ابوعمرو عثمان بن سعيد بن عمرو العمري
ويقال له: العسکري أيضاً، لا نّه کان يسکن عسکر سرّ من رأي، ويقال له: السمّـان، لا نّه کان يتّجر بالسمن تغطية علي الامر، وکان الشيعة إذا حملوا إلي أبي محمّد العسکري (عليه السلام) ما يجب عليهم حمله من الاموال، وأنفذوا إلي أبي عمرو، فيجعله في جراب السمن وزقاقه، ويحمله إلي أبي محمّد (عليه السلام) تقيّة وخوفاً [1] .
وله من الاولاد: محمّد، وهو السفير الثاني، وأحمد.
ولم يرد في المصادر التأريخية تحديد لعام ولادته، ولا عام وفاته، وإنّما يرد اسمه أوّل ما يرد کوکيل خاصّ للامام الهادي (عليه السلام) [2] ، وکان الامام (عليه السلام) يستوثقه ويمدحه بمثل قوله (عليه السلام): هذا أبو عمرو الثقة الامين، ما قاله لکم فعنّي يقوله، وما أدّاه إليکم فعنّي يؤدّيه. [3] .
وهذا النص يدلّ علي نوع النشاط والعمل الذي کان يقوم به أبو عمرو، وهو نقل المال والمقال من الامام عليّ بن محمّد الهادي (عليه السلام) إلي شيعته وبالعکس، فکان يمثّل مع جماعة آخرين دور الوساطة بين الامام وبين قواعده الشعبيّة.
وبعد وفاة الامام الهادي (عليه السلام) سنة 254 هـ، أصبح أبو عمرو وکيلاً خاصّاً موثوقاً للامام العسکري (عليه السلام)، ذا نشاط ملحوظ وبراعة خاصّة في العمل، فقد
[ صفحه 455]
سمعنا کيف أ نّه کان يحمل المال في زقاق السمن، ويسير علي المسلک الذي يخطّه له الامام في الاخفاء والتکتّم، ويظهر أمام الناس کتاجر اعتيادي بالسمن، تغطيةً وتقيّةً لحاله ومسلکه وعقيدته. وکان الامام العسکري (عليه السلام) يکثر من مدحه والثناء عليه في مناسبات مختلفة، وأمام اُناس کثيرين.
فمن ذلک أ نّه (عليه السلام) قال: هذا أبو عمرو الثقة الامين، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لکم فعنّي يقوله، وما أدّي إليکم فعنّي يؤدّي. [4] وقال أمام وفد من اليمن: امضِ يا عثمان، فإنّک الوکيل والثقة المأمون علي مال الله [5] .
وقد اشتهر حاله وجلالة شأنه بين الشعب الموالي للامام (عليه السلام)، قال أبو العباس الحميري: فکنّا کثيراً ما نتذاکر هذا القول - يعني مدح الامام العسکري (عليه السلام) له - ونتواصف جلالة محلّ أبي عمرو [6] .
وقال وفد اليمن حين سمع من الامام (عليه السلام) المدح لابي عمرو: يا سيّدنا، إنّ عثمان لمن خيار شيعتک، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتک، وأ نّه وکيلک وثقتک علي مال الله تعالي. [7] فلم تزل الشيعة مقيمة علي عدالته وتتسالم علي وثاقته وجلالة قدره.
ونص الامام العسکري (عليه السلام) في مجلس حافل بالخاصّة، يعدّون بأربعين رجلاً، علي إمامة ولده الامام المهدي (عليه السلام) بعد أن عرضه عليهم، وأکّد علي غيبته،
[ صفحه 456]
ونص (عليه السلام) أيضاً علي وکالة عثمان بن سعيد عن المهدي (عليه السلام) وسفارته له قائلاً: فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلي أمره، أو اقبلوا قوله فهو خليفة إمامکم والامر إليه [8] .
وحين يلقي الامام العسکري (عليه السلام) ربّه سنة 260 هـ، يحضر أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري تغسيله، ويتولّي جميع أمره في تکفينه وتحنيطه وإقباره [9] .
وأکّد الشيخ الطوسي (رحمه الله) علي أ نّه کان مأموراً بذلک للظاهر من الحال التي لا يمکن جحدها ولا دفعها إلاّ بدفع حقائق الاشياء في ظواهرها. [10] .
يشير بذلک إلي اختفاء الامام المهدي (عليه السلام)، وعدم تمکّنه من القيام بتغسيل والده (عليه السلام) بأمره، ولکنّنا - علي أيّ حال - سبق أن أشرنا إلي أ نّه لا يغسّل الامام إلاّ الامام (عليه السلام)، وإلي أنّ الامام المهدي (عليه السلام) أقام الصلاة علي أبيه بنفسه، ودفع عن ذلک عمّه جعفر أمام جماعة من الناس، منهم عثمان بن سعيد السمّـان نفسه [11] .
ومن ثمّ يمکن القول: بأ نّه يمکن للامام المهدي (عليه السلام) أن يغسّل أباه في داره سرّاً قبل أن ينقل جثمانه أمام الجمهور، وظاهر عبارة الشيخ (رحمه الله) قيامه (عليه السلام) بالتغسيل بحضور أبي عمرو، ثمّ قيام أبي عمرو بنفسه بباقي شؤونه من تکفين وتحنيط وإقبار، والله العالم بحقائق الاُمور.
