بازگشت

ما الفائدة من الامام غائباً؟


الامامة کالنبوّة لطف من الله تعالي بخلقه ودعوة منه تعالي لهم إلي سبيل الرشاد، لتکون له عليهم الحجّة، فَلِلّهِ تعالي الحجّة البالغة، ومهمّة النبيّ والامام هي القيام بأداء الرسالة وبثّ التعاليم ونشر الدين وإعلاء کلمة الله والدعوة إليه، وعلي الناس السمع والطاعة والامتثال لقوله والاهتداء بهديه والاخذ بتعاليمه وتطبيق مناهجه.

وإذا صدّ الناس النبيّ أو الامام عن أداء واجبه، واضطرّوه إلي الغيبة أو نحوها، فقد خالفوا واجبهم، وترکوا ما اُمروا به، وليس علي النبيّ أو الامام حينذاک بأس، لا نّهم صدّوه وأخافوه، وحالوا بينه وبين أداء رسالته ونشر تعاليمه، فعليهم



[ صفحه 565]



يقع اللوم وعلي عاتقهم تقع المسؤولية.

ومع ذلک فإنّ غيبة الامام (عليه السلام) لم تخلُ من مصلحة للاُمّة وفائدة للمسلمين، ولا ضير علي الاُمّة إذا غاب عنها وجه المصلحة والفائدة المترتّبة علي هذه الغيبة شأن اُمور کثيرة من اُمور الدين لم نزل نجهل عللها والغاية منها.

وقد أجمع أهل القبلة عدا المعتزلة والخوارج علي وجود الخضر (عليه السلام) وبقائه عبر القرون المتطاولة والاجيال المتعاقبة ونحن نجهل الغاية من بقائه (عليه السلام)، والفائدة المتوخّاة من وجوده المبارک، ولا بدّ للحکيم جلّ شأنه أن جعل في بقائه من فائدة ولوجوده الشريف من منفعة، فجهلنا بفائدة بقاء الخضر والامام (عليه السلام) ليس مبرّراً لنکران الفائدة وجحد المنفعة أو جحد الامام (عليه السلام).

ونحن لا نزال نجهل الفائدة لکثير من الاُمور العبادية وغيرها، فها هي طقوس الحجّ من الاحرام والطواف والسعي والتقصير ورمي الجمار وذبح الفداء والحلق لم نهتدِ إلي الغاية منها والفائدة المترتّبة عليها.

ــ سأل جابر بن عبد الله الانصاري رسول الله (صلي الله عليه وآله): هل يُنْتَفَع بالقائم في غيبته؟ فقال (صلي الله عليه وآله): إي والذي بعثني بالنبوّة، إنّهم لينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته، کانتفاع الناس بالشمس وإن جلّلها السحاب [1] .

ــ وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: منّا المهدي الذي يسري في الدنيا بسراج منير، ويحذو فيها علي مثال الصالحين، ليحلّ ربقاً، ويعتق رقّاً، ويصدع شعباً، ويشعب صدعاً، يسري في سترة عن الناس، لا يُبصر القائف أثره، ولو تابع نظره [2] .



[ صفحه 566]



ــ وعن سليمان بن مهران، قال: قلت لجعفر الصادق (عليه السلام): کيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور؟

فقال (عليه السلام): کما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب [3] .

ــ وعن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: اللهمّ لا بدّ لارضک من حجّة علي خلقک يهديهم إلي دينک، ويعلمهم علمک، لئلاّ تبطل حجّتک، ولا يضلّ أتباع أوليائک بعد إذ هديتهم، ظاهراً وليس بالمطاع، أو مکتتماً مترقّباً، إن غاب عن الناس شخصه في حال هدنة، لم يغب عنهم مثبوت علمه، فإذا به قلوب المؤمنين مثبتة، فهم به عاملون [4] .

ــ وفي توقيع للامام المهدي (عليه السلام) إلي إسحاق بن يعقوب، جاء فيه: وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فکالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الابصار السحاب، وإنّي أمانٌ لاهل الارض، کما أنّ النجوم أمان لاهل السماء، فاغلقوا أبواب السؤال عمّـا لا يعنيکم، ولا تتکلّفوا علي ما قد کفيتم، وأکثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلک فرجکم [5] .

