الاغراض والمقاصد العامّة
1 - إنقاذ الشعب المسلم من براثن تعسّف وظلم بعض حکّامه المنحرفين، وخاصّة فيما يعود إلي قواعده الشعبية من الخير والسلامة.
فمن ذلک ما قام به الامام المهدي من إنقاذ شعبه في البحرين، من تعسّف حاکميه الذين تنص الرواية علي کونهم من عملاء الاستعمار ومن المنصوبين من قبل المستعمرين [1] .
حيث کان للوزير في تلک البلاد، وهو بمنزلة رئيس الوزراء في عالم اليوم... مکيدة کبيرة کادت أن تؤدّي إلي إرهاب القواعد الشعبية للامام المهدي (عليه السلام) إرهاباً غريباً بمعاملتهم معاملة الکفّار الحربيّين من أهل الکتاب... أمّا بأن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، أو أن تقتل رجالهم وتسبي نساؤهم وأطفالهم. وقد کان للامام المهدي (عليه السلام) اليد الطولي في کشف هذه المکيدة ودفع هذا الشرّ المستطير.
2 - إنقاذ الشعب المسلم من براثن الاشقياء والمعتدين، وعصابات اللصوص
[ صفحه 570]
المانعين عن الاعمال الاسلامية الخيّرة.
فمن ذلک [2] : العمل الکبير الذي قام به المهدي (عليه السلام) من فتح الطريق إلي کربلاء المقدّسة، أمام زوّار جدّه الامام الحسين (عليه السلام)، في النصف من شعبان.
وکانت عشيرة «عنيزة» تترصّد لکلّ داخل إلي کربلاء وخارج منها، وتتعهّده بالسلب والنهب، فکان الطريق إليها موصداً يخافه الناس. فلولا قيادة المهدي (عليه السلام) للزائرين في الطريق إلي کربلاء وتهديده لعشيرة عنيزة بالموت والدمار إذا حاولت الاعتداء، لامتنع الناس من الذهاب إلي زيارة الامام سيّد شباب أهل الجنّة (عليه السلام)، ولتعطّل هذا الشعار الاسلامي الکبير. فمرحي للالطاف الکبري التي يسبغها المهدي (عليه السلام) علي اُمّته.
وکان ذلک خلال حکم الدولة العثمانية للعراق. وکان من قوّادهم يومئذ: کنج محمّد آغا وصفر آغا... کما تنص الرواية علي ذلک، ولکنّها - مع الاسف - تهمل التعرّض إلي التأريخ المحدّد للحوادث.
3 - إلفات نظر الاخرين إلي عدم تحقّق شرط الظهور الموعود. والتأکيد علي أنّ الاُمّة لم تبلغ إلي المستوي المطلوب من الوعي والشعور بالمسؤولية الذي تستطيع معه أن تحمل علي عاتقها الاثار الکبري في اليوم الموعود. ومعه فلا بدّ من أن يتأجّل الظهور إلي اليوم الذي يتحقّق فيه هذا الشرط مهما تمادي الزمن وطالت المدّة. وليس لاحد أن يقترح تقديمه أو يعيّن تأريخه، سوي الله عزّ وجلّ.
وقد حصل التأکيد علي هذا المفهوم الصحيح الواعي من قبل الامام المهدي (عليه السلام)، علي ملا من الناس، وذلک في خبر السيّد محمّد الصدر (رحمه الله) عن أبيه،
[ صفحه 571]
وفي ما يلي اختصار لبعض تفاصيله:
قال: إنّ الناس في البحرين، في بعض الازمنة، لمقدار إحساسهم بالظلم وتعسّف الظالمين... تمنّوا ظهور الامام المهدي (عليه السلام) بالسيف ظهوراً عالمياً عامّاً، لکي يجتثّ أساس الظلم لا من بلادهم فحسب بل من العالم کلّه.
فاتّفقوا علي اختيار جماعة من أعاظمهم زهداً وورعاً وعلماً ووثاقة، فاجتمع هؤلاء واختاروا ثلاثة منهم، واجتمع هؤلاء واختاروا واحداً هو أفضلهم علي الاطلاق، ليکون هو واسطتهم في الطلب إلي المهدي بالظهور.
فخرج هذا الشخص المختار، إلي الضواحي والصحراء، وأخذ بالتعبّد والتوسّل إلي الله تعالي وإلي المهدي (عليه السلام) بأن يقوم بالسيف ويظهر فيملا الارض قسطاً وعدلاً، کما ملئت ظلماً وجوراً. وقضي في ذلک ثلاثة أيام بلياليها.