وعلي أيّ حال فقد أصبح العمري من ذلک الحين السفير الاوّل للامام المهدي (عليه السلام) بنص الامام العسکري (عليه السلام) کما تقدّم، وبنص الامام المهدي (عليه السلام) أمام
[ صفحه 457]
وفد القمّيين، فاضطلع بالمهمّة العظمي في ربط الامام المهدي (عليه السلام) بقواعده الشعبيّة وتبليغ توجيهاته وتعاليمه واُمور تدبيره وإدارته إليهم، وإيصال أسئلتهم ومشاکلهم وأموالهم إليه، وبتنفيذ أوامر الامام (عليه السلام) وتوجيهاته فيهم.
وبقي العمري مضطلعاً بمهام السفارة، وقائماً بها خير قيام، إلي أن وافاه الاجل، فقام ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان بتغسيله وتجهيزه [12] .
ودفن في الجانب الغربي من بغداد، في شارع الميدان، في أوّل الموضع المعروف بدرب جبلة، في مسجد الدرب، يمنة الداخل إليه، والقبر في نفس قبلة المسجد، ذکر ذلک أبو نصر هبة الله بن محمّد.
وقال الشيخ الطوسي (رحمه الله): رأيت قبره في الموضع الذي ذکره، وکان بُني في وجهه حائط، به محراب المسجد، وإلي جنبه باب يدخل إلي موضع القبر في بيت ضيّق مظلم، فکنّا ندخل إليه ونزوره مشاهرةً، قال: وکذلک من وقت دخولي إلي بغداد وهي سنة 408 إلي سنة نيّف وثلاثين وأربعمائة.
ثمّ نقض ذلک الحائط الرئيس أبو منصور محمّد بن الفرج، وأبرز القبر إلي برّا - أي إلي الخارج - وعمل عليه صندوقاً، وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره.
قال الشيخ (رحمه الله): ويتبرّک جيران المحلّة بزيارته، ويقولون: هو رجل صالح، وربما قالوا: هو ابن داية الحسين (عليه السلام)، ولا يعرفون حقيقة الحال فيه، وهو إلي يومنا هذا - وذلک سنة 447 هـ - علي ما هو عليه [13] .
وقبره الان مشيّد معروف ببغداد، يزار ويتبرّک به، ونستطيع أن نعرف من
[ صفحه 458]
جهالة الناس لحقيقة قبره في زمان الشيخ الطوسي (رحمه الله) مقدار الغموض والکتمان الذي کان يحيط السفارة المهدويّة، في حياة السفير وبعد مماته، بل بعدما يزيد علي مائتي سنة علي دفنه.
أقول: کمّا إنّي تشرّفت بزيارة مرقده عدّة مرّات عندما سکنت بغداد من تأريخ 1360 إلي 1400 هـ.
ولم يفت أبو عمرو قبل وفاته، أن يبلغ أصحابه وقواعده الشعبيّة، ما هو مأمور به من قبل المهدي (عليه السلام)، من إيکال أمر السفارة بعده إلي ابنه محمّد بن عثمان، وجعل الامر کلّه مردود إليه [14] .
وکتب الامام المهدي (عليه السلام) إلي محمّد بن عثمان: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، تسليماً لامره ورضاءً بقضائه، عاش أبوک سعيداً ومات حميداً، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه (عليهم السلام)، فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً فيما يقرّبه إلي الله عزّ وجلّ وإليهم، نضّر الله وجهه وأقال عثرته.
وقال (عليه السلام) في کتابه: أجزل الله لک الثواب، وأحسن لک العزاء، رُزيت ورُزينا، وأوحشک فراقه وأوحشنا، فسرّه الله في منقلبه، کان من کمال سعادته أن رزقه الله تعالي ولداً مثلک يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحّم عليه. وأقول: الحمد لله، فإنّ الانفس طيّبة بمکانک، وما جعله الله تعالي فيک وعندک، أعانک الله وقوّاک وعضدک ووفّقک، وکان لک وليّاً وحافظاً، وراعياً وکافياً [15] .
[ صفحه 459]
پاورقي
[1] غيبة الطوسي: 214.
[2] غيبة الطوسي: 215.
[3] غيبة الطوسي: 215.
[4] غيبة الطوسي: 215.
[5] غيبة الطوسي: 216.
[6] غيبة الطوسي: 215.
[7] غيبة الطوسي: 216.
[8] غيبة الطوسي: 217.
[9] غيبة الطوسي: 216.
[10] غيبة الطوسي: 216.
[11] في الفصل الاوّل.
[12] غيبة الطوسي: 221.
[13] غيبة الطوسي: 218.
[14] غيبة الطوسي: 221.
[15] غيبة الطوسي: 220، وقد اعتمدنا في ترجمته علي أمالي الشيخ الطوسي: 214، الغيبة الصغري / محمّد الصدر: 396، في رحاب أئمة أهل البيت / السيّد الامين 5: 16، المجالس السنيّة 5: 680، بحار الانوار 51: 344.