دلالة الحديث علي إمامة الحجة
الملاحظ أ نّه لم تتّفق کلمة العامّة علي تحديد المراد بالائمة الاثني عشر أو الخلفاء الاثني عشر، فاتّفقوا علي عددهم، واختلفوا في أعيانهم، قال السيوطي:
[ صفحه 275]
«لم يقع إلي الان وجود اثني عشر اجتمعت الاُمّة علي کلّ منهم» [1] .
فجعل ابن کثير الخلفاء الاربعة، وعمر بن عبد العزيز، وبعض بني العباس من الخلفاء الاثني عشر، واستظهر کون الامام المهدي منهم [2] .
وروي عن وليّ الله المحدّث أ نّهم الخلفاء الاربعة، ومعاوية، وعبد الملک بن مروان، وأولاده الاربعة، وعمر بن عبد العزيز، والوليد بن يزيد [3] .
وقال ابن قيم الجوزيّة: وأمّا الخلفاء اثنا عشر، فقد قال جماعة منهم أبو حاتم ابن حبان وغيره: إنّ آخرهم عمر بن عبد العزيز، فذکروا الخلفاء الاربعة، ثمّ معاوية، ثمّ يزيد ابنه، ثمّ معاوية بن يزيد، ثمّ مروان بن الحکم، ثمّ عبد الملک بن مروان، ثمّ الوليد بن عبد الملک، ثمّ سليمان بن عبد الملک، ثمّ عمر بن عبد العزيز [4] .
وعدّ المقريزي منهم الخلفاء الاربعة، ثمّ الامام الحسن (عليه السلام)، ولم يدخل أحداً من بني اُميّة وبني العباس [5] .
والملاحظ أنّ تحديدهم لبعض أعيان الخلفاء الاثني عشر لا ينطبق مع مضمون الحديث إطلاقاً، ذلک لانّ الحديث يفيد استمرار أمر الخلافة إلي آخر الدهر، وهم حدّدوا ذلک إلي زمان الامام الحسن (عليه السلام)، وبعضهم إلي زمان عمر بن عبد العزيز، وبعضهم أدخل بعض ملوک بني العباس، ويلزم من ذلک خلوّ جميع
[ صفحه 276]
العصور بعد المذکورين من الخليفة، بينما يفترض أنّ الدين لا يزال قائماً بوجودهم إلي قيام الساعة.
ثمّ إنّ مضمون الحديث يفيد أ نّه «لن يزال هذا الدين قائماً إلي اثني عشر خليفة»، و «لا تزال هذه الاُمّة مستقيماً أمرها...».
فکيف يمکن أن نفسّر استقامة الامر وقيام الدين في مثل أيام حکم يزيد الفاجر الذي انتهک الحرمات، وسفک دماء العترة النبويّة الطاهرة، وقتل المهاجرين والانصار من صحابة النبيّ المصطفي (صلي الله عليه وآله) في الحرّة وغيرها من أفعاله الشنيعة، فضلاً عن أ نّهم أدخلوا في الخلفاء الاثني عشر بعض الملوک الذين ملاوا الارض ظلماً وجوراً، وساموا أهلها عدواناً، ومثل هؤلاء لا يصحّ أن نقول إنّهم مصداق لحديث النبيّ (صلي الله عليه وآله)، لانّ المراد بالخليفة هو من يستمدّ سلطته من الشارع المقدّس، ويحکم الناس بکتاب الله تعالي وسنّة نبيّه الکريم (صلي الله عليه وآله) (وَمَنْ لَمْ يَحْکُمْ بِما أنْزَلَ اللهُ فَاُوْلَئِکَ هُمُ الظَّالِمُونَ).
وممّـا تقدّم يتبيّن أنّ المراد بالائمة الاثني عشر الذين يقوم بهم أمر الدين إلي آخر الدهر، هم عترة النبيّ المصطفي (صلي الله عليه وآله)، وعددهم ينطبق مع ما تعتقده الشيعة الامامية في إمامة الائمة الاثني عشر المنصوص عليهم من قبل جدّهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) فهم خلفاؤه وعترته الذين هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقونه حتّي يردّوا عليه حوضه.
پاورقي
[1] الحاوي للفتاوي / السيوطي 2: 85.
[2] تفسير ابن کثير 2: 34 ـ الاية 12 من سورة المائدة.
[3] عون المعبود في شرح سنن أبي داود 11: 362 / 4259.
[4] شرح ابن القيّم علي سنن أبي داود 11: 263 / 4259.
[5] راجع کتاب السلوک لمعرفة دول الملوک 1: 13 ـ 15.