بازگشت

کمال الدين محمد بن طلحة الشافعي


الاوّل - أبو سالم کمال الدين محمّد بن طلحة بن محمّد بن أبي الحسن النصيبي الشافعي:

ذکر الامام المهدي (عليه السلام) في کتابه (مطالب السؤول في مناقب آل الرسول) وهذا الرجل قد أثني عليه علماء أهل السنّة وذکروه بکلّ جميل، فذکره تقيّ الدين أبو بکر أحمد بن قاضي شهيد، المعروف بابن جماعة الدمشقي الاسدي في (طبقات فقهاء الشافعيّة) علي ما نقل عنه، وقال: إنّه کان أحد الصدور والرؤساء المعظّمين، ولد سنة 582 هـ وتفقّه وشارک في العلوم، وکان فقيهاً بارعاً عارفاً بالمذهب والاُصول والخلاف، ترسل عن الملک وساد وتقدّم وسمع الحديث، وتوفّي في سابع رجب سنة 652 هـ.

ومدحه أبو عبد الله بن أسعد اليمني المعروف باليافعي في (مرآة الجنان) في حوادث سنة 650 فيما حکي عنه.

وقال عبد الغفّار بن إبراهيم العکّي الشافعي فيما نقل عنه: إنّه أحد العلماء المشهورين.

وذکره وبالغ في مدحه جمال الدين عبد الرحيم بن حسن بن علي الاسنوي الشافعي في (طبقات الشافعيّة).

أمّا کتابه (مطالب السؤول) فهو کتاب مشهور معروف، وکونه من تأليفه مشهور معلوم أيضاً، حتّي إنّ ابن تيمية اعترف بأ نّه له في کتابه (منهاج السنّة) علي



[ صفحه 396]



ما حکي عنه، مع إنکاره جملة من الاحاديث المستفيضة [1] .

قال الشيخ کمال الدين: الباب الثاني عشر في أبي القاسم محمّد الحجّة بن الحسن الخالص بن عليّ المتوکّل بن محمّد القانع بن عليّ الرضا عليهم السلام والتحيّة، قد وقع من النبوّة في أکناف عناصرها، ووضع من الرسالة أخلاف أواصرها، ونزع من القرابة بسجال معاصرها، وبرع في صفات الشرف فعقدت عليه بخناصرها، واقتني من الانساب شرف نصابها، واعتلي عند الانتساب علي شرف أحسابها، واجتني جني الهداية من معادنها وأسبابها، فهو من ولد الطهر البتول المجزوم بکونها بضعة من الرسول، فالرسالة أصله، وإنّها لاشرف العناصر والاُصول.

فأمّا مولده بسرّ من رأي في ثالث وعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين وماءتين للهجرة [2] .

وأمّا نسبه أباً واُمّاً، فأبوه أبو محمّد الحسن الخالص بن علي المتوکّل بن محمّد القانع بن عليّ الرضا بن موسي الکاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين الزکي بن عليّ المرتضي أمير المؤمنين.

وأمّا اُمّه فاُمّ ولد تسمّي صيقل، وقيل: حکيمة، وقيل غير ذلک.

وأمّا اسمه فمحمّد، وکنيته أبو القاسم، ولقبه الحجّة والخلف الصالح، وقيل: المنتظر.

ثمّ أورد عدّة أخبار في المهدي (عليه السلام) من طريق أبي داود والترمذي والبغوي



[ صفحه 397]



ومسلم والبخاري والثعلبي.

