بازگشت

الدلالات


لا ريب أنّ الامامة هي رئاسة عامّة في اُمور الدين والدنيا، وإنّها امتداد للوجود النبويّ المقدّس وحفظ لعهده ووصاياه وحماية لامانته وقيام برسالته،



[ صفحه 302]



ولهذا فإنّ الامام يتميّز بصفات ودلالات تميّزه عن غيره من سائر البشر، منها النص علي إمامته، والاستقامة وسلامة النشأة، والسبق في العلم والحکمة، والنسب الرفيع، والمعجزة.

ومرادنا من الدلالات هنا العلامات التي تدلّ علي إمامة الامام، ولقد کان شيعة أهل البيت (عليهم السلام) يدقّقون کثيراً في هذا الامر، سيّما في أيام المحنة والتقيّة والظروف القاسية، فقد کانوا لا يسلّمون الاموال من الحقوق المترتّبة عليهم إلي الامام إلاّ بعد أن يروا الدلالة أو العلامة، وتأکّدت هذه المسألة في زمان الغيبة الصغري بشکل أکثر بسبب غيبة الامام (عليه السلام) وحيرة الناس.

قال الشيخ قطب الدين الراوندي: وکانت الاموال تحمل إلي بغداد إلي النوّاب المنصوبين بها، وتخرج من عندهم التوقيعات، أوّلهم وکيل أبي محمّد (عليه السلام) الشيخ عثمان بن سعيد العمري، ثمّ ابنه أبو جعفر محمّد بن عثمان، ثمّ أبو القاسم الحسين ابن روح، ثمّ الشيخ أبو الحسن عليّ بن محمّد السمري، ثمّ کانت الغيبة الطولي، وکانوا کلّ واحد منهم يعرف کميّة المال جملةً وتفصيلاً، ويسمّون أربابها بأعلامهم ذلک من القائم (عليه السلام) [1] .

وفي ما يلي بعض الاخبار التي توضّح دقّة الشيعة في معرفة الامام وتأکيدهم علي المطالبة بالدلالة.

1 - عن أحمد بن محمّد الدينوري السرّاج، قال: انصرفت من أردبيل [2] إلي



[ صفحه 303]



الدينور [3] اُريد الحجّ، وذلک بعد مضيّ أبي محمّد الحسن بن عليّ (عليه السلام) بسنة، أو سنتين، وکان الناس في حيرة، فاستبشر أهل الدينور بموافاتي، واجتمع الشيعة عندي، فقالوا: قد اجتمع عندنا ستّة عشر ألف دينار من مال الموالي، ونحتاج أن تحملها معک، وتسلّمها بحيث يجب تسليمها.

قال: فقلت: يا قوم، هذه حيرة، ولا نعرف الباب في هذا الوقت.

قال: فقالوا: إنّما اخترناک لحمل هذا المال لما نعرف من ثقتک وکرمک، فاحمله علي أ لاّ تخرجه من يديک إلاّ بحجّة.

قال: فقبضت منهم المال والتخوت بما فيها من الثياب، فلمّـا وردت بغداد لم يکن لي همّة غير البحث عمّن اُشير إليه بالنيابة، فقيل لي: إنّ ها هنا رجلاً يعرف بالباقطاني يدّعي بالنيابة، وآخر يعرف بإسحاق الاحمر يدّعي بالنيابة، وآخر يعرف بأبي جعفر العمري يدّعي بالنيابة.

قال: فبدأت بالباقطاني، فصرت إليه، فوجدته شيخاً بهيّاً، له مروءة ظاهرة، وفرس عربي، وغلمان کثيرة، ويجتمع عنده الناس يتناظرون، قال: فدخلت إليه وسلّمت عليه، فرحّب وقرّب وبرّ وسرّ.

قال: فأطلت القعود إلي أن خرج أکثر الناس، قال: فسألني عن حاجتي، فعرّفته أ نّي رجل من أهل الدينور، ومعي شيء من المال، أحتاج أن اُسلّمه.

قال: فقال لي: احمله.

قال: فقلت: اُريد حجّة.

قال: تعود إليّ في غد.



[ صفحه 304]



قال: فعدت إليه في الغد، فلم يأتِ بحجّة، وعدت إليه في اليوم الثالث فلم يأتِ بحجّة.

قال: فصرت إلي إسحاق الاحمر، فوجدته شابّاً نظيفاً، منزله أکبر من منزل الباقطاني، وفرسه ولباسه ومروءته أسري، وغلمانه أکثر، ويجتمع عنده من الناس أکثر ممّـا يجتمعون عند الباقطاني، قال: فدخلت وسلّمت، فرحّب وقرّب، قال: فصبرت إلي أن خفّ الناس، قال: فسألني عن حاجتي، فقلت کما قلت للباقطاني، وعدت إليه بعد ثلاثة أيام فلم يأت بحجّة.

قال: فصرت إلي أبي جعفر العمري، فوجدته شيخاً متواضعاً، عليه مبطنة بيضاء، قاعد علي لِبد [4] ، في بيت صغير، ليس له غلمان، وليس له ما وجدت لغيره، قال: فسلّمت عليه، فردّ جوابي وأدناني، وبسط منّي [5] ، ثمّ سألني عن حالي، فعرّفته أ نّي وافيت من الجبل، وحملت مالاً.

قال: فقال: إن أحببت أن تصل هذا الشيء إلي من يجب أن يصل إليه يجب أن تخرج إلي سرّ من رأي، وتسأل عن دار ابن الرضا، وعن فلان بن فلان الوکيل، وکانت دار ابن الرضا عامرة بأهلها، فإنّک تجد هناک ما تريد.

