بازگشت

الاتجاه العام للامام المهدي


کان الاتجاه العام لسياسة الامام المهدي (عليه السلام) في اتصاله بقواعده الشعبيّة، وقيادته لهم، علي ما يدلّنا عليه تأريخنا الخاصّ مندرجاً في عدّة نقاط:

1 - إقامة الحجّة علي وجوده الشريف بشکل حسّي واضح، لکي يکون



[ صفحه 490]



مستمسکاً واضحاً وأکيداً لدحض ما قد يثار من الشبهات والاسئلة حول ولادته ووجوده.

وکانت هذه النقطة ممّـا سار عليه والده الامام العسکري (عليه السلام)، کما قدّمناه في فصل النص علي الامام المهدي (عليه السلام) [1] ، حيث رأيناه (عليه السلام) يعرض ولده المهدي (عليه السلام) علي الخاصّة من أصحابه، وينص علي إمامته بعده، وأ نّه هو الذي يملا الارض قسطاً وعدلاً.

واستمرّ الامام الحجّة سائراً علي ما سار عليه أبوه في ذلک لاستمرار الاسئلة والاشکال عن قصد أو غير قصد، خاصّة مع اختفاء الامام وغموض مکانه، ووجود الانحرافات بين بعض أصحابه، کما حدث من عمّه جعفر، ومن بعض الغلاة کالشلمغاني وغيره ممّن قدّمنا ذکرهم.

وکان للامام المهدي (عليه السلام) لاثبات وجوده بالطريق الحسّي الواضح عدّة طرق:

الطريق الاوّل: تمکين عدد من الخاصّة من مشاهدته عياناً، وإيصاؤهم بتبليغ ما شاهدوه إلي الناس، وخاصّة القواعد الشعبيّة الموالية للامام (عليه السلام)، مع إيصائهم بکتمان المکان وغيره من الخصوصيّات التي قد تدلّ عليه وتيسّر للسلطات طريق الوصول إليه.

الطريق الثاني: إقامة المعجزة بطريق غير مباشر لبعض الاشخاص ممّن لا يواجهه مباشرة، بإرسال رسالة شفوية إليه عن طريق خادم أو غيره تتضمّن اسم الشخص، إن کان ممّـا ينبغي عادة أن يکون مجهولاً، ووصفه للمال الذي يحمله



[ صفحه 491]



والبلد الذي جاء منه ونحو ذلک ممّـا لا يمکن أن يصدر إلاّ عن حجّة الله تعالي علي خلقه، وسنذکر مصاديق لذلک في فصل معجزاته (عليه السلام) [2] ، وفي فصل رسائله وتوقيعاته (عليه السلام) [3] .

الطريق الثالث: الاجوبة علي المسائل وحلّ المشکلات وقضاء الحاجات عن طريق وکلائه بطريق منطقي حکيم منسجم مع اُسلوب آبائه (عليهم السلام) في مثل هذه المواقف، بنحو يعلم بعدم تمکّن السفير من أن يأتي بمثله أو أن يخطر علي باله، وخاصّة إذا اقترن ذلک بأمر يجهله السفير أساساً، ممّـا قد أثبته المهدي (عليه السلام) في توقيعه، وسنذکر له (عليه السلام) توقيعات عديدة في الاحکام والعقائد وغيرها [4] .

الطريق الرابع: التزام نحو معيّن من رسم الخطّ، الذي کان يعرفه الخاصّة من مواليه وموالي أبيه (عليه السلام)، فإنّ اختلاف الخطوط باختلاف الاشخاص من أوضح الواضحات، والخطّ يستخدم في التعرّف علي صاحبه في مختلف المجالات القانونيّة والفقهيّة وغيرها.

فکان لخطّ الامام المهدي (عليه السلام) مميّزاته الخاصّة التي يعرفها الخاصّة، والتي لا يمکن تقليدها، کخطّ أيّ شخص آخر، حتّي للسفير نفسه، علي أ نّها کانت محفوظة بذاتها ومتشاکلة علي أيدي السفراء الاربعة علي اختلاف خطوطهم الشخصيّة وطبائعهم النفسيّة [5] .



[ صفحه 492]



2 - الاختفاء عن السلطات اختفاءً تاماً، بحيث يتعذّر وصولهم إليه مهما کلّفهم الامر، ويتمّ ذلک بعدّة طرق:

الطريق الاوّل: عدم تمکين المشاهدة، إلاّ ممّن يحرز فيه عمق الاخلاص وعدم إفشاء السرّ الذي قد يؤدّي إلي الخطر.

الطريق الثاني: إيصاء الشخص المشاهد تأکيداً لذلک بعدم الافشاء والاحتياط من هذه الناحية علي إمامه، بحيث يکون الفرد ذو مهمّة مزدوجة، فهو يجب عليه الالتزام في إخباره وتبليغه بأن لا يزلق إلي ما لا يحمد عقباه.

الطريق الثالث: تحريم التصريح بالاسم، ومنعه منعاً باتاً، إلي حدّ يمکن أن يقال: إنّه کان مجهولاً عن الکثير من الخاصّة الموالين، فضلاً عن سائر المسلمين، وخاصّة من يمتّ إلي السلطات بصلة.

