بازگشت

اوجه الشبه بين غيبة الامام وغيبات الانبياء


وقد قرن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في أحاديث کثيرة بين غيبة الامام المهدي(عليه السلام) وبين غيبات الانبياء، وأشاروا (عليهم السلام) إلي عامل الخوف کأحد أسباب الغيبة.

عن الحسن بن محمّد بن صالح البزّاز، عن الحسن بن علي العسکري (عليه السلام)، قال: إنّ ابني [هذا] هو القائم من بعدي، وهو الذي تجري فيه سنن الانبياء (عليه وعليهم السلام) بالتعمير والغيبة، حتّي تقسو القلوب لطول الامد، فلا يثبت علي القول به إلاّ من کتب الله عزّ وجلّ في قلبه الايمان وأيّده بروح منه [1] .

وعن الخضر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حمزة، عن کعب الاحبار، أ نّه قال: ومن يشکّ في القائم المهدي الذي يبدّل الارض غير الارض؟ وبه عيسي بن مريم يحتجّ علي النصاري الروم والصين، إنّ القائم المهدي من نسل عليّ (عليه السلام) أشبه



[ صفحه 521]



الناس بعيسي بن مريم خَلقاً وخُلقاً وسمتاً وهيبةً، يعطيه الله عزّ وجلّ ما أعطي الانبياء ويزيده ويفضله، إنّ القائم من ولد عليّ له غيبة کغيبة يوسف، ورجعة کرجعة عيسي بن مريم، ثمّ يظهر بعد غيبته مع طلوع النجم الاحمر وخراب الزوراء [بغداد]... الخبر [2] .

وعن محمّد بن مسلم، قال: دخلت علي أبي جعفر محمّد بن علي الباقر (عليه السلام) وأنا اُريد أن أسأله عن القائم (عليه السلام)، فقال لي مبتدئاً: يا محمّد بن مسلم، إنّ في القائم من أهل بيت محمّد شبهاً بخمسة من الرسل: يونس بن متّي، ويوسف بن يعقوب، وموسي بن عمران، وعيسي بن مريم، ومحمّد (صلي الله عليه وآله).

فأمّا شبهه بيونس بن متّي، فرجوعه من غيبته وهو شابّ بعد کبر السنّ، وأمّا شبهه بيوسف بن يعقوب فالغيبة من خاصّته وعامّته واختفاؤه من إخوته، وإشکال أمره علي أبيه يعقوب النبيّ (صلي الله عليه وآله) مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته.

وأمّا شبهه بموسي (عليه السلام) فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده ممّـا لقوا من الاذي والهوان إلي أن أذن الله عزّ وجلّ في ظهوره ونصره، وأيّده علي عدوّه.

وأمّا شبهه بعيسي (عليه السلام) فاختلاف من اختلف فيه حتّي قالت طائفة: ما ولد، وطائفة منهم قالت: مات، وطائفة قالت: قُتِل وصُلِب.

وأمّا شبهه بجدّه المصطفي محمّد (صلي الله عليه وآله) فخروجه بالسيف، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله والجبّارين والطواغيت، وإنّه ينصر بالسيف والرعب، وإنّه لا تردّ له راية، وإنّ من علامات خروجه (عليه السلام) خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني،



[ صفحه 522]



وصيحة من السماء في شهر رمضان، ومناد ينادي من السماء باسمه واسم أبيه [3] .

وعن سعيد بن جبير، قال: سمعت سيّد العابدين عليّ بن الحسين (عليه السلام) يقول: في القائم سنّة من سبعة أنبياء: سنّة من أبينا آدم، وسنّة من نوح، وسنّة من إبراهيم، وسنّة من موسي، وسنّة من عيسي، وسنّة من أيوب، وسنّة من محمّد (صلوات الله عليهم).

فأمّا من آدم (عليه السلام) ونوح (عليه السلام) فطول العمر، وأمّا من إبراهيم (عليه السلام) فخفاء الولادة واعتزال الناس، وأمّا من موسي (عليه السلام) فالخوف والغيبة [وخفاء الحمل والولادة]، وأمّا من عيسي (عليه السلام) فاختلاف الناس فيه، وأمّا من أيوب فالفرج بعد البلوي، وأمّا من محمّد (صلي الله عليه وآله) فالخروج بالسيف [4] .

وعن عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: في القائم سنّة من موسي بن عمران، فقلت: وما سنّة موسي بن عمران؟ قال: خفاء مولده، وغيبته من قومه [5] .

وعن سدير الصيرفي، والمفضّل بن عمر، وأبي بصير، وأبان بن تغلب، عن الصادق (عليه السلام) - في حديث - قال (عليه السلام): إنّ الله تبارک وتعالي أدار للقائم منّا ثلاثة، أدارها لثلاثة من الرسل (عليهم السلام): قدّر مولده تقدير مولد موسي (عليه السلام)، وقدّر غيبته تقدير غيبة عيسي (عليه السلام)، وقدّر إبطائه تقدير إبطاء نوح (عليه السلام)، وجعل له من بعد ذلک عمر العبد الصالح - يعني الخضر (عليه السلام) - دليلاً علي عمره.



[ صفحه 523]



فقلنا: اکشف لنا يا بن رسول الله عن وجوه هذه المعاني.

قال (عليه السلام): أمّا مولد موسي (عليه السلام)، فإنّ فرعون لمّـا وقف علي أنّ زوال ملکه علي يده، أمر بإحضار الکهنة ليدلّوه علي نسبه، حتّي قتل في طلبه نيّفاً وعشرين ألف مولود، وتعذّر عليه الوصول إلي قتل موسي (عليه السلام) بحفظ الله تبارک وتعالي إيّاه.

