الاخبار الدالة علي المنع
في ما يلي نذکر أهمّ الاخبار الواردة في النهي عن ذکر الامام الحجّة (عليه السلام) باسمه، ونستدلّ فيما بعد ببعض الروايات لرفع التعارض بين ما يدلّ علي التحريم وما يدلّ علي الاباحة.
1 - روي الشيخ الصدوق بالاسناد عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: سأل عمر بن الخطّاب أمير المؤمنين (عليه السلام) عن المهدي، فقال: يا ابن أبي طالب، أخبرني عن المهدي ما اسمه؟
قال (عليه السلام): أمّا اسمه فلا، إنّ حبيبي وخليلي عهد إليّ أن لا اُحدّث باسمه حتّي يبعثه الله عزّ وجلّ، وهو ممّـا استودع الله عزّ وجلّ رسوله في علمه [1] .
2 - وروي بالاسناد عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: صاحب هذا الامر رجل لا يسمّيه باسمه إلاّ کافر [2] .
3 - وعن صفوان بن مهران، عن الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) أ نّه قال:
[ صفحه 14]
المهدي من ولدي، الخامس من ولد السابع، يغيب عنکم شخصه، ولا يحلّ لکم تسميته [3] .
4 - وعن محمّد بن زياد الازدي، عن موسي بن جعفر (عليه السلام) أ نّه قال عند ذکر القائم (عليه السلام): يخفي علي الناس ولادته، ولا يحلّ لهم تسميته حتّي يظهره الله عزّ وجلّ، فيملا به الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت جوراً وظلماً [4] .
5 - وعن الريّان بن الصلت، قال: سئل الرضا (عليه السلام) عن القائم (عليه السلام) فقال: لا يري جسمه، ولا يسمّي باسمه [5] .
6 - وروي الخصيبي بالاسناد عن الريّان بن الصلت، قال: سمعت الرضا(عليه السلام) يقول: القائم المهدي بن الحسن، لا يري جسمه، ولا يسمّيه باسمه أحد بعد غيبته حتّي يراه ويعلن باسمه ويسمعه کلّ الخلق.
فقلنا له: يا سيّدنا، وإن قلنا صاحب الغيبة وصاحب الزمان والمهدي؟
قال: هو کلّه جائز مطلق، وإنّما نهيتکم عن التصريح باسمه، ليخفي اسمه علي أعدائنا فلا يعرفوه [6] .
[ صفحه 15]
7 - وبالاسناد عن السيّد عبد العظيم الحسني، عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أنّه قال في القائم (عليه السلام): لا يحلّ ذکره باسمه حتّي يخرج فيملا الارض قسطاً وعدلاً کما ملئت ظلماً وجوراً [7] .
8 - وروي السيّد عبد العظيم الحسني، عن الامام محمّد بن عليّ الرضا (عليه السلام)، قال: القائم هو الذي يخفي علي الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سميّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) وکَنِيّه [8] .
9 - وروي الشيخ الصدوق بالاسناد عن أبي هاشم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن العسکري (عليه السلام) يقول: الخلف من بعدي الحسن ابني، فکيف لکم بالخلف من بعد الخلف؟
قلت: ولم جعلني الله فداک؟ قال: لا نّکم لا ترون شخصه ولا يحلّ لکم ذکره باسمه.
قلت: فکيف نذکره؟ فقال: قولوا: الحجّة من آل محمّد صلوات الله عليه وسلامه [9] .
10 - وعن أبي عبد الله الصالحي، قال: سألني أصحابنا بعد مضيّ
[ صفحه 16]
أبي محمّد (عليه السلام) أن أسأل عن الاسم والمکان، فخرج الجواب: إنّ دللتم علي الاسم أذاعوه، وإن عرفوا المکان دلّوا عليه [10] .
هذه هي بعض الاحاديث الواردة في النهي عن التسمية للامام الحجّة (عليه السلام)، وقد حمل الشيخ الصدوق وجملة من الاصحاب النهي الوارد في هذه الاحاديث علي ظاهره، فأفتوا بالتحريم [11] .
