بازگشت

الايمان بالمهدي و معرفته


لا ريب أنّ أهمّ التکاليف المطلوبة حال الغيبة الکبري هو الاعتراف بالمهدي کإمام مفترض الطاعة وقائد فعلي للاُمّة، وإن لم يکن عمله ظاهراً للعيان، ولا شخصه معروفاً، وذلک من ضروريّات مذهب الاماميّة.

فالامام المهدي (عليه السلام) هو الامام المعصوم المفترض الطاعة الحيّ منذ ولادته إلي زمان ظهوره، وحسب الفرد المسلم أن يعلم أنّ إمامه وقائده مطّلع علي أعماله وملمّ بأقواله، وأ نّه يفرح للتصرّف الصالح، ويأسف للسلوک المنحرف، ويعضد المفرد عن الملمّات، وعلي ضوء ذلک لا بدّ للفرد أن يعي موقفه ويحدّد سلوکه تجاه إمامه الذي يمثّل العدل المحض، والذي رضاه رضا لله ورسوله، وغضبه غضب لله ورسوله.

وحسب الفرد أن يعلم أنّ عمله الصالح وتصعيد درجة إخلاصه وتعميق شعوره بالمسؤولية تجاه الاسلام والمسلمين، يشارک في تأسيس شرط الظهور ويقرّب اليوم الموعود، وعليه فالجهاد الاکبر لکلّ فرد تجاه نفسه يحمل في طيّاته المسؤولية الکبري تجاه العالم کلّه، وملئه قسطاً وعدلاً کما ملئ ظلماً وجوراً، فکيف لا ينطلق الفرد مجاهداً مضحّياً عاملاً في سبيل إصلاح نفسه وإرضاء ربّه.



[ صفحه 544]



وعليه فلا بدّ من المواظبة علي الصلوات وإيتاء الزکوات، والمسابقة إلي الخيرات، واجتناب الفواحش والمنکرات، والتنزّه عن سائر المحظورات، ومراقبة الله تقدّس ذکره في الملا والخلوات، وشغل القلوب وإتعاب الانفس والابدان لحيازة القربات.

وأهمّ ذلک هو الحذر من الشکّ في إمام الزمان (عجّل الله فرجه) ووليّ الامر وحجّة الله الذي اختاره بعلمه کما قال جلّ وعلا: (وَرَبُّکُ يَخْلَقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما کانَ لَهُمُ الخِيَرَة) [1] .

وأن لا تؤثّر بهم المحنة بطول الغيبة التي سبق من رسول الله (صلي الله عليه وآله) ذکرها، وتقدّم من أمير المؤمنين (عليه السلام) خبرها، ونطق في المأثور من خطبه والمروي عنه من کلامه وحديثه بالتحذير من فتنتها.

وحَمَل أهل العلم والرواية عن الائمة من ولده (عليهم السلام) واحداً بعد واحد أخبارها، حتّي ما منهم أحد إلاّ وقدّم القول فيها، وحقّق کونها ووقوعها، ووصف امتحان الله تبارک وتعالي اسمه خلقه بها، وحذّروا (صلوات الله عليه) شيعتهم من أن تميل بهم الاهواء، أو تزيغ بقلوبهم الفتن، واصفين ما يشمل الله خلقه به من الابتلاء عند وقوع الغيبة بتراخي مدّتها وطول الامد فيها (لِيَهْلَکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَيِّنَة وَيَحْيي مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَة) [2] .

ــ وقد روي عن الامام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أ نّه قال: نزلت هذه الاية (وَلا تَکونوا کَالَّذينَ اُوتوا الکِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهُمُ الامَدُ فَقَسَتْ قُلوبُهُمْ



[ صفحه 545]



وَکَثيرٌ مِنْهُمُ الکاذِبون) [3] في أهل زمان الغيبة، والامد أمد الغيبة [4] .

وعليه فإنّ تأويل هذه الاية جار في أهل زمان الغيبة وأيامها دون غيرهم، وکأ نّه أراد سبحانه أن ينهانا عن الشکّ في حجّته لطول الغيبة، أو أن نظنّ أنّ الله يخلي الارض منه طرفة عين، ويحذّرنا من الارتياب لطول الامد، أو أن تقسو قلوبنا.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في کلامه لکميل بن زياد: بلي، اللهمّ لا تخلو الارض من حجّة لله، إمّا ظاهر معلوم، وإمّا خائف مغمور، لئلاّ تبطل حجج الله وبيّناته [5] .

ــ وروي عن الامام الباقر (عليه السلام) في تفسير الاية التالية للاية المتقدّمة أ نّه قال (عليه السلام): قوله تعالي: (اعْلَموا أنَّ اللهَ يُحْيي الارْضَ بَعْدَ مَوْتِها) يعني بموتها کفر أهلها، والکافر ميّت، فيحييها الله سبحانه بالقائم (عليه السلام) فيعدل فيها، فتحيا الارض ويحيا أهلها بعد موتهم [6] .

