بازگشت

حديث الثقلين


لم يترک رسول الله (صلي الله عليه وآله) اُمّته هملاً، وحاشاه من ذلک لانّ ذلک يتنافي مع کون رسالته محکوماً ببقائها إلي يوم القيامة، باعتباره (صلي الله عليه وآله) خاتم الرسل ولا رسول بعده، إذن فلا بدّ من تعيين المنهج الرسالي والامتداد الصحيح لمسار النبوّة، الذي يحافظ علي الکتاب الکريم وسنّة النبيّ المصطفي (صلي الله عليه وآله) حتّي قيام الساعة، ويراعي استمرارهما منهجاً وتطبيقاً في واقع الحياة.

ولا يمکن أن يوکل اُمّته إلي القرآن الکريم وحده، لما فيه من مجمل ومفصّل، ومحکم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، فضلاً عن أ نّه حمّـال ذو وجوه کما وصفه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وإزاء هذا فلا يمکن أن نتصوّر أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) يدع الاُمّة دون أن يحدّد لها مرجعاً يبيّن القرآن ويعلمه حقّ علمه، ويعرف السنّة النبويّة المبارکة بکلّ تفاصيلها.

ولهذا ندرک معني حديث الثقلين (القرآن والسنّة) ومدي أهمّيته في إرجاع الاُمّة فيه إلي العترة النبويّة الطاهرة لاخذ معالم الدين الحقّ عنهم، وتتّضح لنا



[ صفحه 249]



أسباب تأکيد النبيّ (صلي الله عليه وآله) علي هذا الحديث في مناسبات کثيرة وحالات متعدّدة کما نطقت به السنّة المبارکة.

روي أبو سعيد الخدري، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أ نّه قال: إنّي تارک فيکم الثقلين، ما إن تمسّکتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً، أحدهما أعظم من الاخر کتاب الله حبل ممدود من السماء إلي الارض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض، فانظروا کيف تخلفوني فيهما [1] .

وعن زيد بن أسلم، عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: کأ نّني قد دُعيت فأجبت، وإنّي تارک فيکم الثقلين، أحدهما أکبر من الاخر: کتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا کيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يفترقا حتّي يردا عليّ الحوض، إنّ الله مولاي، وأنا وليّ کلّ مؤمن، من کنت مولاه فعليّ مولاه، اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه [2] .



[ صفحه 250]



وواضح من الحديث المبارک أنّ المراد من عترة النبيّ (صلي الله عليه وآله) هم أهل بيته، وهم أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وفاطمة الزهراء (عليها السلام)، وسيّدا شباب أهل الجنّة الحسن والحسين، ويلحق بهم الذرية الطاهرة، وهم الائمة التسعة المعصومون من ولد الامام الحسين (عليه السلام)، وهم أقرب الناس إلي النبيّ (صلي الله عليه وآله) وشيجةً، وأخصّهم به من حيث العلم، وأعرفهم بدينه، وأعلمهم بسنّته ونهجه، وهناک جملة من الاحاديث الصحيحة عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) المصرّحة بأسمائهم، فضلاً عن تواتر نصوص السابق من الائمة (عليهم السلام) علي إمامة اللاحق منهم، وهو ما يناسب الحديث الصحيح المصرّح بأنّ الائمة (عليهم السلام) اثنا عشر وکلّهم من قريش [3] ، ولا يمکن أن ينطبق علي سواهم بأيّ حال من الاحوال.

وقد صار متعارفاً عند جميع المسلمين أنّ أهل البيت يراد بهم آل النبيّ(صلي الله عليه وآله) [4] ، فقد نزلت آية التطهير في عليّ والزهراء والحسن والحسين (عليهم السلام) في حديث الکساء المشهور [5] الذي يصرّح بعصمتهم وطهارتهم من الدنس والرجس.

وجاء عن اُمّ سلمة (رض) أ نّه عندما نزلت (إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَکُمْ تَطْهيراً) [6] أرسل رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي عليّ وفاطمة



[ صفحه 251]



والحسن والحسين، فقال: «هؤلاء أهل بيتي» [7] .

وعن أبي الحمراء، قال: شهدنا رسول الله (صلي الله عليه وآله) تسعة أشهر يأتي کلّ يوم باب عليّ بن أبي طالب عند وقت کلّ صلاة فيقول: السلام عليکم ورحمة الله وبرکاته أهل البيت (إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَکُمْ تَطْهيراً) [8] ، وهذا تأکيد آخر منه (صلي الله عليه وآله) علي أنّ المراد من أهل البيت هم أصحاب هذا البيت المبارک لا غيرهم.

وقد صرّح أهل اللغة بأنّ المراد من قوله (صلي الله عليه وآله) «وعترتي» الوارد في حديث الثقلين أهل بيته (عليهم السلام) دون سواهم، واستدلّوا بقول رسول الله (صلي الله عليه وآله): «إنّي تارک فيکم الثقلين: کتاب الله، وعترتي أهل بيتي». قال ابن منظور: فجعل العترة أهل البيت (عليهم السلام) [9] .


پاورقي

[1] روي هذا الحديث بهذا اللفظ وبألفاظ اُخري متواترة معنيً عن أکثر من ثلاثين صحابيّاً، راجع صحيح مسلم 4: 1873 / 2408، مستدرک الحاکم 3: 109، سنن الترمذي 5: 662 / 3786 و 3788، مسند أحمد 3: 14 و 17 و 26 و 59، 2: 371، 5: 182 و 189، فضائل الصحابة / أحمد بن حنبل 2: 603 / 1035، الخصائص / النسائي: 21، مصابيح السنّة / البغوي 4: 185 / 4800 و 190 / 4816، مجمع الزوائد / الهيثمي 9: 163، الجامع الصغير / السيوطي 1: 244 / 1608، الصواعق المحرقة / ابن حجر: 75 و 89، الخصائص الکبري / السيوطي 2: 266، الدرّ المنثور / السيوطي 2: 60، تفسير الرازي 8: 163، حلية الاولياء / أبو نعيم 1: 355، سنن البيهقي 2: 148 و 7: 30، اُسد الغابة 2: 13، تأريخ بغداد 8: 442، المعجم الکبير / الطبراني 3: 201 / 3052، وغيرها کثير.

[2] مستدرک الحاکم 3: 109.

[3] راجع صحيح البخاري 9: 147 / 79 ـ باب الاستخلاف، صحيح مسلم 4: 1883.

[4] مفردات الراغب الاصفهاني: 64 ـ بيت ـ.

[5] راجع صحيح مسلم 4: 1883 / 2424 ـ کتاب فضائل الصحابة، سنن الترمذي 5: 351 / 3205 ـ کتاب التفسير، مصابيح السنّة 4: 183 / 4796، مسند أحمد 4: 107، جامع الاُصول 9: 155 / 6702 و 6703 و 6705.

[6] الاحزاب: 33.

[7] السنن الکبري / البيهقي 7: 63.

[8] مشکل الاثار / الطحاوي 1: 338.

[9] لسان العرب ـ عتر ـ 9: 34.