قال: فخرجت من عنده، ومضيت نحو سرّ من رأي، وصرت إلي دار ابن الرضا، وسألت عن الوکيل، فذکر البوّاب أ نّه مشتغل في الدار، وأ نّه يخرج آنفاً، فقعدت علي الباب أنتظر خروجه، فخرج بعد ساعة، فقمت وسلّمت عليه، وأخذ بيدي إلي بيت کان له، وسألني عن حالي، وعمّـا وردت له، فعرّفته أ نّي حملت شيئاً



[ صفحه 305]



من المال من ناحية الجبل وأحتاج أن اُسلّمه بحجّة.

قال: فقال: نعم، ثمّ قدّم إليّ طعاماً، وقال لي: تغدّي بهذا واسترح، فإنّک تَعِب، وإنّ بيننا وبين الصلاة ساعة، فإنّي أحمل إليک ما تريد، قال: فأکلت ونمت، فلمّـا کان وقت الصلاة نهضتُ وصلّيت... فجاءني ومعه دَرْج [6] فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم. وافي أحمد بن محمّد الدينوري، وحمل ستّة عشر ألف دينار، وفي کذا وکذا صُرّة، فيها صُرّة فلان بن فلان کذا وکذا ديناراً، وصُرّة فلان بن فلان کذا وکذا ديناراً - إلي أن عدّ الصُّرر کلّها - وصرّة فلان بن فلان الذرّاع ستّة عشر ديناراً».

ثمّ ذکر: «قد حمل من قرميسين من عند أحمد بن الحسن المادرائي أخي الصوّاف کيساً فيه ألف دينار، وکذا وکذا تختاً ثياباً، منها ثوب فلاني، وثوب لونه کذا...» حتّي نسب الثياب إلي آخرها بأنسابها وألوانها.

قال: فحمدت الله وشکرته علي ما منّ به عليّ من إزالة الشکّ عن قلبي، وأمر بتسليم جميع ما حملته إلي حيث ما أمرني أبو جعفر العمري.

قال: فانصرفت إلي بغداد وصرت إلي أبي جعفر العمري، فوردت رقعة علي أبي جعفر العمري من مولانا (صلوات الله عليه) ومعه دَرْج مثل الدرج الذي کان معي، فيه ذکر المال والثياب، وأمر أن يسلّم جميع ذلک إلي أبي جعفر محمّد بن أحمد ابن جعفر القطّان القمّي.

قال: فلبس أبو جعفر العمري ثيابه، وقال لي: احمل ما معک إلي منزل محمّد ابن أحمد بن جعفر القطّان. قال: فحملت المال والثياب إلي منزله، وسلّمتها،



[ صفحه 306]



وخرجت إلي الحجّ.

فلمّـا انصرفت إلي الدينور اجتمع عندي الناس، فأخرجت الدرج الذي أخرجه وکيل مولانا (صلوات الله عليه) إليّ، وقرأته علي القوم، فلمّـا سمع ذکر الصُرّة باسم الذرّاع، سقط صاحبُها مغشياً عليه، فما زلنا نعلّله حتّي أفاق، فلمّـا أفاق سجد شکراً لله عزّ وجلّ، وقال: الحمد لله الذي منّ علينا بالهداية، الان علمت أنّ الارض لا تخلو من حجّة، هذه الصرّة دفعها والله إليّ هذا الذرّاع، ولم يقف علي ذلک إلاّ الله عزّ وجلّ [7] ، الحديث.

2 - وروي الشيخ قطب الدين الراوندي، عن علاّن الکليني، قال: حدّثنا الاعلم المصري، عن أبي الرجاء المصري - وکان أحد الصالحين - قال: خرجت في الطلب [8] بعد مضيّ أبي محمّد (عليه السلام)، فقلت في نفسي: لو کان شيء لظهر بعد ثلاث سنين، فسمعت صوتاً ولم أرَ شخصاً: يا نصر بن عبد ربّه، قل لاهل مصر: هل رأيتم رسول الله (صلي الله عليه وآله) فآمنتم به؟ قال أبو الرجاء: ولم أعلم أنّ اسم أبي عبد ربّه، وذلک أ نّي ولدت بالمدائن، فحملني أبو عبد الله النوفلي إلي مصر، فنشأت بها، فلمّـا سمعت الصوت لم اُعرّج علي شيء وخرجت [9] .

وسيأتي ما يدلّ علي ما ذکرناه طرفاً من الاحاديث والاخبار في الفصل العاشر عند ذکر معجزاته وکراماته (عليه السلام).



[ صفحه 307]




پاورقي

[1] الخرائج والجرائح 3: 1108 / 25، مدينة المعاجز 8: 206 / 2792.

[2] أردبيل: من أشهر مدن أذربيجان في إيران.

[3] الدينور: مدينة من اُمّهات مدن الجبال في کردستان إيران.

[4] اللِّبد: ضرب من البسط، والمبطنة: ما ينتطق به، وهي إزار له حجزة.

[5] بسط فلان من فلان: أي أزال عنه الاحتشام وعوامل الخجل.

[6] الدَّرْج: الورق الذي يکتب فيه.

[7] دلائل الامامة: 520 / 493، فرج المهموم: 239، بحار الانوار 51: 300 / 19.

[8] أي في طلب الامام (عليه السلام).

[9] الخرائج والجرائح 2: 698 / 16، فرج المهموم: 239، بحار الانوار 51: 295 / 10.