بازگشت

محمد بن احمد المحمودي


روي الطبري في (الدلائل) بالاسناد عن أبي علي محمّد بن احمد المحمودي، قال: حججت نيّفاً وعشرين سنة کنت في جميعها أتعلّق بأستار الکعبة، وأقف علي الحطيم والحجر الاسود ومقام إبراهيم، واُديم الدعاء في هذه المواضع، وأقف بالموقف، وأجعل جلّ دعائي أن يريني مولاي صاحب الزمان (صلوات الله عليه)



[ صفحه 185]



فإنّني في بعض السنين قد وقفت بمکّة علي أن أبتاع حاجة، ومعي غلام في يده مشربة حليج [1] ملمّعة، فدفعت إلي الغلام الثمن، وأخذت المشربة من يده، وتشاغل الغلام بمماکسة البيع [2] ، وأنا واقف أترقّب، إذ جذب ردائي جاذب، فحوّلت وجهي إليه، فرأيت رجلاً أذعرت حين نظرت إليه، هيبةً له، فقال لي: تبيع المشربة؟ فلم أستطع ردّ الجواب، وغاب عن عيني، فلم يلحقه بصري، فظننته مولاي.

وأقمت علي رجائي ويقيني، ومضت مدّة وأنا أحتجّ، واُديم الدعاء في الموقف، فإنّني في آخر سنة جالس في ظهر الکعبة ومعي يمان بن الفتح بن دينار، ومحمّد بن القاسم العلوي، وعلاّن الکليني، ونحن نتحدّث إذا أنا برجل في الطواف، فأشرت بالنظر إليه، وقمت أسعي لاتبعه، فطاف حتّي إذا بلغ إلي الحجر رأي سائلاً واقفاً علي الحجر، ويستحلف ويسأل الناس بالله عزّ وجلّ أن يتصدّقوا عليه، فإذا بالرجل قد طلع، فلمّـا نظر إلي السائل، انکبّ إلي الارض وأخذ منها شيئاً، ودفعه إلي السائل وجاز.

فعدلت إلي السائل، فسألته عمّـا وهب له، فأبي أن يعلمني، فوهبت له ديناراً، وقلت: أرني ما في يدک، ففتح يده، فقدّرت أنّ فيها عشرين ديناراً، فوقع في قلبي اليقين أ نّه مولاي (عليه السلام).

ورجعت إلي مجلسي الذي کنت فيه، وعيني ممدودة إلي الطواف، حتّي إذا فرغ من طوافه عدل إلينا، فلحقنا له رهبة شديدة، وحارت أبصارنا جميعاً، وقمنا إليه، فقلنا: ممّن الرجل؟ فقال: من العرب، فقلنا: من أيّ العرب؟ فقال: من



[ صفحه 186]



بني هاشم. فقلنا: من أيّ بني هاشم؟

فقال: ليس يخفي عليکم إن شاء الله تعالي، ثمّ التفت إلي محمّد بن القاسم، فقال: يا محمّد، أنت علي خير إن شاء الله، أتدرون ما کان يقول زين العابدين (عليه السلام) عند فراغه من صلاته في سجدة الشکر؟ قلنا: لا.

قال: کان يقول: «يا کريم، مسکينک بفنائک، يا کريم فقيرک زائرک، حقيرک ببابک يا کريم» ثمّ انصرف عنّا، ووقفنا نموج ونتذکّر ونتفکّر، ولم نتحقّق.

ولمّـا کان من الغد رأيناه في الطواف، فامتدّت عيوننا إليه، فلمّـا فرغ من طوافه خرج إلينا، وجلس عندنا، فأنس وتحدّث، ثمّ قال: أتدرون ما کان يقول زين العابدين (عليه السلام) في دعائه عقب الصلاة؟ قلنا: تعلّمنا. قال: کان (عليه السلام) يقول: «اللهمّ إنّي أسألک باسمک الذي به تقوم السماء والارض، وباسمک الذي به تجمع المتفرّق، وتفرّق المجتمع، وباسمک الذي تفرّق به بين الحقّ والباطل، وباسمک الذي تعلم به کيل البحار وعدد الرمال ووزن الجبال أن تفعل بي کذا وکذا».

وأقبل عليّ حتّي إذا صرنا بعرفات، وأدمت الدعاء، فلمّـا أفضنا منها إلي المزدلفة وبتنا فيها، رأيت رسول الله (صلي الله عليه وآله) فقال لي: هل بلغت حاجتک؟ فقلت: وما هي يا رسول الله؟ فقال: الرجل صاحبک، فتيقّنت عندها [3] .


پاورقي

[1] المشربة: الاناء يشرب فيه، والحليج: اللبن الذي ينتقع فيه التمر ثمّ يماث.

[2] المماکسة في البيع: استنقاص الثمن حتّي يصل البائع والمشتري إلي ما يتراضيان عليه.

[3] دلائل الامامة: 537 / 521، تبصرة الولي: 140 / 45.