بازگشت

فلسفة الانتظار


إنّ وجود الامام المهدي (عليه السلام) يمثّل الامتداد المتواصل للّطف الالهي، اللطف الذي دعي الانسان إلي انتظاره، کما کان يدعي إلي انتظار الانبياء، إلاّ أنّ هذا الانتظار مقرون بمسؤولية الامر بالمعروف والنهي عن المنکر، والدعوة إلي الاسلام، والجهاد في سبيل الله، لئلاّ تتعطّل شريعة الهدي، ويسود الظلم والفساد.

ولم تکن هذه الدعوة إلي الانتظار دعوة استسلام أو خنوع، أو تخلٍّ عن المسؤوليّة، إلاّ أنّ البعض قد فهم قضيّة انتظار المهدي (عليه السلام) فهماً خاطئاً، فتصوّر أنّ



[ صفحه 559]



الانتظار يعني تعطيل الاحکام الشرعيّة، والتوقّف عن تحمّل المسؤولية وإقامة رکائز الاصلاح، وإيکال هذه الاُمور إلي الامام المنتظر القائم بالحقّ، وذلک مخالف لصريح الرسالة الاسلاميّة وروح الدعوة الالهيّة.

فالقرآن کلّه دعوة إلي الايمان والعمل والتطبيق، وتکليف بالاصلاح وبالامر بالمعروف والنهي عن المنکر، ولم يأذن بتعطيل الشريعة والاحکام، لانّ ذلک يعني سيطرة الظلم والفساد والضلال، وهذا ما لا يأذن به الله سبحانه.

إنّ الانسان الذي لا يعيش في سلوکه وعواطفه وروحه ووعيه الوعد الالهي بوراثة الصالحين، وبظهور المهدي (عليه السلام) الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً، يسيطر عليه اليأس، ويغيب عنه الامل، ويستسلم للامر الواقع.

لقد رکّزت الدعوة الاسلامية الامل والرجاء في النفوس، ودعت إلي اقتلاع ظاهرة اليأس من الاصلاح والاستسلام لسيطرة الجاهليّة والطاغوت، وبشّرت بالنصر والاستخلاف في الارض، فجاءت هذه البشارة للعاملين في سبيل الله، الداعين إلي رسالته کقانون حياتي تسير وفقه أحداث الحياة، قال تعالي: (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آمَنوا مِنْکُمْ وَعَمِلوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الارْضِ کَما اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلُيمَکِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذي ارْتَضي لَهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْناً يَعْبُدونَني لا يُشْرِکونَ بي شَيْئاً وَمَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذلِکَ فَاُولَئِکَ هُمُ الفاسِقون) [1] .

وقد تحدّث القرآن الکريم قبل أن يوضح للمؤمنين وعد الله سبحانه بالاستخلاف، عن مسؤولية الانسان المؤمن، فدعاه إلي طاعة الله والرسول (صلي الله عليه وآله) المتمثّلة بالعمل بکلّ ما جاء به النبيّ الهادي محمّد (صلي الله عليه وآله)، ودعا إليه بشکل جعل من



[ صفحه 560]



الاستخلاف والتمکين في الارض نتيجةً طبيعيّة لطاعة الله والرسول (صلي الله عليه وآله)، واثراً سببياً لها، فقال: (قُلْ أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسولَ فَإنْ تَوَلَّوْا فَإنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْکُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإنْ تُطيعوهُ تَهْتَدوا وَما عَلي الرَّسولِ إلاّ البَلاغُ المُبين) [2] .

إنّ اليائسين من الاصلاح هم أسري حالة مرضيّة، وضحايا اليأس والانهزام أمام تيار الجاهلية، وعنصر إعاقة لحرکة الاُمّة وانطلاقتها التأريخية والحضارية.

إنّ الدعوة الحقّة التي دعا إليها القرآن، وأوضحها الرسول الهادي (صلي الله عليه وآله) هي دعوة العمل والجهاد والاصلاح، في الوقت الذي تنتظر فيه البشرية ظهور المصلح الموعود، ويمهّد المؤمنون العاملون لوراثة الصالحين، ولمرحلة الاستخلال المنتظر في الارض.

وإذا کان المنعطف التأريخي، والتحوّل الحضاري العملاق ويوم الخلاص الموعود، يحصل علي يدي هذا القائد العظيم، وهو الذي يحقّق حلم الانبياء، وينقذ الانسان من ضلال الجاهلية، وظلم الطواغيت، ويعيد صياغة البناء للانسان، علي أساس عقيدة التوحيد وقيم الرسالة الالهيّة، فإنّنا بحاجة إلي بحث هذه القضيّة، وتعميق الوعي من حولها، وتحويل الاهتمام إليها، لانّ الاهتمام بها يشکّل جزءاً من الاهتمام بالقضيّة الاسلامية والانسانية الکبري، وإعداد الانسان للثورة علي الظلم والطغيان، وبعث الامال في نفسه، وللانتصار علي حالة الضعف والهزيمة النفسيّة أمام قوي الطواغيت.

ومن أبرز الاثار التي ينتجها الاهتمام بقضية الامام المهدي (عليه السلام) وتعميق



[ صفحه 561]



الدراسة حولها، ونقلها إلي مساحة الاعلام، هو ربط الاُمّة بقائدها المنتظر، والتهيّؤ للانضواء تحت لوائه، متي ما انطلقت دعوته، ولمع نجمه في اُفق السياسة والقيادة.

إنّ الايمان بالامام المهدي (عليه السلام) هو قضية غيبية، يعمّق الايمان بها روح الوعي الغيبي والارتباط النفسي بعالم الغيب، إلي جانب العمل الميداني في عالم الواقع المادي.

لقد کانت الاُمم والشعوب قبل بعثات الانبياء والرسل، تنتظر النبيّ المصلح، وتعيش حالة من الترقّب والرصد للعلامات والارهاصات، لتنضوي تحت لواء النبيّ المبعوث، وبعد انقطاع الوحي وختم النبوّات بنبوّة محمّد (صلي الله عليه وآله)، شاء الله أن يکون الاصلاح علي يد إمام من آل الرسول (صلي الله عليه وآله).

إذن لا بدّ من الاهتمام بقضيّة الامام المهدي (عليه السلام) وربط الانسانية بمصلح منتظر، والعمل الجادّ من أجل الالتحام بقيادته المرتقبة، والسير تحت لواء مصلح عظيم لتنمية روح الجدّ في الاصلاح، ولا بدّ من الاکثار من الدعاء والتوجّه إلي الله سبحانه أن يعجّل خروج الامام الحجّة (عليه السلام) ليمارس دوره ومهمّته في إقامة رکائز العدل ودولة السلام والقسط [3] .


پاورقي

[1] النور: 55.

[2] النور: 54.

[3] سيرة رسول الله (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) 2: 702 ـ 705.