فلمّـا کانت الليلة الاخيرة، أقبل شخص وعرّفه بنفسه أ نّه هو المهدي المنتظر، وقد جاء إجابةً لطلبه: وسأله عن حاجته، فأخبره الرجل بأنّ قواعده الشعبية ومواليه في أشدّ التلهّف والانتظار إلي ظهوره وقيام نوره. فأوعز إليه المهدي (عليه السلام) أن يبکّر في غد إلي مکان عامّ عيّنه له، ويأخذ معه عدداً من الغنم في الطابق الثاني علي السطح، ويعلن في الناس أنّ المهدي (عليه السلام) سيأتي في ساعة معيّنة، عليهم أن يجتمعوا في أرض ذلک المکان. وقال له المهدي (عليه السلام) أيضاً: إنّني سأکون علي السطح في ذلک الحين.
وامتثل الرجل هذا الامر، وحلّت الساعة الموعودة، وکان الناس متجمهرين في المکان المعيّن علي الارض، وکان المهدي (عليه السلام) مع هذا الرجل وغنمه علي السطح.
وهنا ذکر المهدي (عليه السلام) اسم شخص، وطلب من الرجل أن يطلّ علي الجماهير
[ صفحه 572]
ويأمره بالحضور، فامتثل الامر وأطلّ علي الجمع ونادي باسم ذلک الرجل... فسمع الناس وصعد الرجل علي السطح، وبمجرّد وصوله أمر المهدي (عليه السلام) صاحبنا أن يذبح واحدة من غنمه قرب الميزاب، فما رأي الناس إلاّ الدم ينزل من الميزاب بغزارة، فاعتقدوا جازمين بأنّ المهدي (عليه السلام) أمر بذبح هذا الرجل الذي ناداه.
ثمّ نادي المهدي (عليه السلام) بنفس الطريقة رجلاً آخر، وکان أيضاً من الاخيار الورعين، فصعد مضحّياً بنفسه واضعاً في ذهنه الذبح أمام الميزاب، وبعد أن وصل إلي السطح نزل الدم من الميزاب، ثمّ نادي شخصاً ثالثاً ورابعاً، وهنا أصبح الناس يرفضون الصعود، بعد أن تأکّدوا أنّ کلّ من يصعد سيراق دمه من الميزاب، وأصبحوا يفضّلون حياتهم علي أمر إمامهم.
وهنا التفت المهدي (عليه السلام) إلي صاحبنا وأفهمه بأ نّه معذور في عدم الظهور ما دام الناس علي هذا الحال.
فمن هنا نفهم بوضوح، کيف أنّ المهدي (عليه السلام) استهدف إفهام الاُمّة بشکل عملي غير قابل للشکّ، بأ نّها ليست علي المستوي المطلوب من التضحية والشعور بالمسؤولية الاسلامية، وکشف أمامها واقعها بنحو أحسّه کلّ فرد في نفسه وأ نّه علي غير استعداد لاطاعة أمر إمامه (عليه السلام) إذا کان مستلزماً لاراقة دمه، وإذا کانت الاُمّة علي هذا المستوي الوضيع لم يمکنها بحال أن تتکفّل القيام بمهام اليوم الموعود بقيادة المهدي (عليه السلام).
هذه الصورة ربما تکون واقعية وربما تکون استدلاليّة، وعلي کلّ حال لا تخلو من فائدة وتقريب المعني إلي الذهن.
4 - إرجاعه (عليه السلام) للحجر الاسود إلي مکانه من الکعبة، فإنّ القرامطة بعد أن قلعوه أثناء هجومهم علي مکّة المکرّمة عام 317 للهجرة، ونقلوه إلي هجر، وکان
[ صفحه 573]
ذلک إبّان الغيبة الصغري، کما هو واضح من تأريخها بقي الحجر لديهم عشرين عاماً أو يزيد. وأرجعوه إلي مکّة عام 339، أو عام 337، فکان المهدي (عليه السلام) هو الذي وضعه في مکانه وأقرّه علي وضعه السابق، کما ورد في أخبارنا.
قال الراوي: لمّـا وصلت إلي بغداد في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة عزمت علي الحجّ، وهي السنة التي ردّ القرامطة فيها الحجر إلي مکانه إلي البيت، کان أکثر همّي الظفر بمن ينصب الحجر، لا نّه يمضي في أنباء الکتب قصّة أخذه، فإنّه لا يضعه في مکانه إلاّ الحجّة في الزمان، کما في زمان الحجّاج وضعه زين العابدين (عليه السلام) في مکانه.