کذلک بنو اُميّة وبنو العباس، لمّـا وقفوا علي أنّ زوال ملک الاُمراء والجبابرة منهم علي يد القائم منّا، ناصبونا العداء، ووضعوا سيوفهم في قتل آل الرسول (صلي الله عليه وآله) وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول إلي قتل القائم (عليه السلام)، ويأبي الله عزّ وجلّ أن يکشف أمره لواحد من الظلمة إلاّ أن يتمّ نوره ولو کره المشرکون.

وأمّا غيبة عيسي (عليه السلام) فإنّ اليهود والنصاري اتّفقت علي أ نّه قُتِل، فکذّبهم الله جلّ ذکره بقوله عزّ وجلّ: (وَما قَتَلوهُ وَما صَلَبوهُ وَلَکِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)، وکذلک غيبة القائم (عليه السلام)، فإنّ الاُمّة ستنکرها لطولها، فمن قائل يقول بأ نّه لم يولد، وقائل يقول: إنّه ولد ومات، وقائل يکفر بقوله: إنّ حادي عشرنا کان عقيماً، وقائل يمرق بقوله إنّه يتعدّي إلي ثالث عشر وما عدّا، وقائل يعصي الله عزّ وجلّ بقوله إنّ روح القائم ينطق في هيکل غيره.

وأمّا إبطاء نوح (عليه السلام) فإنّه لمّـا استنزلت العقوبة علي قومه من السماء، بعث الله تبارک وتعالي جبرئيل الروح الامين معه سبع نوايات، فقال: يا نبيّ الله، إنّ الله تبارک وتعالي يقول لک: إنّ هؤلاء خلائقي وعبادي لست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلاّ بعد تأکيد الدعوة، وإلزام الحجّة، فعاود اجتهادک في الدعوة لقومک، فإنّي مثيبک عليه.

ثمّ إنّه تعالي امتحنهم ومحّصهم بأنواع الفتن، فما زالت تلک الطوائف من المؤمنين ترتدّ منه طائفة بعد طائفة، إلي أن عاد إلي نيّف وسبعين رجلاً، فأوحي الله



[ صفحه 524]



تبارک وتعالي عند ذلک إليه وقال: يا نوح الان أسفر الصبح عن الليل، يغنيک حين صرح الحقّ عن محضه وصفا الکدر بارتداد کلّ من کانت طينته خبيثة، فلو أ نّي أهلکت الکفّار، وأبقيت من قد ارتدّ من الطوائف التي کانت آمنت بک، لما کنت صدّقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومک، واعتصموا بحبل نبوّتک، فإنّي أستخلفهم في الارض، واُمکّن لهم دينهم، واُبدّل خوفهم بالامن، لکي تخلص العبادة لي بذهاب الشرک من قلوبهم، وکيف يکون الاستخلاف والتمکين، وبدل الامن منّي لهم، مع ما کنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدّوا، وخبث طينتهم، وسوء سرائرهم التي کانت نتائج النفاق وسنوخ الضلالة؟! وکيف يکون التمکين بالدين وانتشار الامر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب؟! کلاّ، فاصنع الفلک بأعيننا ووحينا.

قال الصادق (عليه السلام): وکذلک القائم (عليه السلام) فإنّه تمتدّ أيام غيبته فيصرح الحقّ عن محضه، ويصفو الايمان من الکدر بارتداد کلّ من کانت طينته خبيثة.

إلي أن قال (عليه السلام): وأمّا العبد الصالح - يعني الخضر (عليه السلام) - فإنّ الله تبارک وتعالي ما طوّل عمره لنبوّة قدّرها له، ولا کتاب نزّله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من کان قبله من الانبياء، ولا لامامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بلي إنّ الله تبارک وتعالي لمّـا کان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم (عليه السلام) ما يقدّر من عمر الخضر... وما يکون من إنکار عباده لمقدار ذلک العمر في الطول، طوّل عمر العبد الصالح في غير سبب يوجب إلاّ لعلّة الاستدلال به علي عمر القائم (عليه السلام)، وليقطع بذلک حجّة المعاندين لئلاّ يکون للناس علي الله حجّة [6] .



[ صفحه 525]



وروي سدير الصيرفي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، قال: إنّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها. فقلت له: ولِمَ ذلک يا بن رسول الله؟

قال (عليه السلام): إنّ الله عزّ وجلّ أبي إلاّ أن يجري فيه سنن الانبياء في غيباتهم، وإنّه لا بدّ له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله عزّ وجلّ: (لَتَرْکَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَق) أي سنناً علي سنن من کان قبلکم [7] .

وعليه فالاُمّة الاسلامية لا تعدو خطي الاُمم السابقة، فکلّ نبيّ قد تواري عن قومه لمّـا اقتضت مصلحة دعوته ذلک، من إبراهيم إلي إدريس فصالح فيوسف فموسي فعيسي فمحمّد (صلوات الله عليهم) أفلا يصحّ ذلک في بقيّة الله في أرضه، وحجّته علي عباده، وحامل مواريث الانبياء؟

انتهي المبحث الاوّل



[ صفحه 526]




پاورقي

[1] منتخب الاثر: 274 / 1.

[2] غيبة النعماني: 96.

[3] منتخب الاثر: 284 / 1.

[4] منتخب الاثر: 300 / 1.

[5] منتخب الاثر: 300 / 4.

[6] منتخب الاثر: 258 / 12.

[7] منتخب الاثر: 263 / 18.