ــ وروي عن الامام الکاظم (عليه السلام) أ نّه قال: ليس يحييها بالقطر، ولکن يبعث الله عزّ وجلّ رجالاً فيحيون العدل، فتحيا الارض لاحياء العدل [7] .

ــ وعن ثابت الثمالي، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في قوله تعالي: (وَجَعَلَها کَلِمَةً باقِيَةً في عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعون)



[ صفحه 546]



قال (عليه السلام): فينا نزلت هذه الاية، وجعل الله الامامة في عقب الحسين إلي يوم القيامة، وإنّ للقائم منّا غيبتين، إحداهما أطول من الاُخري، فلا يثبت علي إمامته إلاّ من قوي يقينه وصحّت معرفته [8] .

ــ وعن عبد الله بن عجلان قال: من عرف هذا الامر ثمّ مات قبل أن يقوم القائم (عليه السلام)، کان له مثل أجر من قُتل معه [9] .

ــ وعن زرارة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): اعرف إمامک، فإنّک إذا عرفته لم يضرّک تقدّم هذا الامر أو تأخّر [10] .

ورواه فضيل بن يسار عنه (عليه السلام) وزاد في آخره: ومن عرف إمامه ثمّ مات قبل أن يقوم صاحب هذا الامر، کان بمنزلة من کان قاعداً في عسکره، لا بل بمنزلة من کان قاعداً تحت لوائه [11] .

ــ وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال (عليه السلام): من عرف هذا الامر فقد فرّج عنه بانتظاره [12] .

ــ وعن إسماعيل بن محمّد الخزاعي، قال: سأل أبو بصير أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا أسمع فقال: أتراني اُدرک القائم (عليه السلام)؟ فقال (عليه السلام): يا أبا بصير، ألست تعرف إمامک؟ فقال: بلي والله، وأنت هو، فتناول يده وقال: والله ما تبالي يا أبا بصير أن



[ صفحه 547]



لا تکون محتبياً بسيفک في ظلّ رواق القائم [13] .

ــ وعن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أ نّه قال: أقرب ما تکون هذه العصابة من الله وأرضي ما يکون عنهم، إذا افتقدوا حجّة الله، فحُجب عنهم، ولم يظهر لهم، ولم يعلموا بمکانه، وهم في ذلک يعلمون ويوقنون أ نّه لم تبطل حجّة الله ولا ميثاقه، فعندها توقّعوا الفرج صباحاً ومساءً، فإنّ أشدّ ما يکون غضب الله علي أعدائه إذا افتقدوا حجّته فلم يظهر لهم، وقد علم الله عزّ وجلّ أنّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أ نّهم يرتابون ما غيّب حجّته طرفة عين عنهم، ولا يکون ذلک إلاّ علي رأس شرار الناس [14] .

ــ وروي الکاهلي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أ نّه قال: تواصلوا وتبارّوا وتراحموا، فوالذي فلق الحبّة وبرئ النسمة، ليأتينّ عليکم وقت لا يجد أحدکم لديناره ودرهمه موضعاً - يعني لا يجد له عند ظهور القائم (عليه السلام) موضعاً يصرفه فيه، لاستغناء الناس جميعاً بفضل الله وفضل وليّه -.

فقلت: أ نّي يکون ذلک؟

فقال (عليه السلام): عند فقدکم إمامکم، فلا يزالون کذلک حتّي يطلع عليکم کما تطلع الشمس، فإيّاکم والشکّ والارتياب، انفوا عن أنفسکم الشکوک، وقد حذّرتم فاحذروا من الله، أسأل الله توفيقکم وإرشادکم [15] .

ــ وعن محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن بلغکم عن



[ صفحه 548]



صاحبکم غيبة فلا تنکروها [16] .


پاورقي

[1] القصص: 28 / 68.

[2] الانفال: 8 / 42.

[3] الحديد: 57 / 16.

[4] تأويل الايات 2: 662 / 14.

[5] الغيبة للنعماني: 14.

[6] تأويل الايات 2: 663 / 15، والاية من سورة الحديد: 17.

[7] الکافي 7: 174 / 2.

[8] ينابيع المودّة: 427.

[9] بحار الانوار 52: 131 / 31.

[10] بحار الانوار 52: 141 / 52.

[11] بحار الانوار 52: 141 / 53.

[12] بحار الانوار 52: 142 / 54.

[13] بحار الانوار 52: 142 / 55.

[14] الغيبة للنعماني: 107، بحار الانوار 52: 145 / 67.

[15] الغيبة للنعماني: 98.

[16] الغيبة للنعماني: 125.