بازگشت

المحنة والتمحيص


قد يقال: إذا کان الامام المهدي (عليه السلام) قد غاب خوفاً علي نفسه، وأنّ الله



[ صفحه 532]



تعالي سيظهره بقوّة منه، ويؤمنه علي نفسه حين ظهوره، ويقيّض له أنصاره ومؤيّديه، فلماذا أخّر الله سبحانه ذلک، وجعل الغيبة بهذا الطول؟

والجواب علي هذا الاشکال مکرّر في أقوال النبيّ (صلي الله عليه وآله) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) وهو کون طول الغيبة محنة يکون فيها تمحيص المؤمنين وغربلة المکذّبين به علي مرّ العصور.

والتمحيص هو التنقية وإبعاد الرديء، والتمحيص يکون نتيجة الظروف الصعبة والظلم الذي يعيشه الفرد والمجتمع من ناحية الشهوات والمغريات والمصالح الضيّقة، وتبقي في نتيجة التمحيص الطويل عصابة لا تضرّها الفتنة شيئاً، لا نّهم يمثّلون الحقّ صرفاً، وينتمون إلي فسطاط الحقّ الذي لا کفر فيه.

وقانون التمحيص عام للبشرية مرافق لها في عمرها الطويل، وقد نطق به التنزيل العزيز، قال الله تعالي: (ما کانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤْمِنينَ عَلي ما أنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّي يَميزَ الخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [1] .

وقال عزّ وجلّ: (لَِيميزَ اللهُ الخَبيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الخَبيثَ بَعْضَهُ عَلي بَعْض فَيَرْکمَهُ فَيَجْعَلَهُ في نارِ جَهَنَّمَ وَاُوْلئِکَ هُمُ الخاسِرونَ) [2] .

وقال: (وَلَيمحصَنَّ اللهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَمْحَقَ الکافِرينَ ، أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلوا الجَنَّةَ وَلَمَّـا يَعْلَمِ اللهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنْکُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرينَ) [3] .

وقانون التمحيص يکون أشدّ وآکد إذا اقترن بالاعداد لليوم الموعود، لا نّه



[ صفحه 533]



إعداد لاقامة رکائز العدل والقسط في العالم کلّه، وتأسيس حکومة الحقّ التي يريدها الله سبحانه.

واعلم أنّ طول الغيبة هو موضع ابتلاء وتمحيص، وما علي المؤمن إلاّ الالتزام بالصبر والاناة وانتظار الفرج القادم إن شاء الله.

ــ روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أ نّه قال: والله لتمحصنّ، والله لتطيرنّ يميناً وشمالاً حتّي لا يبقي منکم إلاّ کلّ امرئ أخذ الله ميثاقه، وکتب الايمان في قلبه، وأيّده بروح منه [4] .

ــ وعن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أ نّه قال: لمّـا بويع لامير المؤمنين (عليه السلام) بعد مقتل عثمان، صعد المنبر وخطب خطبة ذکرها يقول فيها: ألا إنّ بليّتکم قد عادت کهيئتها يوم بعث الله نبيّکم (صلي الله عليه وآله)، والذي بعثه بالحقّ لتبلبلنّ بلبلةً، ولتغربلن غربلةً، حتّي يعود أسفلکم أعلاکم، وأعلاکم أسفلکم، وليسبقنّ سابقون کانوا قصّروا، وليقصّرنّ سبّاقون کانوا سبقوا، والله لقد نبّئت بهذا المقام وهذا اليوم [5] .

ــ وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أ نّه قال:

لا بدّ للناس من أن يمحّصوا ويميّزوا ويغربلوا، وسيخرج من الغربال خلق کثير [6] .

ــ وعن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ [الباقر] (عليه السلام) يقول:



[ صفحه 534]



والله لتميزنّ، والله لتمحصنّ، والله لتغربلنّ کما يُغربل الزؤان [7] من القمح [8] .

ــ وعن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: لتمخضنّ يا شيعة آل محمّد کمخيض الکحل في العين، لانّ صاحب الکحل يعلم متي يقع الکحل في عينه، ولا يعلم متي يخرج منها، وکذلک يصبح أحدکم وهو يري أ نّه علي شريعة من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها، ويمسي علي شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها [9] .

ــ وعن مهزم بن أبي بردة الاسدي وغيره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أ نّه قال: والله لتکسرن تکسّر الزجاج، وإنّ الزجاج ليعاد فيعود کما کان، والله لتکسرنّ کسر الفخار، وإنّ الفخار ليکسرنّ ولا يعود کما کان، ووالله لتغربلنّ ووالله لتميزنّ ووالله لتمحصن حتّي لا يبقي منکم إلاّ الاقلّ [10] .

ــ وعن إبراهيم بن هليل، قال: قلت لابي الحسن (عليه السلام): جعلت فداک، مات أبي علي هذا الامر، وقد بلغت من السنين ما قد تري أموت ولا تخبرني بشيء.

فقال: يا أبا إسحاق، أنت تستعجل.

فقلت: إي والله أعجل وما لي لا أعجل وقد بلغت أنا من السنّ ما قد تري؟

فقال: وأما والله يا أبا إسحاق، ما يکون ذلک حتّي تميزوا وتمحصوا وحتّي



[ صفحه 535]



لا يبقي منکم إلاّ الاقلّ [11] .

ــ وعن محمّد بن منصور الصيقل، عن أبيه، قال: دخلت علي أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وعنده جماعة، فبينا نحن نتحدّث وهو علي بعض أصحابه مقبل، إذ التفت إلينا، وقال: في أيّ شيء أنتم، هيهات هيهات، لا يکون الذي تمدّون إليه أعناقکم حتّي تمحّصوا، ولا يکون الذي تمدّون إليه أعناقکم حتّي تميّزوا، ولا يکون الذي تمدّون إليه أعناقکم حتّي تغربلوا، ولا يکون الذي تمدّون إليه أعناقکم إلاّ بعد إياس، ولا يکون الذي تمدّون إليه أعناقکم حتّي يشقي من شقي ويسعد من سعد [12] .