ومن هنا کان يعبّر عنه الخاصّة عند الحاجة بتعبيرات مختلفة تشير إليه إجمالاً، ولا تعيّنه شخصياً، کالقائم، والغريم، والحجّة، والناحية، وصاحب الزمان ونحو ذلک، ويتجنّبون بالکلّية التعرّض لاسمه الصريح، فإنّهم إن وقفوا علي الاسم أذاعوه، وإن وقفوا علي المکان دلّوا عليه [6] .

الطريق الرابع: الاختفاء التامّ عن السلطات، وعن کلّ من لا يواليه اختفاءً تامّاً مطلقاً، فلئن کان (عليه السلام) في غضون الغيبة الصغري، قد يجتمع ببعض مواليه، فإنّه لا يجتمع بمن سواهم علي الاطلاق، إلاّ ما کان لاقامة الحجّة، وإظهار التحدّي للسلطات مع عدم إمکان إلقاء القبض عليه، کما حدث لرشيق صاحب المادرائي حيث أرسلته السلطات للکبس علي دار المهدي (عليه السلام) في سامراء.



[ صفحه 493]



الطريق الخامس: تحويل مکانه بين آونة واُخري، بنحو غير ملفت للانظار، وهذا هو المستنتج من مجموع الروايات الدالّة علي مکانه في الجملة، حيث تدلّ بعضها علي وجوده في مکان، وتدلّ بعضها علي وجوده في مکان ثان أو ثالث وهکذا، وهذا صحيح باختلاف الازمان وتعدّد الايّام والسنين خلال الغيبة الصغري.

الطريق السادس: السکوت التامّ، ومن ثمّ الغموض المطلق، بل الجهل الکامل بطريقة اتّصال الوکيل الخاصّ بالامام المهدي (عليه السلام)، هل هي بطريقة المواجهة أو بطريق آخر، وأين تحدث المواجهة وکيف؟ ولو لم تحدث المواجهة فکيف تصل أجوبة المسائل وحلول المشکلات. کلّ ذلک کان مجهولاً تماماً لدي کلّ إنسـان مهما کـان خاصّاً ومقرّباً، ما عدا السفير نفسه، الذي يضطلع بهذه المهمّة.

ومن الممکن القول بأنّ السفير کان منهيّاً عن التصريح به أساساً لکلّ أحد، ومن ثمّ کان الشخص يقدّم السؤال ثمّ يأتي بعد يومين أو أکثر ليأخذ جواب سؤاله، ولم يرد في الروايات أيّ إشارة لطريقة استحصال الجواب من الامام (عليه السلام).

الطريق السابع: إيکال الوکالة الخاصّة، أو السفارة، إلي أشخاص يتّصفون بدرجة عالية من الاخلاص، بحيث يکون من المستحيل عادة أن يشوا بالامام المهدي (عليه السلام)، أو أن يخبروا بما يکون خطراً عليه ولو مزّق لحمهم ودقّ عظمهم، ولا يتوخّي بعد ذلک أن يکون السفير هو الاعمق فقهاً، أو الاوسع ثقافة، فإنّ السفارة عن الامام (عليه السلام) لا تعني إلاّ التوسّط بينه وبين الاخرين، ولا دخل للافضليّة الثقافية فيها، ومن هنا قد تسند الوکالة الخاصّة إلي المفضول من هذه الجهة، توخّياً لتلک الدرجة من الاخلاص.



[ صفحه 494]



فقد اعترضوا علي أبي سهل النوبختي، فقيل له: کيف صار هذا الامر - أي السفارة - إلي الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونک؟ فقال: هم أعلم وما اختاروه، ولکن أنا رجل ألقي الخصوم واُناظرهم، ولو علمت بمکانه کما علم أبو القاسم، وضغطتني الحجّة [7] ، لعلّي کنت أدلّ علي مکانه، وأبو القاسم لو کان الحجّة [8] تحت ذيله وقرض بالمقاريض ما کشف الذيل عنه [9] .

3 - قبض المال وتوزيعه بواسطة سفرائه ووکلائه، والمال المقبوض يکون عادة من الحقوق الشرعيّة التي يعطيها أصحابها من الموالين للامام (عليه السلام)، في مختلف البلاد الاسلامية، فکان إذا اجتمع عند قوم أموال من هذه الحقوق، أرسلوها بيد أحد اُمنائهم إلي الناحية.

وقد يکون المال المقبوض هبة شخصية للامام (عليه السلام)، من قبل أحد مواليه، عيناً أو ثوباً أو غير ذلک، وقد يکون موصيً به من قبل أحد الاشخاص للايصال إلي الامام (عليه السلام) بعد موته، أو غير ذلک من الوجوه.

وهذه الاموال منها ما يصل إلي الامام مباشرة، ومنها ما يبقي في يد الوکيل، يوزّعه بحسب نظر الامام وقواعد الاسلام.