وقد ذکر العلاّمة المجلسي عدّة وجوه في التشبيه بالشمس المجلّلة بالسحاب، نذکر منها:

1 - أنّ نور الوجود والعلم والهداية، يصل إلي الخلق بتوسّطه (عليه السلام)، إذ ثبت بالاخبار المستفيضة أ نّهم العلل الغائية لايجاد الخلق، فلولاهم لم يصل نور الوجود



[ صفحه 567]



إلي غيرهم، وببرکتهم والاستشفاع بهم والتوسّل إليهم تظهر العلوم والمعارف إلي الخلق، وتکشف البلايا عنهم، فلولاهم لاستحقّ الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب، کما قال تعالي: (وَما کانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأنْتَ فيهِمْ) [6] .

2 - کما أنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها، إذ ينتظرون في کلّ آن انکشاف السحاب عنها وظهورها، ليکون انتفاعهم بها أکثر، فکذلک في أيام غيبته (عليه السلام)، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره، في کلّ وقت وزمان، ولا ييأسون منه.

3 - إنّ منکر وجوده (عليه السلام) مع وفور ظهور آثاره، کمنکر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الابصار.

4 - إنّ الشمس قد تکون في غيبتها في السحاب أصلح للعباد، من ظهورها لهم بغير حجـاب، فکذلـک غيبته (عليه السلام) أصلح لهم في تلک الازمان، فلذا غاب عنهم.

5 - إنّ الشمس قد تخرج من السحاب وينظر إليها واحد دون واحد، فکذلک يمکن أن يظهر (عليه السلام) في أيام غيبته لبعض الخلق دون بعض [7] .

وقد ذکرنا فيما تقدّم عدّة أحاديث تدلّ علي أنّ الامام المهدي (عليه السلام) يرعي شيعته، ويدخل دورهم، ويطأ بسطهم، ويکنفهم بفيض مداراته ومراعاته، ونضيف هنا أحاديث اُخري تحمل نفس الدلالة:

ــ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) - في حديث - قال: فورّب عليّ، إنّ حجّتها عليها



[ صفحه 568]



قائمة، ماشية في طرقها، داخلة في دورها وقصورها، جوّالة في شرق هذه الارض وغربها، تسمع الکلام، وتسلّم علي الجماعة، تَري ولا تُري إلي الوقت والوعد، ونداء المنادي من السماء [8] .

ــ وعن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: يفقد الناس إمامهم، يشهد المواسم، يراهم ولا يرونه [9] .

ــ وورد في توقيع الامام المهدي (عليه السلام) إلي الشيخ المفيد (رحمه الله): نحن وإن کنّا ثاوين بمکاننا النائي عن مساکن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالي لنا من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلک، ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنّا يحيط علمنا بأنبائکم، ولا يعزب عنّا شيء من أخبارکم، ومعرفتنا بالزلل الذي أصابکم، قد جنح کثير منکم إلي ما کان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ منهم وراء ظهورهم کأ نّهم لا يعلمون.

إنّا غير مهملين لمراعاتکم، ولا ناسين لذکرکم، ولولا ذلک لنزل بکم اللاواء، واصطلمکم الاعداء، فاتّقوا الله جلّ جلاله، وظاهرونا علي انتياشکم [10] من فتنة قد أنافت عليکم... [11] .

إلي آخره.



[ صفحه 569]




پاورقي

[1] بحار الانوار 52: 93، إعلام الوري: 376، منتخب الاثر: 271.

[2] نهج البلاغة 2: 47 / 146، منتخب الاثر: 270.

[3] منتخب الاثر: 271، ينابيع المودّة: 477.

[4] منتخب الاثر: 272.

[5] بحار الانوار 53: 181، منتخب الاثر: 267.

[6] الانفال: 8 / 33.

[7] بحار الانوار 52: 93.

[8] غيبة النعماني: 94.

[9] دلائل الامامة: 482 / 477، الکافي 1: 272 / 6، کمال الدين: 346 / 33، غيبة النعماني: 116 ـ 117.

[10] اللاواء: الشدّة، والاصطلام: الاستئصال، والانتياش: الانقاذ والانتشال.

[11] بحار الانوار 53: 175.