بازگشت

الانتظار والعمل


قد يقال: إنّ انتظار الامام المهدي (عليه السلام) سبب للتکاسل عن الاصلاح وترک العمل الاجتماعي، وعدم معارضة الظلم والظالمين، اعتماداً علي اليوم الموعود والاصلاح المنشود.



[ صفحه 556]



أو انطلاقاً من الاعتقاد بأنّ المهدي (عليه السلام) لا يظهر حتّي تمتلئ الارض ظلماً وجوراً، إذن فيجب توفير الظلم والجور وترک العمل استعجالاً لظهور المهدي (عليه السلام).

والشبهة الاُولي تنطلق من أوساط المنکرين للمهدي (عليه السلام) علي الاساس المادّي، أو ما يمتّ إليه بصلة، اُولئک الذين لا يجدون دليلاً علي مدّعاهم إلاّ مجرّد الاستبعاد والتشکيک، فهم يحاولون أن يقنعوا أنفسهم بما يدّعون ولعلّهم يستطيعون إبعاد المهدويّين عن مهدوّيتهم وتشکيکهم في معتقدهم!! وذلک بادّعائهم أنّ الانتظار هو ترک العمل.

أمّا الشبهة الثانية فقد توجد حتّي عند أوساط المؤمنين بالمهدي الذين انطبعت المفاهيم الاسلامية في أذهانهم بشکل ناقص وخاطئ، بشکل تصلح تبريراً للواقع الفاسد، أکثر من أيّ شيء آخر.

وتنطلق الشبهة في هذه الاوساط من الاعتقاد الذي ذکرناه بأنّ المهدي (عليه السلام) لا يظهر حتّي تمتلئ الارض جوراً وظلماً، کما ورد في الحديث المتواتر عن النبيّ (صلي الله عليه وآله)، إذن يفهمون من ذلک: أ نّه يجب توفير الظلم والجور، وترک العمل ضدّه، استعجالاً لظهور المهدي (عليه السلام).

والحقّ أنّ مشارکة الفرد في إيجاد شرط الظهور، لا يکون إلاّ بالعمل الجادّ المنتج لرفع درجة الاخلاص والشعور بالمسؤولية، ليکون في إمکان المخلصين المشارکة



[ صفحه 557]



سواء ما کان منها علي المستوي الشخصي أو علي المستوي الاجتماعي، ولن يحرز رضا الامام (عليه السلام) بطبيعة الحال، بالاقتصار علي الجانب الشخصي من أحکام الاسلام، لانّ في ذلک عصياناً للاحکام الاجتماعية والاصلاحيّة، وهو ما لا يرضاه الله تعالي ولا رسوله (صلي الله عليه وآله) ولا المهدي (عليه السلام).

إذن فالاعتقاد بوجود القائد الرائد، باعث علي العمل الاجتماعي والاصلاحي، ولا يکاد يوجد هذا الباعث بدون هذا الاعتقاد إلاّ بشکل ضئيل، وإنّما انصرف عموم الناس عن العمل نتيجة لتناسيهم قائدهم وتغافلهم عن مسؤولياتهم تجاهه.

وسيکون ظهوره (عليه السلام) عندما تکون الاُمّة ساعة الظهور علي مستويً عال من الشعور بالمسؤولية الاسلامية، والاستعداد للتضحية في سبيل الله عزّ وجلّ، أو علي الاقلّ أن يکون فيها العدد الکافي ممّن يحمل هذا الشعور، ليکون هو الجندي الصالح الذي يضرب بين يدي المهدي (عليه السلام) ضدّ الکفر والانحراف، ويبني ساعده الغد الاسلامي المشرق، ويکون الجيش المکوّن من مثل هذا الشخص هو الجيش الرائد الواعي الذي يملا الارض بقيادة الامام المهدي (عليه السلام) قسطاً وعدلاً، کما ملئت ظلماً وجوراً، وعليه فلا بدّ من العمل الجادّ للوصول إلي ذلک المستوي من الشعور بالمسؤولية والاستعداد للتضحية.

أمّا الظلم والجور في عصر ما قبل الظهور، فهو جزء من التخطيط الالهي لايجاد شرط الظهور، وهو توفّر قوّة الارادة والاخلاص في الاُمّة بشکل عام، ومعلوم أنّ هذا يحدث في نسبة ضئيلة من البشر، ويکون الباقون علي مستوي الانحراف والفساد الذي اختاروه بأنفسهم.

إذن فالارض تمتلئ ظلماً وجوراً، لکن لا بالجبر والاکراه من قبل الله تعالي،



[ صفحه 558]



وإنّما باعتبار انصراف الاعمّ الاغلب من الناس إلي مصالحهم الشخصية وإشباع غرائزهم المريضة، ولم يسلم من ذلک إلاّ النسبة الضئيلة التي تسلم من غربال الفتنة.

ثمّ إنّ شرط الظهور يقتضي مستويً إيمانياً عالياً يقيم دولة الحقّ، وذلک ينافي کثرة الظلم وامتلاء الارض جوراً، لانّ الارض لو امتلات تماماً بالظلم وانعدم فيها عنصر الايمان، لما أمکن إصلاحها عن طريق الثلّة المؤمنة أو القيادة العامّة، بل لا بدّ أن يکون ذلک بالقهر والجبر أو منحصراً بالمعجزة الالهيّة، وذلک خلاف ما قدّمناه من الاحاديث والاخبار المصرّحة بالفتنة والاختبار والتمحيص للمؤمنين ليکونوا أنصاراً للامام (عليه السلام) في خلافة الله علي الارض وإقامة دولة العدل.

أخيراً، إنّ فکرة اليوم الموعود تتضمّن سيطرة الايمان علي الکفر، بعد سيطرة الکفر علي الايمان، مع وجود کلا الجانبين، وهو قول الله تعالي بالنسبة إلي المؤمنين (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الارْضِ وَلَيُبْدِلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْناً)، وقوله (صلي الله عليه وآله): يملا الارض قسطاً وعدلاً، کما ملئت ظلماً وجوراً [1] .


پاورقي

[1] الغيبة الکبري: 341 ـ 353 ـ باختصار وتصرّف.