ثمّ قال: فإن قال معترض: هذه الاحاديث النبويّة الکثيرة بتعدادها المصرّحة بجملتها وأفرادها متّفق علي صحّة إسنادها، ومجمع علي نقلها عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) وإيرادها، وهي صحيحة صريحة في کون المهدي (عليه السلام) من ولد فاطمة (عليها السلام)، وأ نّه من رسول الله (صلي الله عليه وآله) ومن عترته وأهل بيته، وأنّ اسمه يواطئ اسمه، وأ نّه يملا الارض قسطاً وعدلاً، وأ نّه من ولد عبد المطّلب، وأ نّه من سادات الجنّة، وذلک ممّـا لا نزاع فيه، غير أنّ ذلک لا يدلّ علي أنّ المهدي الموصوف بما ذکره (صلي الله عليه وآله) من الصفات والعلامات هو هذا أبو القاسم محمّد بن الحسن الحجّة الخلف الصالح (عليه السلام)، فإنّ ولد فاطمة (عليها السلام) کثيرون، وکلّ من يولد من ذرّيتها إلي يوم القيامة يصدق عليه أ نّه من ولد فاطمة، وأ نّه من العترة الطاهرة، وأ نّه من أهل البيت (عليهم السلام)، فتحتاجون مع هذه الاحاديث المذکورة إلي زيادة دليل يدلّ علي أنّ المهدي المراد هو الحجّة المذکور ليتمّ مرامکم؟

فجوابه: أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) لمّـا وصف المهدي (عليه السلام) بصفات متعدّدة من ذکر نسبه واسمه ومرجعه إلي فاطمة (عليها السلام) وإلي عبد المطّلب، وأ نّه أجلي الجبهة أقني الانف، وعدّد الاوصاف الکثيرة التي جمعتها الاحاديث الصحيحة المذکورة آنفاً، وجعلها علامة ودلالة علي أنّ الشخص الذي يسمّي بالمهدي، وتثبت له الاحکام المذکورة، هو الشخص الذي اجتمعت تلک الصفات فيه، ثمّ وجدنا تلک الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة في أبي القاسم محمّد الخلف الصالح دون غيره، فيلزم القول بثبوت تلک الاحکام له، وأ نّه صاحبها، وإلاّ فلو جاز وجود ما هو علامة ودليل ولا يثبت ما هو مدلوله، قدح ذلک في نصبها علامة ودلالة من رسول الله (صلي الله عليه وآله)، وذلک ممتنع.



[ صفحه 398]



فإن قال المعترض: لا يتمّ العمل بالدلالة والعلامة إلاّ بعد العلم باختصاص من وجدت فيه بها دون غيره وتعيينه لها، فأمّا إذا لم يعلم تخصّصه وانفراده بها فلا يحکم له بالدلالة، ونحن نسلّم أ نّه من زمن رسول الله (صلي الله عليه وآله) إلي ولادة الخلف الصالح الحجّة (عليه السلام) ما وجد من ولد فاطمة (عليها السلام) شخص جمع تلک الصفات التي هي الدلالة والعلامة، لکن وقت بعثة المهدي وظهوره وولادته هو في آخر أوقات الدنيا عند ظهور الدجّال ونزول عيسي بن مريم (صلوات الله عليه)، وذلک سيأتي بعد مدّة مديدة، ومن الان إلي ذلک الوقت المتراخي الممتدّ أزمان متجدّدة، وفي العترة الطاهرة من سلالة فاطمة (عليها السلام) کثرة يتعاقبون ويتوالدون إلي ذلک الابّان، فيجوز أن يولد من السلالة الطاهرة والعترة النبويّة من يجمع تلک الصفات، فيکون هو المهدي المشار إليه في الاحاديث المذکورة، ومع هذا الاحتمال والامکان کيف يبقي دليلکم مختصّاً بالحجّة المذکور (عليه السلام)؟

فالجواب: إنّکم إذا اعترفتم أ نّه إلي وقت ولادة الخلف الصالح وإلي زماننا هذا لم يوجد من جمع تلک الصفات والعلامات بأسرها سواه، فيکفي ذلک في ثبوت تلک الاحکام له، عملاً بالدلالة الموجودة في حقّه، وما ذکرتموه من احتمال أن يتجدّد مستقبلاً في العترة الطاهرة من يکون بتلک الصفات لا يکون قادحاً في إعمال الدلالة، ولا مانعاً من ترتّب حکمها عليها، فإنّ دلالة الدليل راجحة لظهورها، واحتمال تجدّد ما يعارضها مرجوح، ولا يجوز ترک الراجح بالمرجوح، فإنّه لو جوّزنا ذلک لامتنع العمل بأکثر الادلّة المثبتة للاحکام، إذ ما من دليل إلاّ واحتمال تجدّد ما يعارضه متطرّق إليه، ولم يمنع ذلک من العمل به وفاقاً.