کما أنّ حامل الاموال إلي الامام (عليه السلام) قد يوفّق إلي دفعها إلي السفير مباشرة، وقد لا يستطيع حتّي ذلک، بل يؤمر بوضع المال في مکان معيّن، وذلک بحسب اختلاف الظروف والاحوال التي يعيشها السفراء بشکل خاصّ والقواعد الشعبيّة



[ صفحه 495]



الموالية بشکل عامّ.

4 - أجوبته (عليه السلام) عن الاسئلة التي کانت تصل إلي الامام (عليه السلام) عن طريق السفراء، والتي تعدّ من أهمّ مهامّ السفراء، فقد کانت تجتمع عند السفير بکثرة من مختلف طبقات الموالين، وهو ملزم بإيصالها إلي الامام (عليه السلام).

وجواب الامام (عليه السلام) قد يکون توقيعاً، أي جملة مختصرة مکوّنة من بعض کلمات، وقد يکون مطوّلاً مسهباً، بحسب ما يراه الامام المهدي (عليه السلام) من مصلحة السائل والمجتمع.

وتندرج في ذلک الاسئلة الفقهيّة والعقائدية التي کانت توجّه إليه والطلبات الشخصية، کما يندرج في ذلک مناقشاته للشبهات التي کانت قد تنجم بين الموالين، وللدعاوي الکاذبة بالسفارة عنه (عليه السلام) ولعن المدّعين وکشف اتجاهاتهم المنحرفة.

ويندرج في ذلک ما خرج عنه (عليه السلام) من الترحّم علي السفير الاوّل وتعزية ولده السفير الثاني، وما خرج من البيان عن انقطاع السفارة بعد السمري السفير الرابع (رضي الله عنه) وغير ذلک من التوقيعات التي جعلناها في فصل خاصّ [10] .

5 - قضاؤه (عليه السلام) لحوائج الناس من قواعده الشعبيّة من الناحية الشخصية، يندرج في ذلک المال الذي يأخذه بعضهم من المهدي (عليه السلام) مباشرة إذا وُفّقوا للقائه، والمال الذي يأخذه الاخرون من السفراء أو غيرهم ممّن يمتّ إلي الامام (عليه السلام) بصلة، وهي بمجموعها أموال مهمّة لا يستهان بها.

کما يندرج في ذلک نصحه (عليه السلام) لمستنصحيه، بالقيام بعمل معيّن، کالحجّ أو



[ صفحه 496]



غيره او الامتناع عنه، بحسب ما يري من المصلحة التي يتّضح بعد ذلک للسائل مطابقتها لمقتضي الحال، کما يندرج في ذلک الاکفان والحنوط والاثواب التي کان يعطيها لبعض الخاصّة مع الطلب أو بدونه، وذلک قبل موت ذلک الشخص بقليل.

6 - عدم التعرّض في کلام المهدي (عليه السلام) إلي شيء من الحوادث العامة في المجتمع أو في الدولة أو في الخارج، وما يقوم به الخلفاء أو الوزراء أو الاُمراء أو القوّاد أو القضاة أو غيرهم ممّن له شأن أو ممّن ليس له شأن.

وهذا الاعراض الکامل، يشکّل احتجاجاً صامتاً وشجباً سلبيّاً لمجموع الخطّ الذي يسير عليه الناس المنحرفون وذوو المصالح الشخصيّة الصانعون لتلک الحوادث الممثّلون لها علي مسرح التأريخ ابتداءً من الدولة وانتهاءً بقواعدها الشعبيّة، ذلک الخطّ المنفصل عن خطّه (عليه السلام)، والمنهج المغاير لمنهجه.

کما أنّ التعرّض للحوادث العامّة ومن ضمنها الاحداث السياسيّة، إذا کان ممّـا يمسّ الدولة من قريب أو بعيد، أو بعض أجهزتها وأعوانها، فإنّ ذلک يعدّ إعلاناً صريحاً للخلاف علي الدولة، الامر الذي يعرّض سائر الافراد الموالين للامام (عليه السلام) إلي الخطر والتهديد، وهو ما لا يريده الامام المهدي (عليه السلام)، کما لم يکن يريده لهم آباؤه (عليهم السلام).

علي أنّ الامام (عليه السلام) کان مستوعباً للاحداث واعياً للمشاکل التي تنوء بالمجتمع ولحلولها الاسلامية علي المستوي القيادي الرسالي، وليس هو بعيداً عن الاحداث منصرفاً عن المسؤولية الکبري الملقاة علي عاتقه باعتباره حجّة الله تعالي في أرضه، وفکرة السفارة وما يترتّب عليها من المصالح الکبري في التوجيه العقائدي الرسالي هي دليل علي قربه من الناس وإحساسه بالمسؤولية الرسالية الملقاة علي عاتقه.



[ صفحه 497]




پاورقي

[1] الفصل الرابع من کتابنا هذا.

[2] الفصل العاشر.

[3] الفصل الحادي عشر.

[4] في الفصل الحادي عشر.

[5] راجع غيبة الطوسي: 216 و 220.

[6] الغيبة للطوسي: 222.

[7] أي في المناظرة.

[8] يريد الامام (عليه السلام).

[9] راجع غيبة الطوسي: 240.

[10] الفصل الحادي عشر.