وأوضح الراوي بأنّ الناس فشلوا في وضعه في محلّه، وکلّما وضعه إنسان اضطرب الحجر ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون حسن الوجه، فتناوله فوضعه في مکانه، فاستقام کأ نّه لم يزل عنه، وعلت لذلک الاصوات.
ثمّ إنّ المهدي (عليه السلام)، خرج من المسجد ولاحقه الراوي طالباً منه حاجة، فقضاها له، وأقام الدلالة ساعتئذ علي حقيقته.
وهذه حقيقة تمثّل فجوة تأريخية، سکت عنها التأريخ العامّ، وقد ملاتها أخبارنا الخاصّة بکلّ وضوح، وهو أمر لا يمکن نفيه إلاّ بنفي فکرة غيبة المهدي (عليه السلام) من أصلها، وهو خلاف ما هو المفروض في هذا التأريخ.
نعم، يبقي في الذهن سؤالان حول ذلک لا بدّ من عرضهما ومحاولة الجواب عليهما:
الاوّل: أ نّه من أين ثبت أنّ الحجر الاسود لا يضعه في محلّه إلاّ الحجّة في الزمان، کما ادّعاه الراوي؟
والواقع أ نّنا لم نجد رواية تتکفّل هذا المدلول الواسع، ولکنّنا إذا استعرضنا
[ صفحه 574]
التأريخ المعروف، لم نجد واضعاً للحجر إلاّ من الانبياء والاولياء، فإبراهيم (عليه السلام) هو الذي وضع الحجر حين بني الکعبة ووضع اُسس البيت العتيق. ورسول الله (صلي الله عليه وآله) هو الذي وضع الحجر قبل نبوّته حين بنيت الکعبة في الجاهلية واختلفت القبائل فيمن يضع الحجر قبل نبوّته حين بنيت الکعبة في الجاهلية والحادثة معروفة، ومرويّة في التأريخ. وحين أخرب الحجّاج بن يوسف الکعبة المقدّسة في صراعه مع عبد الله بن الزبير... أعادوا بناءها من جديد، وکان واضع الحجر هو الامام زين العابدين (عليه السلام).
وهذا الراوي في الرواية التي نناقشها، ينسب وجود مثل هذه القاعدة العامّة، أعني أنّ الحجر الاسود لا يضعه إلاّ الحجّة في الزمان... ينسبها إلي الکتب، وظاهره کونها مسلّمة الصحّة، فلعلّه کانت هناک أدلّة أکثر وأوثق قد بادت خلال التأريخ والله العالم بحقائق الاُمور.
الثاني: لو ثبتت هذه الفکرة کقاعدة عامّة، وصادف أن زال الحجر الاسود من مکانه في بعض عصور الغيبة الکبري، فکيف يتسنّي للمهدي (عليه السلام) إرجاعه، وهو حجّـة الزمـان، إلاّ بانکشاف أمره وارتفاع غيبته واطلاع الناس علي شخصه.
والجواب علي ذلک: إنّ أهمّ ما يمکن أن يکون ساتراً لشأنه وصائناً لسرّه حين وضعه الحجر، هو عدم معروفية هذه الفکرة لدي الناس وعدم اشتهارها بينهم، بل وعدم قيام دليل واضح عليها، کما سمعنا. ولعلّه من أجل ذلک لم يصدر في الشريعة الاسلامية مثل هذا الدليل الواضح علي ذلک. ولعلّک لاحظت من خلال هذه الرواية التي نناقشها أنّ الذي عرف هذه الفکرة هو واحد من الالاف المحتشدة بما فيهم العلماء والکبراء، ومن هنا استطاع أن يشخّص في واضع الحجر کونه
[ صفحه 575]
هو المهدي (عليه السلام).
وبناءً علي خفاء العنوان، يمکن أن نفترض أنّ الامام (عليه السلام) في عصر غيبته، يضع الحجر الاسود مع عمّـال البناء، ويکون آخر من يثبته، ويبقي مجهول الحقيقة علي طول الخطّ، بل قد يکون معروفاً بشخصيّته الثانية باسم آخر کفرد عادي في المجتمع. فيري الرائي أنّ هذه الفکرة العامّة قد انخرمت، في حين إنّه ليس واضع الحجر إلاّ المهدي (عليه السلام) لو انکشف الستر وظهرت الحقيقة.
پاورقي
[1] راجع تفاصيل ذلک في النجم الثاقب: 314 وما بعدها، منتهي الامال 2: 316.
[2] راجع تفاصيل ذلک في النجم الثاقب: 370، ومنتهي الامال 2: 326.