بازگشت

ابوالقاسم الحسين بن روح النوبختي


ولم نجد تحديداً لتأريخ ولادته، وأوّل ما يعرف کوکيل مفضّل لابي جعفر محمّد ابن عثمان العمري، يلقي إليه بأسراره لرؤساء الشيعة، وکان خصيصاً به، حتّي إنّه کان يحدّثه بما يجري بينه وبين جواريه لقربه منه واُنسه به، فکان قريباً من نفوس الشيعة محبّباً إليهم لمعرفتهم باختصاصه بأبي جعفر وتوثيقه عندهم، وانتشار أخبار فضله ودينه، وما کان يحتمله من هذا الامر، فمُهّدت له الحال في طول حياة أبي جعفر العمري، إلي أن انتهت الوصيّة بالنص عليه في خلافته بالسفارة للناحية المقدّسة، فلم يختلف في أمره ولم يشکّ فيه أحد [1] .

وقد روي أ نّه قدم بعض الموالين بمال علي أبي جعفر العمري مقداره أربعمائة دينار للامام (عليه السلام)، فأمره بإعطائها إلي الحسين بن روح، وحين تردّد هذا الشخص في ذلک، باعتبار عدم وصول السفارة إليه يومئذ، فأکّد أبو جعفر عليه ذلک، وأمره



[ صفحه 463]



مراراً بإعطاء المال لابن روح، وذکر له أنّ ذلک بأمر الامام المهدي (عليه السلام)، وکأنّ ذلک تمهيد لتولّيه أمر السفارة في عهد أبي جعفر العمري، سيّما إذا عرفنا أنّ تحويله المال إلي أبي القاسم بن روح قبل موت أبي جعفر بسنتين أو ثلاث [2] .

وعندما اشتدّت بأبي جعفر العمري حاله، اجتمع لديه جماعة من وجوه الشيعة، منهم أبو علي بن همام، وأبو عبد الله بن محمّد الکاتب، وأبو عبد الله الباقطاني، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي، وأبو عبد الله بن الوجناء، وغيرهم من الوجوه والاکابر. فقالوا له: إن حدث أمر، فمن يکون مکانک؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، القائم مقامي، والسفير بينکم وبين صاحب الامر (عليه السلام)، والوکيل والثقة الامين، فارجعوا إليه في اُمورکم وعوّلوا عليه في مهمّاتکم، فبذلک اُمرت، وقد بلّغت [3] .

وروي عن جعفر بن أحمد بن متيل، وهو من متقدّمي أصحابه وأجلاّئهم، أ نّه قال: لمّـا حضرت أبا جعفر محمّد بن عثمان العمري الوفاة، کنت جالساً عند رأسه أسأله واُحدّثه، وأبو القاسم الحسين بن روح عند رجليه، فالتفت إليّ ثمّ قال: اُمرت أن اُوصي إلي أبي القاسم الحسين بن روح.

قال ابن متيل، فقمت من عند رأسه، وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مکاني، وتحوّلت إلي عند رجليه [4] ، إلي غير ذلک من تأکيدات أبي جعفر عليه، وإعلانه لوکالته.

والسبب المهمّ في هذا التأکيد، هو کون الحسين بن روح، لم يکن قد عاش



[ صفحه 464]



تأريخاً حافلاً بإطراء وتوثيق الائمّة (عليهم السلام) کالسفراء السابقين، ومن هنا احتاج أبو جعفر العمري أن يکرّر الاعراب عن مهمّته في إيکال الامر إلي الحسين بن روح، ودفع الاموال إليه في حياته، لاجل ترسيخ فکرة نقل السفارة إلي الحسين بن روح، وتوثيقه في نظر قواعده الشعبية الموالية لخطّ الائمة (عليهم السلام).

