بازگشت

غيبته


لقد تواتر في الاخبار عن أئمة الهدي (عليهم السلام) أنّ للقائم (عليه السلام) غيبتين، وقد وقعتا بالفعل، فالغيبة الاُولي تبدأ من وفاة والده الامام الحسن العسکري (عليه السلام) في الثامن من شهر ربيع الاوّل سنة 260 هـ، وتنتهي بوفاة السفير الرابع من سفرائه (عليه السلام) وهو أبو الحسن عليّ بن محمّد السمري في النصف من شعبان سنة 329 هـ.

فعمر الغيبة الصغري سبعون عاماً حافلة بالاحداث الجسام والتقلّبات العظام، انتقلت الخلافة العباسية فيها بين ستّة من خلفاء بني العباس، بينهم المعتمد الذي عاصر وفاة الامام العسکري (عليه السلام) ومبدأ الغيبة الصغري حتّي عام 279 هـ، حيث آلت الخلافة إلي المعتضد إلي عام 289 هـ، فاستخلف المکتفي إلي عام 295 هـ، وبعده المقتدر إلي عام 320 هـ، ثمّ القاهر بالله حتّي سنة 322 هـ، ثمّ الراضي بالله حتّي عام 329 هـ، وهو عام وفاة النائب الرابع السمري عليه الرحمة، ونهاية عهد الغيبة الصغري والسفارة.

وفي زمان الغيبة الصغري انتقلت الوکالة الخاصّة أو السفارة عن الامام المهدي (عليه السلام) بين أربعة من خيار خلق الله وخاصّته، حيث تخرج منه (عليه السلام) التوقيعات إلي شيعته بالامر والنهي علي أيديهم، ويوصلون إليه مسائل الشيعة وحوائجهم، ويوصلون أجوبته (عليه السلام)، والسفراء هم:

1 - أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمرو العمري، وکان باباً لابيه وجدّه (عليهم السلام) من قبل وثقة لهما، ثمّ تولّي الوکالة للامام الحجّة (عليه السلام) وظهرت المعجزات علي يده.



[ صفحه 64]



2 - أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري، فلمّـا مضي عثمان بن سعيد العمري إلي رحمة ربّه، قام ابنه محمّد بن عثمان مقامه بنص الامام أبي محمّد الحسن العسکري (عليه السلام) المتقدّم عليه، ونص أبيه عثمان عليه بأمر الامام الحجّة (عليه السلام).

قال الامام العسکري (عليه السلام): اشهدوا علي أنّ عثمان بن سعيد العمري وکيلي، وأنّ ابنه محمّداً وکيل ابني مهديّکم. [1] والشيعة مجمعة علي عدالته وثقته وأمانته، ومضي علي منهاج أبيه في آخر جمادي الاخرة سنة 304 هـ، أو 305 هـ.

3 - أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، فلمّـا مضي أبو جعفر محمّد بن عثمان العمري إلي رحمة ربّه ورضوانه، قام بأمر السفارة والوکالة أبو القاسم الحسين بن روح، وذلک بالنص عليه من قبل محمّد بن عثمان العمري، وقد نص عليه قبل وفاته بسنتين أو ثلاث سنين، وذلک بأمر الامام الحجّة (عليه السلام)، وتوفّي الحسين بن روح سنة 326 هـ.

4 - أبو الحسن عليّ بن محمّد السمري، وهو آخر السفراء، وقد نص عليه أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي قبل وفاته بأمر الامام الحجّة (عليه السلام)، ولمّـا حضرت أبي الحسن عليّ بن محمّد السمري الوفاة سئل أن يوصي، فقال: لله أمرٌ هو بالغه، ومضي سنة 329 هـ [2] .

وروي الشيخ الطوسي في کتاب (الغيبة) بسنده عن عليّ بن محمّد السمري، أ نّه أخرج قبل وفاته بأيام إلي الناس توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم، يا عليّ بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانک فيک، فإنّک ميّت ما بينک وبين



[ صفحه 65]



ستّة أيام، فاجمع أمرک ولا توصي إلي أحد فيقوم مقامک بعد وفاتک، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالي ذکره، وذلک بعد طول الامد وقسوة القلوب وامتلاء الارض جوراً... [3] .

وتولّي الوکالة عن السفراء في زمان حياتهم أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة، وهم کثيرون منهم: أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري، ومحمّد بن عليّ بن بلال، وعمر الاهوازي، وأحمد بن إسحاق، وأبو محمّد الوجناني، وإبراهيم بن مهزيار، ومحمّد بن إبراهيم، وأبو الحسين محمّد بن جعفر الاسدي، وإبراهيم بن محمّد الهمداني، وأحمد بن حمزة بن اليسع [4] وغيرهم ممّن وردت الرواية بهم، أو خرجت التوقيعات بمدحهم أو علي أيديهم، وسنأتي علي تفصيل أحوالهم وأحوال السفراء الاربعة وأحوال المدّعين للسفارة کذباً وافتراءً في الفصل الثامن إن شاء الله.

أمّا الغيبة الکبري فتبدأ بموت السفير الرابع علي بن محمّد السمري سنة 329 هـ، وهي السنة التي مات فيها الشيخ علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمّي (رحمه الله) والشيخ محمّد بن يعقوب الکليني (رحمه الله).

وبعد مضيّ السمري وقعت الغيبة التامّة، حتّي يجيء وقت الظهور والنهوض بالمهمّة الکبري، بإذن الله تعالي ذکره ومشيئته، وذلک بعد طول الامد وقسوة القلوب وامتلاء الارض ظلماً وجوراً.

قال الله تعالي: (وَنُرِيدُ أنْ نَمُنَّ عَلي الَّذينَ اسْتُضْعِفوا في الارْضِ وَنَجْعَلَهُمْ



[ صفحه 66]



أئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثينَ ، وَنُمَکِّنَ لَهُمْ في الارْضِ) [5] ، وقال تعالي: (وَلَقَدْ کَتَبْنا في الزَّبورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکْرِ أنَّ الارْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحون) [6] .

ولقد اختلف في رؤيته (عليه السلام) خلال الغيبة الکبري، فقد ورد عنه (عليه السلام): سيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن يدّعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو کذّاب مفتر [7] .

ونقل عن کثير من الصلحاء والاخيار أ نّهم رأوه وسمعوا منه خلال الغيبة الکبري، والله العالم بحقيقة الاحوال، علي أنّا سنأتي علي تفصيل ذلک وتحقيقه في الفصل الثامن والثاني عشر إن شاء الله تعالي.

نسأل الله تعالي أن يرزقنا ويسعدنا بما أسعد به أهل الاخلاص من رؤية وليّه والتشرّف به، وکشف الحيرة والجهل بعلمه وفرجه، ونسأله تعالي أن يعجّل في فرج مولانا صاحب الزمان لنسعد برؤية طلعته الکريمة، ونعيش في ظلّ دولته العادلة، وأن يوفّقنا لان نکون من أعوانه وأنصاره علي إظهار الحقّ وإزالة حجب الجور والظلم، إنّه تعالي علي کلّ شيء قدير.


پاورقي

[1] المجالس السنيّة 5: 683.

[2] راجع التتمّة في تواريخ الائمة: 149، تاج المواليد: 141 ـ 145.

[3] المجالس السنيّة 5: 686.

[4] راجع إعلام الوري: 444، المجالس السنيّة 5: 687.

[5] القصص: 5 ـ 6.

[6] الانبياء: 105.

[7] إعلام الوري: 445، الاحتجاج: 478، تاج المواليد: 145.