ــ وعن جابر الجعفي، قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام): متي يکون فرجکم؟ فقال (عليه السلام): هيهات هيهات، لا يکون فرجنا حتّي تغربلوا، ثمّ تغربلوا، ثمّ تغربلوا، - يقولها ثلاثاً - حتّي يذهب الکدر ويبقي الصفو [13] .

ــ وعن الاصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أ نّه قال: کونوا کالنحل في الطير، ليس شيء من الطير إلاّ وهو يستضعفها، ولو علمت الطير ما في أجوافها من البرکة لم تفعل بها ذلک.

خالطوا الناس بألسنتکم وأبدانکم، وزايلوهم بقلوبکم وأعمالکم، فوالذي نفسي بيده، ما ترون ما تحبّون حتّي يتفل بعضکم في وجوه بعض، وحتّي يسمّي بعضکم بعضاً کذّابين، وحتّي لا يبقي منکم - أو قال: من شيعتي - کالکحل في العين،



[ صفحه 536]



والملح في الطعام [14] .

ــ وروي ثقة الاسلام الکليني عن منصور، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا منصور، إنّ هذا الامر لا يأتيکم إلاّ بعد إياس، لا والله حتّي تميّزوا، لا والله حتّي تمحّصوا، لا والله حتّي يشقي من يشقي، ويسعد من يسعد [15] .

ــ وعن عبد الرحمن بن سيّابة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: کيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدي ولا علم، يبرأ بعضکم من بعض، فعند ذلک تميّزون وتمحّصون وتغربلون، وعند ذلک اختلاف السنين [16] ، وإمارة من أوّل النهار، وقتل وقطع في آخر النهار [17] .

ــ وروي البزنطي، عن أبي الحسن (عليه السلام)، قال: أما والله لا يکون الذي تمدّون إليه أعينکم حتّي تميّزوا وتمحّصوا، وحتّي لا يبقي منکم إلاّ الاندر.

ثمّ تلا (أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تُتْرَکوا وَلَمَّـا يَعْلَمِ اللهُ الَّذينَ جاهَدوا مِنْکُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرين) [18] .

ــ وعن صفوان بن يحيي، قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): والله ما يکون ما تمدّون أعينکم إليه حتّي تمحّصوا وتميّزوا، وحتّي لا يبقي منکم إلاّ الاندر



[ صفحه 537]



فالاندر [19] .

ــ وعن معمر بن خلاّد، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: (ألم أحَسِبَ النَّاسَ أنْ يُتْرَکوا أنْ يَقولوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنون)، ثمّ قال لي: ما الفتنة؟

فقلت: جعلت فداک، الذي عندنا أنّ الفتنة في الدين.

ثمّ قال: يفتنون کما يفتن الذهب.

ثمّ قال: يخلصون کما يخلص الذهب [20] .

ــ وعن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام): إنّما مثل شيعتنا مثل الاندر - يعني به بيتاً فيه طعام - فأصابه آکل فنُقّي، ثمّ أصابه آکل فنقّي، حتّي بقي منه ما لا يضرّه الاکل، وکذلک شيعتنا يميّزون ويمحّصون حتّي يبقي منهم عصابة لا تضرّها الفتنة [21] .

وهذه الثلّة القليلة التي تبقي علي هذا الامر مؤيّدة برحمة الله ولطفه وعنايته، وتقيم علي الحقّ، هي التي اُمرت بالصبر في حال الغيبة، فقد روي بُريد بن معاوية العجلي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام) في قوله تعالي: (يا أ يُّها الَّذينَ آمَنوا اصْبِروا وَصابِروا وَرابِطوا) [22] ، قال (عليه السلام): اصبروا علي أداء الفرائض، وصابروا عدوّکم، ورابطوا إمامکم المنتظر [23] .



[ صفحه 538]




پاورقي

[1] آل عمران 3: 179.

[2] الانفال 8: 37.

[3] آل عمران 3: 141 ـ 142.

[4] الغيبة للنعماني: 15.

[5] الغيبة للنعماني: 135.

[6] الغيبة للنعماني: 137.

[7] الزؤان: نبات حبّه يشبه الحنطة إلاّ أ نّه صغير، إذا اُکل يحدث استرخاء يجلب النوم، وينبت غالباً بين الحنطة.

[8] الغيبة للنعماني: 137، بحار الانوار 52: 114 / 32.

[9] الغيبة للنعماني: 138، بحار الانوار 52: 101 / 2.

[10] الغيبة للنعماني: 139.

[11] الغيبة للنعماني: 140، بحار الانوار 52: 113 / 29.

[12] الغيبة للنعماني: 140، بحار الانوار 52: 112 / 23 عن الصادق (عليه السلام).

[13] بحار الانوار 52: 113 / 28.

[14] الغيبة للنعماني: 140 ـ 141، بحار الانوار 52: 115 / 37.

[15] بحار الانوار 52: 111 / 20.

[16] قال العلاّمة المجلسي (رحمه الله): اختلاف السنين، أي السنين المجدبة والقحط، أو کناية عن نزول الحوادث في کلّ سنة.

[17] بحار الانوار 52: 112 / 22.

[18] بحار الانوار 52: 113 / 24.

[19] بحار الانوار 52: 114 / 30.

[20] بحار الانوار 52: 115 / 35.

[21] بحار الانوار 52: 116 / 38.

[22] آل عمران: 200.

[23] تأويل الايات 1: 127 / 47.