وکان لابي جعفر غير الحسين بن روح بعض الوکلاء في بغداد يصل عددهم إلي عشرة رجال، وکان إذا احتاج إلي حاجة أو إلي سبب فإنّه ينجزه علي أيديهم، ولم تکن للحسين بن روح خصوصيّة دونهم، ولمّـا کان وقت مضيّ أبي جعفر العمري (رضي الله عنه) وقع الاختيار علي الحسين بن روح، فکانت الوصيّة إليه [5] ، واُوکلت السفارة إلي الحسين بن روح، فسلّم به الاصحاب، وکانوا معه وبين يديه، کما کانوا مع أبي جعفر (رضي الله عنه).

ولم يزل جعفر بن أحمد بن متيل من جملة أصحاب أبي القاسم بن روح وبين يديه کتصرّفه بين يدي أبي جعفر العمري، إلي أن مات (رضي الله عنه) فکلّ من طعن علي أبي القاسم الحسين بن روح فقد طعن علي أبي جعفر العمري، وطعن علي الحجّة (عليه السلام). [6]

تولّي الحسين بن روح مهام السفارة عن الامام المهدي (عليه السلام) بموت أبي جعفر العمري سنة 305 هـ إلي أن لحق برضوان ربّه في شعبان سنة 326 هـ، فتکون مدّة سفارته حوالي 21 سنة.

وکان أوّل کتاب تلقّاه الحسين بن روح من الامام المهدي (عليه السلام)، کتاب يشتمل علي الثناء عليه، وتعريفه إلي الرأي العام والاصحاب ممّن سار علي خطّ الائمة (عليهم السلام)، وقد مثّل هذا الکتاب أهمّ وآخر خطوة في هذا الطريق، لکي يبدأ



[ صفحه 465]



الحسين بن روح بعدها مهمّته بسهولة ويسر، وقد دعا له الامام المهدي (عليه السلام) في الکتاب، وقال: عرّفه الله الخير کلّه ورضوانه، وأسعده بالتوفيق، وقفنا علي کتابه، وثقتنا بما هو عليه، وإنّه عندنا بالمنزلة والمحلّ اللذين يسرّانه، زاد الله في إحسانه إليه، إنّه وليّ قدير، والحمد لله لا شريک له، وصلّي الله علي رسوله محمّد وآله وسلّم تسليماً کثيراً.

وقد وردت هذه الرقعة يوم الاحد لستّ خلون من شوّال سنة 305 هـ بعد حوالي الخمسة أشهر من وفاة أبي جعفر العمري، الذي توفّي في جمادي الاُولي من نفس العام [7] .

وقد اضطلع أبو القاسم منذ ذلک الحين بمهام السفارة، وقام بها خير قيام، وتولّي في أيام سفارته الحملة ضدّ ظاهرة الانحراف عن الخطّ، وادعاء السفارة زوراً، بتبليغ القواعد الشعبية توجيهات الامام المهدي (عليه السلام) في ذلک، وشجبه لهذه الظاهرة بکلّ ما اُوتي من أسباب القوّة.

وبقي أبو القاسم مضطلعاً بمهامه العظمي، حتّي لحق بالرفيق الاعلي عام 326 هـ، ودفن في النوبختية في الدار التي کانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذة إلي التلّ، أو إلي درب الاخر وإلي قنطرة الشوک (رضي الله عنه) [8] وقبره اليوم في بغداد معروف - في أهمّ أسواق بغداد المعروف بـ «الشورجة» - يقصده الناس للتبرّک والزيارة [9] .



[ صفحه 466]




پاورقي

[1] راجع غيبة الطوسي: 227.

[2] راجع غيبة الطوسي: 224 ـ 225.

[3] غيبة الطوسي: 227.

[4] غيبة الطوسي: 226.

[5] غيبة الطوسي: 225.

[6] غيبة الطوسي: 225.

[7] غيبة الطوسي: 228.

[8] ؟؟؟.

[9] الغيبة الصغري / محمّد الصدر: 406، المجالس السنيّة 5: 684، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام): 5: 19، بحار الانوار 51: 352.