لکنّ الظاهر من الاحاديث الاُخري المتواترة عن النبيّ (صلي الله عليه وآله) والائمة (عليهم السلام) التصريح باسمه (عليه السلام) نصاً أو تلويحاً، حتّي أ نّنا لو أمعنّا النظر في الاحاديث المتقدّمة سيّما الحديث الثامن الذي جاء فيه لفظ تحريم التسمية، نلاحظ في آخره التصريح باسمه وبکنيته، حيث قال الامام الجواد (عليه السلام): «يحرم عليهم تسميته، وهو سميّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) وکنيّه». [12] واسم رسول الله (صلي الله عليه وآله) ليس خافياً علي أحد وکذلک کنيته، والاحاديث التي وردت فيها التسمية کثيرة جدّاً سنذکر بعضها في الفصل الرابع.
وعليه فالظاهر من النهي الوارد في الاحاديث المتقدّمة أ نّه محمول علي زمان الغيبة الصغري، وذلک بسبب الخوف علي الامام (عليه السلام) من السلطة، والتي کانت في صدد البحث عنه (عليه السلام)، فلو ذُکِر الاسم فلا بدّ من البحث عن المسمّي، ومن ثمّ لا بدّ من البحث عن المکان، ذلک لانّ رؤوس السلطة کانوا يعتقدون أنّ الثاني عشر من أئمة أهل البيت هو الذي يستأصل ملکهم ويقوّض أرکانه، ويدلّ علي ذلک جملة أحاديث منها:
[ صفحه 17]
1 - ما رواه الشيخ الکليني بالاسناد عن أبي عبد الله الصالحي، قال: سألني أصحابنا بعد مضيّ أبي محمّد (عليه السلام) أن أسأل عن الاسم والمکان، فخرج الجواب: إن دللتم علي الاسم أذاعوه، وإن عرفوا المکان دلّوا عليه [13] .
2 - وما رواه الشيخ الصدوق بالاسناد عن الحميري، قال: کنت مع أحمد ابن إسحاق عند العمري (رضي الله عنه) فقلت للعمري: إنّي أسألک عن مسألة کما قال الله عزّ وجلّ في قصّة إبراهيم: (أوَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلي وَلکِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبي) [14] هل رأيت صاحبي؟ قال: نعم، وله عنق مثل ذي - وأشار بيده جميعاً إلي عنقه -. قال: قلت: فالاسم؟ قال: إيّاک أن تبحث عن هذا، فإنّ عند القوم أنّ هذا النسل قد انقطع [15] .
3 - وما رواه النعماني بالاسناد عن أبي خالد الکابلي، قال: لمّـا مضي عليّ بن الحسين (عليه السلام) دخلت علي محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) فقلت: جعلت فداک، قد عرفت انقطاعي إلي أبيک واُنسي به ووحشتي من الناس. قال: صدقت يا أبا خالد، تريد ماذا؟ قلت: جعلت فداک، قد وصف لي أبوک صاحب هذا الامر بصفة لو رأيته في بعض الطرق لاخذت بيده. قال: فتريد ماذا يا أبا خالد؟ قال: اُريد أن تسمّيه لي حتّي أعرفه باسمه. فقال: سألتني والله يا أبا خالد عن سؤال مجهد، ولقد سألتني عن
[ صفحه 18]
أمر ما لو کنت محدّثاً به أحداً لحدّثتک، ولقد سألتني عن أمر لو أنّ بني فاطمة عرفوه حرصوا علي أن يقطّعوه بضعة بضعة [16] .
4 - وحديث الريّان بن الصلت عن الامام الرضا (عليه السلام) المتقدّم، قال (عليه السلام): وإنّما نهيتکم عن التصريح باسمه ليخفي اسمه علي أعدائنا فلا يعرفوه [17] .
5 - وحديث عبد الله بن جعفر الحميري عن العمري، قال: أنت رأيت الخلف من أبي محمّد (عليه السلام)؟ فقال: إي والله، ورقبته مثل هذا، وأومأ بيده. فقلت: بقيت واحدة؟ فقال: هات. قلت: الاسم؟ قال: محرّم عليکم أن تسألوا عن ذلک، ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن اُحلّل ولا اُحرّم، ولکن عنه (صلوات الله عليه) فإنّ الامر عند السلطان أنّ أبا محمّد (عليه السلام) مضي ولم يخلّف ولداً، وقسم ميراثه، وأخذ من لا حقّ له، فصبر علي ذلک، وهو ذا عمّـاله يجولون، فليس أحد يجسر أن يتقرّب إليهم ويسألهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فالله الله، اتّقوا الله وأمسکوا عن ذلک [18] .
