بازگشت

محمد بن علي الشلمغاني


وهو المعروف بابن أبي العزاقر أو العزاقري، أبو جعفر، نسبته إلي شلمغان، وهي قرية



[ صفحه 482]



بنواحي واسط، وکان شيخاً مستقيم العقيدة والسلوک، صالحاً متقدّماً في أصحابنا، حتّي أنّ الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح نصبه وکيلاً عنه عند استتاره من المقتدر، وکان الناس يقصدونه ويلقونه في حوائجهم ومهمّاتهم، وکانت تخرج علي يده التوقيعات من الامام المهدي (عليه السلام) عن طريق ابن روح.

له من الکتب التي عملها في حال استقامته: کتاب التکليف، وکتاب التأديب، وکتاب الغيبة، وکتاب الاوصياء، وله کتب اُخري ذکرها النجاشي في رجاله.

ثمّ إنّه حمله الحسد لابي القاسم بن روح، علي ترک المذهب، والدخول في المذاهب الرديّة، وظهرت منه مقالات منکرة، وأصبح غالياً يعتقد بالتناسخ وحلول الاُلوهيّة فيه.

وکان ابن أبي العزاقر وجيهاً عند بني بسطام، وذلک أنّ الشيخ أبا القاسم بن روح (رضي الله عنه) کان قد جعل له عند الناس منزلة ووجهاً، فکان عند ارتداده يحکي کلّ کذب وبلاء وکفر لبني بسطام، ويسنده إلي الشيخ أبي القاسم (رضي الله عنه) وهو منه براء، فأنکره الشيخ أبو القاسم (رضي الله عنه) وأعظمه، ونهي بني بسطام عن کلامه، وأمرهم بلعنه والبراءة منه، فلم ينتهوا وأقاموا علي تولّيه، وذلک أ نّه کان يقول لهم: إنّني أذعت السرّ، وقد اُخذ عليّ الکتمان، فعوقبت بالابعاد بعد الاختصاص، لانّ الامر عظيم، لا يحتمله إلاّ ملک مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو مؤمن ممتحن، فيؤکّد من نفوسهم عظم الامر وجلالته.

فبلغ أبا القاسم بن روح (رضي الله عنه) ذلک، فکتب إلي بني بسطام بلعنه والبراءة منه وممّن تابعه علي قوله وأقام علي تولّيه، فلمّـا وصل ذلک إليهم وأظهروه عليه، بکي بکاءً شديداً، ثمّ قال: إنّ لهذا القول باطناً عظيماً، وهو أنّ اللعنة الابعاد، فمعني قوله:



[ صفحه 483]



لعنه الله، أي باعده الله من العذاب والنار، والان قد عرفت منزلتي، ومرّغ خدّيه في التراب، وقال: عليکم بالکتمان لهذا الامر [1] .

فلم يبقَ أحد ممّن تولاّه وصاحبه وغيرهم إلاّ وتقدّم إليه الشيخ أبو القاسم وکاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه، وممّن تولاّه ورضي بقوله أو کلّمه، ثمّ ظهر توقيع من صاحب الزمان (عليه السلام) بلعن أبي جعفر محمّد بن علي الشلمغاني والبراءة منه وممّن تابعه وشايعه ورضي بقوله وأقام علي تولّيه، بعد المعرفة بهذا التوقيع [2] .

وکان خروج التوقيع ضدّه عام 312 هـ، وقال فيه الامام المهدي (عليه السلام): إنّ محمّد بن علي المعروف بالشلمغاني، وهو ممّن عجّل الله له النقمة، ولا أمهله، قد ارتدّ عن الاسلام وفارقه، وألحد في دين الله، وادّعي ما کفر معه بالخالق جلّ وعلا، وافتري کذباً وزوراً، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً، کذب العادلون بالله وضلّوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبيناً.

وإنّنا قد برئنا إلي الله تعالي وإلي رسوله وآله (صلوات الله وسلامه ورحمته وبرکاته عليهم) منه، ولعناه عليه لعائن الله تتري من الظاهر والباطن في السرّ والعلن، وفي کلّ وقت وعلي کلّ حال، وعلي من شايعه وتابعه أو بلغه هذا القول منّا، وأقام علي تولّيه بعده.

وأعلمهم أ نّنا من التوقّي والمحاذرة منه علي ما کنّا عليه ممّن تقدّمه من نظرائه من الشريعي والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم، وعادة الله عندنا جميلة، وبه نثق،



[ صفحه 484]



وإيّاه نستعين وهو حسبنا في کلّ اُمورنا ونعم الوکيل.

وقد صدر هذا التوقيع حين اُلقي القبض علي الشيخ الحسين بن روح (رضي الله عنه)، وأنفذه من السجن في دار المقتدر إلي أحد أصحابه، وهو الشيخ أبو علي بن همام، فوزّعه أبو علي توزيعاً عاماً، ولم يدع أحداً من الشيوخ إلاّ أقرأه إيّاه، وکتب بنسخته إلي سائر الامصار، فاشتهر ذلک في الطائفة، فاجتمعت علي لعنه والبراءة منه [3] .

قال الراوي: وجدت بخطّ أحمد بن إبراهيم النوبختي وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) علي ظهر کتاب فيه جوابات ومسائل اُنفذت إلي قم، يسأل عنها: هل هي جوابات الفقيه (عليه السلام) - يعني الامام الحجّة (عليه السلام) - أو جوابات محمّد بن علي الشلمغاني، لا نّه حکي عنه أ نّه قال: هذه المسائل أنا أجبت عنها، فکتب (عليه السلام) إليهم علي ظهر کتابهم: بسم الله الرحمن الرحيم، قد وقفنا علي هذه الرقعة، وما تضمّنته فجميعه جوابنا، ولا مدخل للمخذول الضالّ المضلّ المعروف بالعزاقري - لعنه الله - في حرف منها، وقد کانت أشياء خرجت إليکم علي يدي أحمد بن بلال [4] وغيره من نظرائه، وکان من ارتدادهم عن الاسلام مثل ما کان من هذا عليهم لعنة الله.

