بازگشت

الغيبة الصغري


قدّر الله تعالي هذه الغيبة قبل وقوع الغيبة الکبري، ليستأنس الشيعة بمعرفة الامام (عليه السلام)، وليسمعوا فتاواه في الدين، وليطّلعوا علي تواقيعه الشريفة فتترسّخ عقيدتهم في القلوب، بعد أن يتأکّدوا من وجوده، ويعرفوا ما تکون عليه غيبته الکبري وعهد الانتظار المرّ.

وهي مقدّمة لغيبة طويلة موحشة يتعرّض فيها الموالون له للابتلاء والتمحيص والاختبار، وهو ما لا ترکن إليه النفوس إذا لم تتدرّب عليه تدريباً عملياً مقنعاً من فمه الشريف، وإذا لم تتمرّس عليه قبل الغيبة الکبري باعتقاد وجوده الشريف تمرّساً عميقاً راسخاً.

وتشير المرويّات التي وصفت حياة الامام المهدي (عليه السلام) خلال فترة الغيبة الصغري، إلي أ نّه (عليه السلام) کان يلتقي سفراءه الاربعة ووکلائه المنتشرين هنا وهناک، وأحياناً کان (عليه السلام) يلتقي ببعض الخواص من شيعته ويحلّ مشاکلهم [1] ، علي الرغم من أنّ السلطات الحاکمة کانت تتحرّاه بأقصي مراتب الدقّة، وتراقب سفراءه ووکلاءه وتلاحقهم أحياناً بواسطة أجهزتها، وقد هاجمت داره (عليه السلام) أکثر من مرّة بهدف القبض عليه.

وبعد فشل محاولات المعتمد العباسي التي بذلها للقبض علي الامام (عليه السلام)



[ صفحه 453]



بتحريض من عمّه جعفر بن علي الهادي (عليه السلام)، المعروف بجعفر الکذّاب، بعد فشل هذه المحاولة، جرّب المعتضد الذي جاء إلي الحکم بعد تسعة عشر عاماً مرّت من حياة الامام (عليه السلام) فحاول أکثر من مرّة کما يبدو من بعض المرويّات أن يقبض عليه في داره، فکان يرسل الجيش تلو الجيش فيحاصر الدار ويفتّشها تفتيشاً دقيقاً [2] ، وکان الله سبحانه يحول بينه وبين مراده تکريماً منه تعالي لمن اصطفاهم من عباده واجتباهم إليه من خلقه.

بالرغم من کلّ ذلک، فقد کان الامام المهدي (عليه السلام) يجتمع بخاصّته وشيعته، ويحلّ مشاکلهم حسب ما يراه صالحاً لهم، وأغلب الذين کانوا يجتمعون إليه کما تحدّث الروايات کانوا يصابون بما يشبه الذهول والغفلة حين اجتماعهم به لهيمنة عظمة الامامة، فيغيب عن أذهانهم کونه الامام (عليه السلام)، ولا يلتفتون إلي أ نّه هو صاحبهم إلاّ بعد أن يفارقهم، وأحياناً کان (عليه السلام) هو الذي يعرّفهم بنفسه لمصلحة تقتضي ذلک.

وعليه فإنّ الامام (عليه السلام) خلال الفترة الاُولي من حياته المقدّسة التي انتهت بوفاة السفير الرابع الشيخ السمري سنة 329 هـ، کان له من العمر نحو 75 عاماً، قضي منها مع أبيه (عليه السلام) نحو خمس سنين، ونحو سبعين عاماً بعد أبيه (عليه السلام).

وخلال هذه الفترة لم يکن الامام (عليه السلام) منقطعاً عن الناس انقطاعاً کاملاً، بل کان يتّصل بالخواصّ من شيعته والسفراء عند الضرورات الملحّة وبعيداً عن عيون الناس خوفاً من عيون الحاکمين الذين أعجزهم أمره بمشيئة الله سبحانه.



[ صفحه 454]




پاورقي

[1] ذکرنا نماذج من لقاءاته (عليه السلام) في الفصل الثاني عشر.

[2] راجع الفصل الاوّل من هذا الکتاب.