بازگشت

محمد بن عثمان بن سعيد العمري


تولّي السفارة بعد أبيه (رحمه الله)، بنص من الامام العسکري (عليه السلام)، حيث قال (عليه السلام) لوفد اليمن الذي أشرنا إليه آنفاً: واشهدوا عليّ أنّ عثمان بن سعيد وکيلي، وأنّ ابنه محمّد وکيل ابني مهديّکم [1] ، وبنص أبيه عثمان بن سعيد علي سفارة ابنه محمّد بأمر من الامام المهدي (عليه السلام) [2] .

وکانت قواعده الشعبية مجتمعة علي عدالته وثقته وأمانته، لا يختلف في ذلک اثنان من الامامية، وکيف لا وفيه وفي أبيه قال الامام الحسن بن علي العسکري (عليه السلام) لبعض أصحابه: العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا فعنّي أدّيا، وما قالا لک فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنّهما الثقتان المأمونان [3] .

وکلمات الامام المهدي (عليه السلام) فيه متظافرة ومتواترة، فقد سمعناه يعزّيه بوفاة أبيه، ويثني عليه الثناء العطر، ويشجّعه وهو في أوّل أيّام اضطلاعه بمهمّته الکبري، وقال في حقّه: لم يزل ثقتنا في حياة الاب (رضي الله عنه وأرضاه ونضّر وجهه) يجري عندنا مجراه ويسدّ مسدّه، وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل [4] ، وغير ذلک من عظيم الاجلال والاکبار [5] : وکانت التوقيعات تخرج علي يده من الامام المهدي(عليه السلام)



[ صفحه 460]



في المهمّات طوال حياته، بالخطّ الذي کانت تخرج في حياة أبيه عثمان، ولا يعرف الشيعة في هذا الامر غيره، ولا يرجعون إلي أحد سواه، وقد نقلت عنه دلائل کثيرة، وأغلب معجزات الامام ظهرت علي يده، واُمور أخبرهم بها عنه زادتهم في هذا الامر بصيرة [6] .

وبقي مضطلعاً بمسؤولية السفارة نحواً من خمسين سنة، حتّي لقي ربّه العظيم في جمادي الاُولي سنة 305 هـ، أو 304 هـ [7] ، ومعني ذلک أ نّه توفّي بعد وفاة الامام العسکري (عليه السلام) بخمس وأربعين سنة، وحيث إنّ والده (رضي الله عنه) قد اضطلع بالسفارة عدّة أعوام فالاولي أن يقال: إنّ سفارته امتدّت حوالي الاربعين عاماً، لا نحواً من الخمسين، کما قال الشيخ في الغيبة.

وإذ يکون تأريخ وفاة أبيه مجهولاً، يکون مبدأ تولّيه السفارة مجهولاً أيضاً، غير إنّنا نعرف أ نّه کان سفيراً قبل عام 267 هـ، لانّ ابن هلال الکرخي طعن في سفارته، وکان أحد المنحرفين عن خطّه، وکانت وفاة ابن هلال عام 267 هـ [8] ، أي بعد وفاة الامام العسکري (عليه السلام) بسبع سنين، وبذلک يمکن القول علي وجه التقريب: إنّ الشيخ عثمان بن سعيد تولّي السفارة خمس سنوات، وتولاّها ابنه أربعين سنة.

وبهذا التحديد لمدّة سفارته، نستطيع أن نعرف أ نّه (رضي الله عنه) أطول السفراء بقاءً في السفارة، ومن ثمّ يکون أکثرهم توفيقاً في تلقّي التعاليم من الامام المهدي (عليه السلام)،



[ صفحه 461]



وأوسعهم تأثيراً في الوسط الذي عاش فيه، والذي کان مأموراً بقيادته وتدبير شؤونه.

وکان لابي جعفر العمري، کتب مصنّفة في الفقه، ممّـا سمعه من أبي محمّد الحسن العسکري (عليه السلام)، ومن الصاحب المهدي (عليه السلام)، ومن أبيه عثمان بن سعيد عن أبي محمّد العسکري وعن أبي الحسن علي بن محمّد الهادي (عليه السلام)، فيها کتب ترجمتها: کتب الاشربة. ذکرت الکبيرة اُمّ کلثوم بنت أبي جعفر أ نّها وصلت إلي أبي القاسم الحسين بن روح (رضي الله عنه) عند الوصيّة إليه، وکانت في يده. قال أبو نصر: وأظنّها قالت: وصلت بعد ذلک إلي أبي الحسن السمري (رضي الله عنه) [9] .

وکان محمّد بن عثمان يعلم بزمان موته بإرشاد من الامام المهدي (عليه السلام)، إذ حفر لنفسه قبراً وسوّاه بالساج. فسُئل عن ذلک، فقال: للناس أسباب، وقد اُمرت أن أجمع أمري، فمات بعد ذلک بشهرين.

وکان قد أعدّ لنفسه ساجة نقش عليها آيات من القرآن الکريم وأسماء الائمة (عليهم السلام) علي حواشيها. فقيل له: ما هذه الساجة؟ فقال: هذه لقبري، تکون فيه، اُوضع عليها، أو قال: اُسند عليها.

قال: وقد فرغت منه، وأنا في کلّ يوم أنزل فيه، فأقرأ جزءاً من القرآن، فإذا کان يوم کذا وکذا من شهر کذا وکذا من سنة کذا وکذا، صرت إلي الله عزّ وجلّ، ودفنت فيه وهذه الساجة معي.

قال الراوي: فلمّـا خرجت من عنده أثبتّ ما ذکره، ولم أزل مترقّباً به ذلک، فما تأخّر الامر، حتّي اعتلّ أبو جعفر، فمات في اليوم الذي ذکره من الشهر الذي قاله



[ صفحه 462]



من السنة التي ذکرها [10] .

وعندما توفّي أبو جعفر العمري، دفن عند والدته، في شارع باب الکوفة في الموضع الذي کانت دوره ومنازله فيه، قال الراوي: وهو الان في وسط الصحراء.

أقول: وقبره معروف في وقتنا الحاضر في وسط بغداد الرصافة وله مسجد کبير ومکتبة عظيمة معروف بـ (الخلاّني) ويقصده الناس للتبرّک والزيارة.


پاورقي

[1] غيبة الطوسي: 216.

[2] غيبة الطوسي: 218 و 221.

[3] غيبة الطوسي: 219.

[4] غيبة الطوسي: 220.

[5] راجع غيبة الطوسي: 220.

[6] راجع الغيبة للطوسي: 221.

[7] غيبة الطوسي: 223.

[8] راجع الغيبة للطوسي: 245.

[9] غيبة الطوسي: 221.

[10] الغيبة للطوسي: 222، الغيبة الصغري / محمّد الصدر: 402، المجالس السنيّة 5: 682، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 17، بحار الانوار 51: 347.