بازگشت

الدليل العقلي


إذا غضضنا الطرف عن الادلّة السمعية المتمثّلة بالنصوص الحديثية علي الائمة (عليهم السلام)، والادلّة الاُخري التي ذکرناها آنفاً والتي خلصنا من خلالها إلي وجوب الامامة في کلّ عصر، فإنّ العقل يدلّ أيضاً علي وجوبها، ليکون الناس أقرب إلي وقوع الصلاح، وعليه فإنّ العقل يدلّنا علي وجوب إمامة الحجّة (عليه السلام).

وفي ما يلي تحقيق للشيخ الطوسي (رحمه الله) في کتابه (الاقتصاد) حول الدليل العقلي.

قال (رحمه الله):

المخالف في وجوب الامامة طائفتان أحدهما يخالف في وجوبها عقلاً، والاخر يخالف في وجوبها سمعاً، والمخالف في وجوبها سمعاً شاذّ لا يعتدّ به لشذوذه، لا نّه لا يعرف قائل به، وعلماء الاُمّة المعروفون مجمعون علي وجوب الامامة سمعاً، والخلاف القوي في وجوب الامامة عقلاً، فإنّه لا يقول بوجوبها عقلاً غير الامامية والبغداديين من المعتزلة، وجماعة من المتأخّرين، والباقون يخالفون في ذلک ويقولون المرجع فيه إلي السمع.

ولنا في الکلام بوجوب الامامة عقلاً طريقان:

أحدهما: أن نبيّن وجوبها عقلاً، سواء کان هناک شرع أو لم يکن.

وثانيها: أن نبيّن أنّ مع وجود الشرع لا بدّ من إمام له صفة مخصوصة لحفظ الشرع باعتبار عقلي.



[ صفحه 308]



دليل الطريقة الاُولي:

والذي يدلّ علي الطريقة الاُولي أ نّه قد ثبت أنّ الناس متي کانوا غير معصومين ويجوز منهم الخطأ وترک الواجب، إذا کان لهم رئيس مطاع منبسط اليد، يردع المعاند، ويؤدّب الجاني، ويأخذ علي يد السفيه والجاهل وينتصف للمظلوم من الظالم، کانوا إلي وقوع الصلاح وقلّة الفساد أقرب، ومتي خلوا من رئيس علي ما وصفناه وقع الفساد وقلّ الصلاح ووقع الهرج والمرج وفسدت المعائش.

بهذا جرت العادة وحکم الاعتبار.

إلي أن قال:

دليل الطريقة الثانية:

وأمّا الطريقة الثانية، وهو أ نّه لا بدّ من إمام بعد ورود الشرع، فإنّه إذا ثبت أنّ شريعة نبيّنا (عليه السلام) مؤبّدة إلي يوم القيامة، وأنّ من يأتي فيما بعد يلزمه العمل بها، کما لزم من کان في عصر النبيّ (صلي الله عليه وآله)، فلا بدّ من أن تکون علّتهم مزاحة، کما کانت علّة من شاهد النبيّ (صلي الله عليه وآله) مزاحة. ولا تکون العلّة مزاحة إلاّ بأن تکون الشريعة محفوظة. فلا تخلو من أن تکون محفوظة بالتواتر، أو الاجماع، أو الرجوع إلي أخبار الاحاد، أو القياس، أو بوجود معصوم عالم بجميع الاحکام في کلّ عصر، يجري قوله مثل قول النبيّ (صلي الله عليه وآله)، فإذا أفسدنا الاقسام کلّها إلاّ وجود معصوم، ثبت أ نّه لا بدّ من وجوده في کلّ وقت.

إلي أن قال:

فإن قيل: يلزم علي هذا أن يکون من لا يعرف الامام لا يعرف أحکام الشرع، والمعلوم خلافه؟



[ صفحه 309]



قلنا: من لا يعرف الامام لا يجوز أن يعرف من الشريعة إلاّ ما تواتر النقل به، أو دلّ دليل قاطع عليه من ظاهر قرآن، أو اجتمعت الاُمّة عليه، فأمّا ما عدا ذلک فإنّه لا يعلمه، وإن اعتقده فإنّما يعتقده اعتقاداً ليس بعلم، فلم يخرج من موجب الدلالة.

والشرع يصل إلي من هو في البلاد البعيدة، وفي زمن النبيّ (صلي الله عليه وآله) أو الامام بالنقل المتواتر الذي من ورائه حافظ معصوم، ومتي انقطع دونهم أو وقع فيه تفريط، تلافاه حتّي يصل إليهم، وينقطع عذرهم.

فأمّا إذا فرضنا النقل بلا حافظ معصوم من وراء الناقلين، فإنّا لا نثق بأ نّه وصل جميعه، وجوّزنا أن يکون وقع فيه تقصير أو کتمان لشبهة أو تعمّد، وإنّما نأمن من وقوع شيء منه لعلمنا أنّ من ورائه معصوماً متي وقع خلل تلافاه، وهذه حالنا في زمن الغيبة، فإنّا متي علمنا بقاء التکليف، وعلمنا استمرار الغيبة، علمنا أنّ عذرنا منقطع ولطفنا حاصل، لا نّه لو لم يکن حاصلاً لسقط التکليف، أو أظهر الله الامام ليبيّن لنا ما وقع فيه من الخلل، فلا يمکن التسوية بين نقل من ورائه معصوم، وبين نقل ليس من ورائه ذلک، فسقط الاعتراض [1] .


پاورقي

[1] وهذا ملخّص ما في کتاب الاقتصاد: 296 / 304.