وکان من بين أبناء فاطمة (عليها السلام) الذين لو عرفوه لحرصوا علي تقطيعه بضعة بضعة کما هو منطوق الحديث الثالث المتقدّم، جعفر الکذّاب بن الامام عليّ النقي (عليه السلام)، وهو عمّ الامام المهدي (عليه السلام)، الذي طمع في ميراث أخيه الحسن (عليه السلام)
[ صفحه 19]
وادّعي الامامة کذباً وزوراً، وساعد السلطة العباسية علي تفتيش دار أخيه الحسن العسکري (عليه السلام) بعد وفاته، ولقد ساعد علي ذلک أنّ الامام العسکري (عليه السلام) قد توفّي في زمان المعتمد العباسي الذي تولّي السلطة العباسية سنة 256 هـ وتوفّي سنة 279 هـ، والذي کان شديد التعصّب والحقد علي آل البيت (عليهم السلام)، ومن تصفّح کتب التأريخ المشهورة کالطبري وغيره واستقرأ ما في حوادث سنة 257 - 260 هـ، وهي السنوات الاُولي من حکمه، علم مدي حقده علي أهل البيت (عليهم السلام). ومن مواقفه الدنيئة أ نّه أمر شرطته بعد وفاة الامام الحسن العسکري (عليه السلام) مباشرةً بتفتيش داره تفتيشاً دقيقاً، والبحث عن الامام المهدي (عليه السلام)، والامر بحبس جواري أبي محمّد (عليه السلام) واعتقال حلائله، يساعدهم في ذلک جعفر الکذّاب طمعاً في أن ينال منزلة أخيه الحسن العسکري (عليه السلام) بين أوساط الشيعة.
يقول الشيخ المفيد (رحمه الله): وتولّي جعفر بن عليّ أخو أبي محمّد (عليه السلام) أخذ ترکته، وسعي في حبس جواري أبي محمّد (عليه السلام) واعتقال حلائله، وشنّع علي أصحابه بانتظارهم ولده وقطعهم بوجوده والقول بإمامته، وأغري بالقوم حتّي أخافهم وشرّدهم، وجري علي مخلّفي أبي محمّد (عليه السلام) بسبب ذلک کلّ عظيمة من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذلّ، ولم يظفر السلطان منهم بطائل [19] .
وروي محمّد بن يعقوب الکليني (رحمه الله) بالاسناد عن رشيق صاحب المادراي، قال: بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر، فأمرنا أن يرکب کلّ واحد منّا فرساً، ونجنب آخر، ونخرج مخفّين، ولا يکون معنا قليل ولا کثير إلاّ علي السرج مصلّي، وقال لنا: الحقوا بسامراء، ووصف لنا محلّةً وداراً، وقال: إذا أتيتموها تجدون علي
[ صفحه 20]
الباب خادماً أسود، فاکبسوا الدار، ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه.
فوافينا سامراء، فوجدنا الامر کما وصفه، وفي الدهليز خادم أسود، وفي يده تکّة ينسجها، فسألناه عن الدار ومن فيها، فقال: صاحبها. فوالله ما التفت إلينا وقلّ اکتراثه بنا، فکبسنا الدار کما اُمرنا، فوجدنا داراً سَرِيّة، ومقابل الدار ستر ما نظرت قطّ إلي أنبل منه، کأنّ الايدي رفعت عنه في ذلک الوقت، ولم يکن في الدار أحد، فرفعنا الستر، فإذا بيت کبير کأنّ بحراً فيه ماء، وفي أقصي البيت حصير، قد علمنا أ نّه علي الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئةً قائم يصلّي، فلم يلتفت إلينا، ولا إلي شيء من أسبابنا، فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطّي البيت، فغرق في الماء، وما زال يضطرب حتّي مددت يدي إليه فخلّصته وأخرجته وغشي عليه، وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني إلي فعل ذلک الفعل فناله مثل ذلک، وبقيت مبهوتاً فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلي الله وإليک، فوالله ما علمت کيف الخبر، ولا إلي من أجيء، وأنا تائب إلي الله، فما التفت إلي شيء ممّـا قلنا، وما انتقل عمّـا کان فيه.