وأراد الراوي التثبّت عمّـا خرج من هؤلاء المنحرفين وهم في حال الاستقامة، هل هو صحيح أم مزوّر؟ فخرج الجواب من الامام المهدي (عليه السلام): علي من استثبت فإنّه لا ضرر من خروج ما خرج علي أيديهم، وإنّ ذلک صحيح. [5] .



[ صفحه 485]



وعليه فلا تنافي بين الانحراف المتأخّر وصحّة القول والنقل المتقدّم حال إيمان الفرد واستقامته.

وسئل الشيخ ابن روح (رضي الله عنه) عن کتب ابن أبي العزاقر بعدما ذُمّ وخرجت فيه اللعنة، فقيل له: کيف نعمل بکتبه وبيوتنا منها ملاي؟ فقال: أقول فيها ما قاله أبو محمّد الحسن بن علي صلوات الله عليهما، وقد سئل عن کتب بني فضّال فقالوا: کيف نعمل بکتبهم وبيوتنا منها ملاي؟ فقال صلوات الله عليه: خذوا بما رووا وذروا ما رأوا [6] .

وحين أحسّ الشلمغاني بالتحدّي والمجابهة من قبل الشيخ ابن روح والمجتمع الموالي له، أراد أن يباهل ابن روح، فقد أنفذ محمّد بن علي الشلمغاني إلي الحسين بن روح يسأله أن يباهله، وقال: أنا صاحب الرجل - يعني الامام المهدي (عليه السلام) - وقد اُمرت بإظهار العلم، وقد أظهرته باطناً وظاهراً، فباهلني. فأنفذ إليه الشيخ (رضي الله عنه) في جواب ذلک: أ يّنا تقدّم صاحبه فهو المخصوم.

فتقدّم العزاقري فقتل وصُلب، واُخذ معه ابن أبي عون، وذلک في سنة 322 هـ [7] ، حيث أمر الراضي بالقبـض عليه وقتله، فقُتل، واستراحت الشيعة منه [8] .

قال ابن الاثير في الکامل في حوادث سنة 322 هـ: وفي هذه السنة قُتل



[ صفحه 486]



أبو جعفر محمّد بن علي الشلمغاني، وسبب ذلک أ نّه قد أحدث مذهباً غالياً في التشيّع والتناسخ وحلول الالهية فيه إلي غير ذلک ممّـا يحکيه...

إلي أن قال: فلمّـا کان في شوّال سنة 322 هـ، ظهر الشلمغاني فقبض عليه الوزير ابن مقلة وسجنه، وکبس داره، فوجد فيها رقاعاً وکتباً ممّن يدّعي عليه أ نّه علي مذهبه يخاطبونه بما لا يخاطب به البشر بعضهم بعضاً، وفيها خطّ الحسين بن القاسم، فعرضت الخطوط فعرفها الناس، وعُرضت علي الشلمغاني فأقرّ أ نّها خطوطهم، وأنکر مذهبه، وأظهر الاسلام، وتبرّأ ممّـا يقال فيه، واُخِذَ ابن أبي عون وابن عبدوس معه، واُحضرا معه عند الخليفة، واُمرا بصفعه فامتنعا، فلمّـا اُکرها مدّ ابن عبدوس يده وصفعه، وأمّا ابن أبي عون فإنّه مدّ يده إلي لحيته ورأسه فارتعدت يده، فقبّل لحية الشلمغاني ورأسه ثمّ قال: إلهي وسيّدي ورازقي.

فقال له الراضي: قد زعمت أ نّک لا تدّعي الالهيّة، فما هذا؟ فقال الشلمغاني: وما عليّ من قول ابن أبي عون والله يعلم أ نّني ما قلتُ له إنّني إلهٌ قطّ.

فقال ابن عبدوس: إنّه لم يدّعِ الالهيّة، وإنّما ادّعي أ نّه الباب إلي الامام المنتظر مکان ابن روح، وکنت أظنّ أ نّه يقول ذلک تقيّة، ثمّ اُحضروا عدّة مرّات ومعهم الفقهاء والقضاة والکتّاب والقوّاد.

وفي آخر الايام أفتي الفقهاء بإباحة دمه، فصلب الشلمغاني وابن أبي عون في ذي القعدة واُحرقا بالنار، وکان من مذهبه أ نّه إله الالهة يحقّ الحقّ، وأ نّه الاوّل القديم، الظاهر الباطن، الرازق التامّ، المومأ إليه بکلّ معني. [9] ثمّ ذکر جملة عقائده الباطلة، أعاذنا الله منها ومن القائل بها.



[ صفحه 487]




پاورقي

[1] غيبة الطوسي: 249.

[2] غيبة الطوسي: 248 ـ 250.

[3] راجع الغيبة / الطوسي: 252 ـ 254، معجم رجال الحديث 7: 50.

[4] کذا، ولعلّه أحمد بن هلال، لانّ ابن بلال هو محمّد بن بلال.

[5] راجع غيبة الطوسي: 228.

[6] غيبة الطوسي: 239.

[7] غيبة الطوسي: 186.

[8] غيبة الطوسي: 250، الغيبة الصغري / محمّد الصدر: 512 ـ 522، المجالس السنيّة 5: 689، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 23، بحار الانوار 51: 372.

[9] الکامل في التأريخ 7: 103 ـ 105.