ليقدّم عيسي ليصلّي بالناس، فيضع عيسي يده بين کتفيه فيقول: تقدّم فَصَلِّها، فإنّها لک اُقيمت، فيصلّي بهم إمامهم [3] .
4 - وعن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله)، قال: والذي نفسي بيده، إنّ مهديّ هذه الاُمّة الذي يصلّي خلفه عيسي منّا، ثمّ ضرب منکب الحسين (عليه السلام) وقال: من هذا، من هذا [4] .
[ صفحه 363]
وهناک طائفة اُخري من الاحاديث تؤکّد المعني الذي ذکرناه، وهو أنّ نزول عيسي (عليه السلام) يکون بعد ظهور الامام المهدي (عليه السلام)، وقد فهم البعض أنّ المراد من هذه الاحاديث هو بقاء عيسي (عليه السلام) بعد المهدي (عليه السلام) وهو باطل لوجوه سنأتي علي ذکرها بعد عرض الاحاديث.
1 - أخرج رزين العبدري في کتابه (الجمع بين الصحاح الستّة) عن سنن النسائي، عن مسعدة، عن جعفر، عن أبيه، عن جدّه - في حديث - أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: کيف تهلک اُمّة أنا أوّلها، والمهدي أوسطها، والمسيح آخرها! ولکن بين ذلک ثَبَج [5] أعوج ليسوا منّي ولا أنا منهم [6] .
2 - وعن أنس بن مالک، قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يقول: لن تهلک اُمّة أنا أوّلها، ومهديّها وسطها، والمسيح بن مريم آخرها [7] .
3 - وعن عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): کيف تهلک اُمّة أنا في أوّلها، وعيسي في آخرها، والمهديّ من أهل بيتي في وسطها [8] .
4 - وعن عبد الله بن عباس (رضي الله عنه)، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): لن تهلک اُمّة
[ صفحه 364]
أنا في أوّلها، وعيسي بن مريم في آخرها، والمهدي في وسطها [9] .
ورواه الکنجي الشافعي في (البيان في أخبار صاحب الزمان (عليه السلام))، وقال: هذا حديث حسن، رواه الحافظ أبو نعيم في عواليه، واحمد بن حنبل في مسنده، ومعني قوله (صلي الله عليه وآله وسلم): «وعيسي في آخرها» لم يُرِد به أنّ عيسي (عليه السلام) يبقي بعد المهدي (عليه السلام)، لانّ ذلک لا يجوز لوجوه:
منها: أ نّه (صلي الله عليه وآله) قال: «ثمّ لا خير في الحياة بعده» وفي رواية اُخري: «ثمّ لا خير في العيش بعد المهدي».
ومنها: أنّ المهدي إذا کان إمام آخر الزمان، ولا إمام بعده مذکور في رواية أحد من الاُمّة، فهذا غير ممکن أنّ الخلق يبقي بغير إمام.
فإن قيل: إنّ عيسي (عليه السلام) يبقي بعده إمام الاُمّة.
قلت: لا يجوز هذا القول، وذلک أ نّه (صلي الله عليه وآله وسلم) صرّح أ نّه لا خير بعده، وإذا کان عيسي (عليه السلام) في قوم لا يجوز أن يقال: إنّه لا خير فيهم، وأيضاً لا يجوز أن يقال: إنّه نائبه، لا نّه جلّ منصبه عن ذلک، ولا يجوز أن يقال: إنّه يستقلّ بالاُمّة لانّ ذلک يوهم العوام انتقال الملّة المحمّدية إلي الملّة العيسوية، وهذا کفر، فوجب حمله علي الصواب، وهو أ نّه (صلي الله عليه وآله وسلم) أوّل داع إلي ملّة الاسلام، والمهدي (عليه السلام) أوسط داع، والمسيح آخر داع، وهذا معني الخبر عندي.
ويحتمل أن يکون معناه، المهدي أوسط هذه الاُمّة، يعني خيرها، إذ هو إمامها، وبعده ينزل عيسي (عليه السلام) مصدّقاً للامام، وعوناً له ومساعداً، ومبيِّناً للاُمّة صحّة ما يدّعيه الامام، فعلي هذا يکون المسيح آخر المصدّقين علي وفق النصّ [10] .
[ صفحه 365]
ثمّ إنّه ورد في الحديث عن أهل البيت (عليهم السلام) أنّ دولتهم آخر الدول، وتکون في آخر الدهر، ممّـا يدلّ علي أنّ دولة الحقّ التي يقيمها الامام المهدي (عليه السلام) ليس ثمّة دولة بعدها لعيسي المسيح (عليه السلام) أو لغيره.
روي عن الامام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أ نّه قال: دولتنا آخر الدول، ولن يبقي أهل بيت لهم دولة إلاّ ملکوا قبلنا، لئلاّ يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملکنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عزّ وجلّ: (وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين) [11] .
وروي الشيخ الصدوق في الامالي بالاسناد عن محمّد بن أبي عمير، قال: حدّثني من سمع الامام أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول:
لکلّ اُناس دولةٌ يرقبونها
ودولتنا في آخر الدهر تظهرُ [12] .
وسيأتي تفصيل البحث عن موضوع ما بعد دولة الامام المهدي (عليه السلام) لاحقاً إن شاء الله.
پاورقي
[1] الفردوس 3: 294 / 4882، صحيح البخاري 4: 325 / 245، صحيح مسلم 1: 136 / 244.
[2] مسند احمد 3: 345 و 384، فيض القدير 6: 17، کنز العمّـال 7: 187، البيان في أخبار صاحب الزمان: 496، وراجع التأويل المشار إليه في صحيح مسلم 1: 137 / 247.
[3] عقد الدرر: 293، الحاوي للفتاوي 2: 65. وفي هذا الحديث دلالة علي أنّ المهدي (عليه السلام) غير عيسي (عليه السلام)، وهو يوضّح بطلان قول من تمسّک بحديث «لا مهديّ إلاّ عيسي» زاعماً أنّ المهدي هو عيسي (عليه السلام).
[4] دلائل الامامة: 443 / 416، البيان في أخبار صاحب الزمان: 501، الفصول المهمّة: 296، إثبات الهداة 7: 135 / 672.
[5] قال ابن قتيبة: الثَّبَج: الوسط، قال أبو زيد: يقال: ضرب بالسيف ثَبَج الرجل، أي وسطه، والجمع أثباج، ومثله: جوز وأجواز ـ عقد الدرر: 198، العمدة: 434.
[6] العمدة: 432 / 906.
[7] العمدة: 434 / 914، عقد الدرر: 198.
[8] فرائد السمطين 2: 339 / 593.
[9] فرائد السمطين 2: 338 / 592.
[10] البيان في أخبار صاحب الزمان: 508، کشف الغمّة 2: 484.
[11] بحار الانوار 52: 332 / 58، والاية من سورة الاعراف: 127.
[12] الامالي: 578 / 791 ـ طبع وتحقيق مؤسسة البعثة ـ قم.