الدجال والدابة والفزعة
206- عن النزال بن سبرة، قال: خطبنا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فحمد الله عزّ وجلّ وأثني عليه، وصلّي علي محمّد وآله، ثمّ قال: سلوني أيّها الناس قبل أن تقفدوني - ثلاثاً - فقام إليه صعصعة بن صوحان. فقال: يا أمير المؤمنين، متي يخرج الدجّال؟ فقال له عليّ (عليه السلام): لذلک علامات وهيئات يتبع بعضها بعضاً
[ صفحه 323]
کحذو النعل بالنعل، وإن شئت أنبأتک بها؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين.
فقال (عليه السلام): احفظ فإنّ علامة ذلک إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الامانة، واستحلّوا الکذب، وأکلوا الربا، وأخذوا الرشا، وشيّدوا البنيان، وباعوا الدين بالدنيا، واستعملوا السفهاء، وشاوروا النساء، وقطعوا الارحام، واتّبعوا الاهواء، واستخفّوا بالدماء، وکان الحلم ضعفاً، والظلم فخراً.
وکانت الاُمراء فجرة، والوزراء ظلمة، والعرفاء خونة، والقرّاء فسقة، وظهرت شهادة الزور، واستعلن الفجور، وقول البهتان، والاثم والطغيان، وحلّيت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطوّلت المنارات، واُکرمت الاشرار، وازدحمت الصفوف، واختلفت القلوب، ونقضت العهود، واقترب الموعود، وشارک النساء أزواجهنّ في التجارة حرصاً علي الدنيا، وعلت أصوات الفسّاق واستمع منهم.
وکان زعيم القوم أرذلهم، واُتّقي الفاجر مخافة شرّه، وصدّق الکاذب، وائتمن الخائن، واتّخذت القيان والمعازف، ولعن آخر هذه الاُمّة أوّلها، ورکب ذوات الفروج السروج، وتشبّه النساء بالرجال، والرجال بالنساء، وشهد الشاهد من غير أن يستشهد، وشهد الاخر قضاء لذمام بغير حقّ عرفه وتفقّه لغير الدين.
وآثروا عمل الدنيا علي الاخرة، ولبسوا جلود الضأن علي قلوب الذئاب، وقلوبهم أنتن من الجيف وأمرّ من الصبر، فعند ذلک الوحا الوحا، ثمّ العجل العجل، خير المساکن يومئذ بيت المقدس، وليأتين علي الناس زمانٌ يتمنّي أحدهم أ نّه من سکانه.
فقام إليه الاصبغ بن نباتة، فقال: يا أمير المؤمنين، من الدجّال؟ فقال: ألا إنّ الدجّال صائد بن الصيد، فالشقيّ من صدّقه، والسعيد من کذّبه، يخرج من بلدة يقال لها إصفهان، من قرية تعرف باليهوديّة، عينه اليمني ممسوحة، والعين
[ صفحه 324]
الاُخري في جبهته تضيء کأ نّها کوکب الصبح، فيها علقة ممزوجة بالدم، بين عينيه مکتوب: کافر، يقرؤه کلّ کاتب واُمّي، يخوض البحار، وتسير معه الشمس، بين يديه جبل من دخان، وخلفه جبل أبيض يُري الناس أ نّه طعام، يخرج حين يخرج في قحط شديد، تحته حمار أقمر، خطوة حماره ميل، تطوي له الارض منهلاً منهلاً، لا يمرّ بماء إلاّ غار إلي يوم القيامة.
ينادي بأعلي صوته، يسمع ما بين الخافقين من الجنّ والانس والشياطين، يقول: إليّ أوليائي، أنا الذي خلق فسوّي، وقدّر فهدي، أنا ربّکم الاعلي وکذب عدوّ الله، إنّه أعور، يطعم الطعام، ويمشي في الاسواق، وإنّ ربّکم عزّ وجلّ ليس بأعور، ولا يطعم، ولا يمشي، ولا يزول، تعالي الله عن ذلک علوّاً کبيراً.
ألا وإنّ أکثر أتباعه يومئذ أولاد الزنا، وأصحاب الطيالسة الخضر، يقتله الله عزّ وجلّ بالشام، علي عقبة تعرف بعقبة أفيق، لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة علي يد من يصلّي عيسي بن مريم (عليه السلام) خلفه، ألا إنّ بعد ذلک الطامة الکبري.
قلنا: وما ذلک يا أمير المؤمنين؟
قال: خروج دابّة من الارض من عند الصفا، معها خاتم سليمان بن داود، وعصا موسي (عليه السلام)، يضع الخاتم علي وجه کلّ مؤمن، فينطبع فيه: هذا مؤمن حقّاً، ويضعه علي وجه کلّ کافر، فينکتب: هذا کافر حقّاً، حتّي أنّ المؤمن لينادي: الويل لک يا کافر، وإنّ الکافر ينادي: طوبي لک يا مؤمن، وددت أنّي اليوم کنت مثلک فأفوز فوزاً عظيماً.
