بازگشت

حديث لا مهدي الا عيسي


أخرج ابن ماجة والحاکم عن يونس بن عبد الاعلي، عن الشافعي، عن محمّد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن البصري، عن أنس بن مالک، عن النبيّ (صلي الله عليه وآله)، قال: لا يزداد الامر إلاّ شدّة، ولا الدنيا إلاّ إدباراً، ولا الناس إلاّ شحّاً، ولا تقوم الساعة إلاّ علي شرار الناس، ولا مهدي إلاّ عيسي بن مريم [1] .

وقد نقلنا في أوّل الفصل أقوال جملة من الاعلام الذين قالوا بأنّ هذا الحديث منکر باطل، وأنّ في إسناده الذي قدّمناه بعض الضعفاء والمجاهيل، ونزيد هنا أقوالاً اُخري في هذا الحديث ليتبيّن لک سقوطه في ميزان الجرح والتعديل.

فقد نقل ابن حجر العسقلاني قدح أبي عمرو وأبي الفتح الازدي بمحمّد بن خالد الجندي [2] .

وقال الذهبي: قال الازدي: منکر الحديث، وقال أبو عبد الله الحاکم: مجهول، قلت: حديث (لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم) وهو خبر منکر أخرجه



[ صفحه 389]



ابن ماجة [3] .

وقال ابن حجر الهيتمي: وصرّح النسائي بأ نّه منکر، وجزم غيره من الحفّاظ بأنّ الاحاديث التي قبله - أي الناصّة علي أنّ المهدي من ولد فاطمة (عليها السلام) - أصحّ إسناداً [4] .

ووصف أبو نعيم هذا الحديث بالغرابة، وقال: لم نکتبه إلاّ من حديث الشافعي [5] .

وقال ابن حجر الهيتمي في الصواعق: قال الحاکم أوردته تعجّباً لا محتجّاً به، وقال البيهقي: تفرّد به محمّد بن خالد، وقد قال الحاکم إنّه مجهول، واختلف عنه في إسناده، وصرّح النسائي بأ نّه منکر [6] .

وذکر المقدسي في ديباجة کتابه (عقد الدرر): إنّ من الناس من يزعم أ نّه لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم الطاهرة الزکيّة.

فقلت له: أمّا من ينکر هذا (يعني ظهور المهدي) بالکلية، فلا التفات إليه، إذ لا يعلم في ذلک مستند يرجع إليه.

وأمّا من يزعم أن لا مهدي إلاّ عيسي بن مريم، وأصرّ علي صحّة هذا الحديث وصمّم، فربما أوقعه في ذلک الحميّة والالتباس، وإن کثر تداول هذا الحديث علي ألسنة الناس، فکيف يرتقي إلي درجة الصحّة وهو حديث منکر؟ أم کيف يحتجّ



[ صفحه 390]



بمثله من أمعن النظر في إسناده وفکّر.

وصرّح بکونه منکراً الامام أبو عبد الرحمن، وإنّه لجدير بذلک، إذ مداره علي محمّد بن خالد الجندي.

وفي کتاب (العلل المتناهية) للامام أبي الفرج بن الجوزي ما نقله في توهين هذا الحديث من کلام الحافظ أبي بکر البيهقي، قال: فرجع الحديث إلي الجندي وهو مجهول، عن أبان بن عياش وهو متروک غير مقبول، عن الحسن عن النبيّ (صلي الله عليه وسلم) وهو منقطع غير موصول.

وحکي البيهقي عن شيخه الحاکم النيسابوري وناهيک به معرفة بعلم الحديث وعلي أحوال رواته مطّلع أ نّه قال: الجندي مجهول، وابن عياش متروک، وهذا الحديث بهذا الاسناد منقطع.

وعدّ علماء الحديث في حقّ الامام المهدي من الاحاديث ما لا يخفي کثرة، وکلّها معرّضة بذکره ومصرّحة باسمه، وفي ذلک أدلّ دليل علي ترجيحها علي هذا الحديث المنکر عند من له بهذا الحديث خبرة وبعضها لبعض مصحّحة.

وقد ذکر الحافظ أبو عبد الله الحاکم في مستدرکه علي الصحيحين من ذلک ما فيه غنية، ونبّه علي ترجيح رواية الجمّ الغفير من کان له في ذلک بغية، ولمّـا انتهي في کتابه إلي ذکر هذه الرواية بيّن حالها لمن له فهم ودراية، فقال: قد ذکرته بما انتهي إليّ من علم هذا الحديث تعجّباً لا محتجّاً به. وهذا غاية التوهين.