إلي أن قال: وکذلک قضيّة الخوارج الذين وصفهم رسول الله (صلي الله عليه وآله) بصفات ورتّب عليها حکمهم، ثمّ بعد ذلک لمّـا وجد عليّ (عليه السلام) تلک الصفات موجودة في



[ صفحه 399]



اُولئک في واقعة حروراء والنهروان جزم بأ نّهم هم المرادون بالحديث النبوي، وقاتلهم وقتلهم، فعمل بالدلالة عند وجود الصفة مع احتمال أن يکون المرادون غيرهم، وأمثال هذه الدلالة والعمل بها مع قيام الاحتمال کثيرة، فعلم أنّ الدلالة الراجحة لا تترک لاحتمال المرجوح.

نزيده بياناً وتقريراً، فنقول بثبوت الحکم عند وجود العلامة والدلالة لمن وجدت فيه أمر يتعيّن العمل به والمصير إليه، فمن ترکه وقال: بأنّ صاحب الصفات المراد بإثبات الحکم ليس هو هذا بل شخص غيره سيأتي، فقد عدل عن النهج القويم ووقف نفسه موقف اللئيم.

ويدلّ علي ذلک أنّ الله عزّ وعلا لمّـا أنزل في التوراة علي موسي (صلوات الله عليه) أ نّه يبعث النبيّ العربيّ في آخر الزمان خاتم الانبياء ونعته بأوصافه وجعلها علامة ودلالة علي إثبات حکم النبوّة وصار قوم موسي يذکرونه بصفاته، ويعلمون أ نّه يبعث، فلمّـا قرب زمان ظهوره وبعثه صاروا يهدّدون المشرکين به، ويقولون: سيظهر الان نبيّ لغته کذا وصفته کذا، نستعين به علي قتالکم، فلمّـا بعث (صلي الله عليه وآله) ووجدوا العلامات والصفات بأسرها التي جعلت دلالة علي نبوّته أنکروه، وقالوا: ليس هو هذا، بل هو غيره وسيأتي فلمّـا جنحوا إلي الاحتمال، وأعرضوا عن العمل بالدلالة الموجودة في الحال، أنکر الله تعالي عليهم کونهم ترکوا العمل بالدلالة التي ذکرها لهم في التوراة وجنحوا إلي الاحتمال.

وهذه القصّة من أکبر الادلّة وأقوي الحجج علي أ نّه يتعيّن العمل بالدلالة عند وجودها، وإثبات الحکم لمن وجدت تلک الدلالة فيه، فإذا کانت الصفات التي هي علامة ودلالة لثبوت تلک الاحکام المذکورة موجودة في الحجّة الخلف الصالح محمّد [ابن الحسن] (عليه السلام) تعيّن إثبات کونه المهدي المشار إليه من غير جنوح إلي الاحتمال



[ صفحه 400]



بتجدّد غيره في الاستقبال.

فإن قال المعترض: نسلّم لکم أنّ الصفات المجعولة علامة ودلالة، إذا وجدت تعيّن العمل بها، ولزم إثبات مدلولها لمن وجدت فيه، لکن نمنع وجود تلک العلامة والدلالة في الخلف الصالح محمّد [بن الحسن] (عليه السلام)، فإنّ من جملة الصفات المجعولة علامة ودلالة أن يکون اسم أبيه مواطئاً لاسم أبي النبيّ (صلي الله عليه وآله)، هکذا صرّح به الحديث النبويّ علي ما أوردتموه، وهذه الصفة لم توجد فيه، فإنّ اسم أبيه الحسن، واسم أب النبيّ (صلي الله عليه وآله) عبد الله، وأين الحسن من عبد الله، فلم توجد هذه الصفة التي هي جزء من العلامة والدلالة، فإذا لم يثبت جزء العلّة فلا يثبت حکمها، إذ النبيّ (صلي الله عليه وآله) لم يجعل تلک الاحکام ثابتة إلاّ لمن اجتمعت تلک الصفات کلّها له، والتي جزؤها مواطاة اسمي الابوين في حقّه، وهذه لم تجتمع في الحجّة الخلف الصالح، فلا تثبت تلک الاحکام له، وهذا إشکال أقوي.