قال: فهالنا ذلک وانصرفنا عنه، وقد کان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدّم إلي الحجّاب أذا وافيناه أن ندخل عليه في أيّ وقت کان، فوافيناه في بعض الليل، فاُدخلنا عليه، فسألنا عن الخبر فحکينا له ما رأينا، فقال: ويحکم لقيکم أحدٌ قبلي؟ وجري منکم إلي أحد سبب أو قول؟ قلنا: لا. فقال: أنا نفيٌ من جدّي، وحلف بأشدّ أيمان له، أ نّه إن بلغه هذا الخبر ليضربنّ أعناقنا، فما جسرنا أن نحدّث به إلاّ بعد موته [20] .
ولقد توسّم الائمة (عليهم السلام) هذه الاحداث وصعوبة الظروف التي يولد فيها
[ صفحه 21]
الامام الحجّة (عليه السلام) بالخبر عن جدّهم المصطفي (صلي الله عليه وآله)، کما هو مدلول کثير من الاخبار والتي سيأتي بعضها في الفصل الثامن، فنهوا عن التصريح بالتسمية خوفاً وتقيّةً علي الامام المهدي (عليه السلام). ولقد اتّخذ الامام الحسن العسکري (عليه السلام) قبل وفاته التدابير اللازمة والاحتياطات الکافية لصيانة ولده المأمول لاقامة القسط والعدل علي وجه الارض وتقويض دعائم الظلم والجور والتعسّف، فحرص علي أن لا ينتشر خبر ولادته (عليه السلام) إلاّ بين الخُلّص الذين يأمن الاذاعة منهم، ونهاهم عن التصريح باسمه أو بخبر ولادته، وامرهم بکتمان أمره خوفاً عليه من الطواغيت.
ومن مجمل ما تقدّم يمکن القول: إنّ النهي عن التسمية مقصور علي زمان الغيبة الصغري في شدّة الطلب للامام (عليه السلام) والتحرّي عنه، وقد ذکر ذلک الاربلي في (کشف الغمّة) حيث قال: من العجب أنّ الشيخ الطبرسي والشيخ المفيد رحمهما الله تعالي قالا: إنّه لا يجوز ذکر اسمه ولا کنيته، ثمّ يقولون: اسمه اسم النبيّ (صلي الله عليه وآله) وکنيته کنيته عليهما الصلاة والسلام، وهما يظنّان أ نّهما لم يذکرا اسمه ولا کنيته، وهذا عجيب، والذي أراه أنّ المنع من ذلک إنّما کان للتقيّة في وقت الخوف عليه، والطلب له، والسؤال عنه، فأمّا الان فلا، والله أعلم [21] .
پاورقي
[1] کمال الدين: 648 / 3، بحار الانوار 51: 33 / 13.
[2] کمال الدين: 648 / 1، بحار الانوار 51: 33 / 11.
[3] بحار الانوار 51: 32 / 4.
[4] بحار الانوار 51: 32 / 5.
[5] کمال الدين: 648 / 2، بحار الانوار 51: 33 / 12.
[6] الهداية الکبري: 364، مستدرک الوسائل 12: 285 / 15.
[7] بحار الانوار 51: 32 / 3.
[8] بحار الانوار 51: 32 / 6.
[9] کمال الدين: 648 / 4، بحار الانوار 51: 31 / 2.
[10] بحار الانوار 51: 33 / 8.
[11] المجالس السنيّة 5: 677.
[12] تقدّم تخريجه في الحديث الثامن آنفاً.
[13] بحار الانوار 51: 33 / 8.
[14] سورة البقرة: 2 / 260.
[15] بحار الانوار 51: 33 / 7.
[16] بحار الانوار 51: 31 / 1.
[17] تقدّم تخريجه في الحديث السادس من المجموعة المتقدّمة.
[18] غيبة الشيخ الطوسي: 147.
[19] الارشاد 2: 336.
[20] غيبة الطوسي: 149 ـ 150.
[21] کشف الغمّة 3: 326.