ثمّ قال: فإنّ أولي من هذا الحديث حديث سفيان الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم، ثمّ ذکر الحديث الذي يقول فيه (صلي الله عليه وآله وسلم): يواطي اسمه اسمي، وقال: وقد قال العلماء الاماثل: إنّ معني قوله يواطئ يشبه ويماثل [7] .



[ صفحه 391]



فقد اتّضح لمن أنصف من جملة هذا الکلام أنّ المهدي من ولد الزهراء فاطمة (عليها السلام) لا عيسي بن مريم (عليهما السلام).

علي أ نّا نقول: ولئن سلّمنا صحّة هذا الحديث، فإنّه يحمل علي تأويل، إذ لا نجد لالغاء ما يعارضه من الاحاديث الصحيحة سبيلاً، ولعلّ تأويله کتأويل: لا صلاة لجار المسجد إلاّ في المسجد، إذ ألفاظ الحديثين يقرب بعضها من بعض ولا يبعد، وفي الحديث من هذا النوع کثير، وليس ذلک بمحمول علي المَنْفِيّ، بل علي الترجيح والتوفير، أو لعلّ له تأويلاً غير ذلک [8] .

والذي يستفاد من کلمات هؤلاء الاعلام في الجواب عن الحديث المشار إليه اُمور:

الاوّل: إنّه موضوع.

الثاني: إنّه منکر ضعيف.

الثالث: إنّه معارض بالاخبار المتواترة.

الرابع: إنّه مؤوّل ومحمول علي غير ظاهره.

ويمکن أن يقال: إنّ الذي يظهر من الاحاديث أنّ ظهور المهدي (عليه السلام) ونزول عيسي (عليه السلام) من السماء متلازمان لا ينفکّ أحدهما عن الاخر، فيصحّ بالعناية إرادة کلّ منهما عند إطلاق الاخر، فکأ نّهما رجل واحد، أو يقال في الرواية حذف هکذا (لا مهدي إلاّ وعيسي بن مريم معه) کما دلّت عليه الاخبار المستفيضة، فکأنّ عيسي أحد أمارات صدق المهدي عليهما أفضل الصلاة والسلام.

فمن کتاب (الفتن) للحافظ أبي عبد الله نُعيم بن حمّـاد، يرفعه إلي أبي



[ صفحه 392]



سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): منّا الذي يصلّي عيسي بن مريم خلفه [9] .

ومن کتاب (الفتن) يرفعه إلي هشام بن محمّد، قال: المهديّ من هذه الاُمّة هو الذي يؤمّ عيسي بن مريم (عليه السلام) [10] .

وعن الحافظ أبي عبد الله محمّد بن يزيد بن ماجة القزويني، [في سننه] في حديث صحيح طويل في نزول عيسي (عليه السلام)، فمن ذلک: قالت اُمّ شريک بنت أبي العکر: يا رسول الله، فأين العرب يومئذ؟

قال: هم يومئذ قليل، وجلّهم ببيت المقدس، وإمامهم قد تقدّم يصلّي بهم الصبح، إذ نزل بهم عيسي (عليه السلام)، فيرجع ذلک الامام يمشي القهقري ليقدّم عيسي(عليه السلام) ليصلّي بالناس، فيضع عيسي (عليه السلام) يده بين کتفيه، ثمّ يقول: تقدّم [11] .

وعليه فالمهدي (عليه السلام) غير عيسي (عليه السلام)، وأنّ عيسي (عليه السلام) يخرج في زمان الامام المهدي (عليه السلام) ويأتمّ به ويساعده علي قتل الدجّال، کما دلّت عليه الروايات الصحيحة.



[ صفحه 393]




پاورقي

[1] سنن ابن ماجة 2: 1340 / 4039، المستدرک 4: 441.

[2] تهذيب التهذيب 9: 125 / 202.

[3] ميزان الاعتدال 3: 535 / 7479.

[4] الصواعق المحرقة: 164.

[5] حلية الاولياء 9: 61.

[6] الصواعق المحرقة: 165.

[7] المستدرک 4: 440 ـ 441.

[8] عقد الدرر: 292، إحقاق الحقّ 13: 199.

[9] عقد الدرر: 292، إحقاق الحقّ 13: 199.

[10] عقد الدرر: 293، الحاوي للفتاوي / السيوطي 2: 65.

[11] سنن ابن ماجة 2: 1361 / 4077.