فالجواب: لا بدّ قبل الشروع في تفصيل الجواب من بيان أمرين يبني عليهما الغرض:

فالاوّل: إنّه سائغ شائع في لسان العرب إطلاق لفظة الاب علي الجدّ الاعلي، وقد نطق القرآن الکريم بذلک، فقال الله تعالي: (مِلَّةَ أبيکُم إبْراهيم) [3] ، وقال تعالي حکايةً عن يوسف (عليه السلام): (وَاتَّبَعْت مِلَّةَ آبائي إبْراهيمَ وَإسْحاق). [4] ونطق بذلک النبيّ (صلي الله عليه وآله) وحکاه عن جبرئيل في حديث الاسراء أ نّه قال: قلت: من هذا؟ قال: أبوک إبراهيم. فعلم أنّ لفظة أب تطلق علي الجدّ وإن علا، فهذا أحد الامرين.



[ صفحه 401]



الامر الثاني: إنّ لفظة الاسم تطلق علي الکنية وعلي الصفة، وقد استعملها الفصحاء ودارت بها ألسنتهم، ووردت في الاحاديث حتّي ذکرها البخاري ومسلم، کلّ واحد منهما يرفع ذلک بسنده إلي سهل بن سعد الساعدي، أ نّه قال عن عليّ (عليه السلام): والله إنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله) سمّـاه بأبي تراب، ولم يکن له اسم أحبّ إليه منه، فأطلق لفظة الاسم علي الکنية، ومثل ذلک قول الشاعر:



اُجلّ قدرک أن تسمّي مؤننة

ومن کنّاک فقد سمّـاک للعرب



ويروي: ومن يصفک، فأطلق التسمية علي الکناية أو الصفة، وهذا شائع ذائع في کلام العرب.

فإذا وضح ما ذکرنا من الامرين فاعلم أيّدک الله بتوفيقه أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) کان له سبطان: أبو محمّد الحسن، وأبو عبد الله الحسين (عليهما السلام)، ولمّـا کان الحجّة الخلف الصالح (عليه السلام) من ولد أبي عبد الله، وکانت کنية الحسين أبا عبد الله، فأطلق النبيّ (صلي الله عليه وآله) علي الکنية لفظة الاسم لاجل المقابلة بالاسم في حقّ أبيه، وأطلق علي الجدّ لفظة الاب، فکأ نّه (عليه السلام) قال: يواطئ اسمه اسمي، فأنا محمّد وهو محمّد، وکنية جدّه اسم أبي، إذ هو أبو عبد الله، وأبي عبدُ الله، لتکون تلک الالفاظ المختصرة جامعة لتعريف صفاته وإعلام أ نّه من ولد أبي عبد الله الحسين بطريق جامع موجز، فحينئذ تنتظم الصفات وتوجد بأسرها مجتمعةً للحجّة الخلف الصالح محمّد (عليه السلام)، وهذا بيان شاف کاف في إزالة ذلک الاشکال فافهمه... إلي آخر کلامه [5] ، وجميعه يدلّ علي اعتقاد الشيخ کمال الدين الراسخ بکون الامام المهدي (عليه السلام) هو ابن الحسن العسکري.



[ صفحه 402]




پاورقي

[1] المجالس السنيّة 5: 713، في رحاب أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) 5: 81.

[2] ذکرنا في الفصل الاوّل أنّ المشهور في ولادته (عليه السلام) هو النصف من شعبان سنة 255 هـ.

[3] الحجّ: 22 / 78.

[4] يوسف: 12 / 38.

[5] کشف الغمّة 3: 233 ـ 241، عن مطالب السؤول 2: 79، الباب 12.