ثمّ ترفع الدابة رأسها، فيراها من بين الخافقين بإذن الله جلّ جلاله، وذلک بعد طلوع الشمس من مغربها، فعند ذلک ترفع التوبة، فلا توبة تقبل، ولا عمل يرفع (وَلا يَنْفَعُ نَفْساً إيْمانُها لَمْ تَکُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أوْ کَسَبَتْ في إيْمانِها خَيْراً).
[ صفحه 325]
ثمّ قال (عليه السلام): لا تسألوني عمّـا يکون بعد هذا، فإنّه عهدٌ عهده إليّ حبيبي رسول الله (صلي الله عليه وآله) أن لا اُخبر به غير عترتي.
قال النزل بن سبرة: فقلت لصعصعة بن صوحان: يا صعصعة، ما عني أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا؟ فقال صعصعة: يا ابن سبرة، إنّ الذي يصلّي خلفه عيسي ابن مريم (عليه السلام) هو الثاني عشر من العترة، التاسع من ولد الحسين بن عليّ (عليه السلام)، وهو الشمس الطالعة من مغربها، يظهر عند الرکن والمقام فيطهّر الارض، ويضع ميزان العدل، فلا يظلم أحد أحداً، فأخبر أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ حبيبه رسول الله (صلي الله عليه وآله) عهد إليه أن لا يخبر بما يکون بعد ذلک غير عترته الائمة (صلوات الله عليهم أجمعين) [1] .
207- وعن داود الدجاجي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ (عليه السلام)، قال: سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن قوله تعالي: (فَاخْتَلَفَ الاحْزابُ بَيْنَهُمْ) فقال: انتظروا الفرج من ثلاث. فقيل: يا أمير المؤمنين، وما هنّ؟ فقال: اختلاف أهل الشام بينهم، والرايات السود من خراسان، والفزعة في شهر رمضان.
فقيل: وما الفزعة في شهر رمضان؟ فقال: أو ما سمعتم قول الله عزّ وجلّ في القرآن (إنْ نَشَأ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أعْناقُهُمْ لَها خاضِعين) هي آية تخرج الفتاة من خدرها، وتوقظ النائم، وتفزع اليقظان [2] .
208- وعن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالي: (إنَّ اللهَ قادِرٌ
[ صفحه 326]
عَلي أنْ يُنَزِّلَ آيَة) [3] ، قال: وسيريک في آخر الزمان آيات، منها: دابة الارض، والدجّال، ونزول عيسي بن مريم، وطلوع الشمس من مغربها [4] .
209- وعن أبي جعفر (عليه السلام)، في قوله تعالي: (قُلْ هُوَ القادِرُ عَلي أنْ يَبْعَثَ عَلَيْکُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِکُمْ) [5] ، قال: هو الدجّال والصيحة (أوْ مِنْ تَحْتِ أرْجُلِکُمْ) وهو الخسف (أوْ يَلْبِسَکُمْ شِيَعاً) وهو اختلاف في الدين، وطعن بعضکم علي بعض (وَيُذيقَ بَعْضَکُمْ بَأسَ بَعْض) وهو أن يقتل بعضکم بعضاً، وکلّ هذا في أهل القبلة [6] .
210- وعن محمّد بن شعيب بن غزوان، عن رجل، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: دخل عليه رجل من أهل بلخ، فقال له: يا خراساني، تعرف وادي کذا وکذا؟ قال: نعم. قال له: تعرف صدعاً في الوادي من صفته کذا وکذا؟ قال: نعم. قال: من ذلک يخرج الدجّال [7] .
211- وعن عبد الرحمن، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): ليهبطن الدجّال حول
[ صفحه 327]
کرمان في ثمانين ألفاً، کأنّ وجوههم المجان المطرّقة، يلبسون الطيالسة، وينتعلون الشعر [8] .
212- وعن أبي الدهماء، عن هشام بن عامر، قال: إنّکم لتجاوزون إلي رهط من أصحاب النبيّ (صلي الله عليه وآله) ما کانوا أحصي ولا أحفظ لحديثه منّي، وإنّي سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: ما بين آدم إلي يوم القيامة أمر أکبر من الدجّال [9] .
213- وعن جابر بن عبد الله، أ نّه قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): يخرج الدجّال في خفقة [10] من الدين، وإدبار من العلم [11] .
پاورقي
[1] کمال الدين: 525 / 1.
[2] غيبة النعماني: 168.
[3] الانعام: 37.
[4] بحار الانوار 52: 181 / 4.
[5] الانعام: 65.
[6] بحار الانوار 52: 181 / 4.
[7] بحار الانوار 52: 190 / 19.
[8] الملاحم والفتن: 87.
[9] مسند احمد 4: 21.
[10] الخفقة: الاضطراب.
[11] مسند احمد 3: 367.