بازگشت

المقدمة


من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية

الامام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) غنيّ عن التعريف في شخصيّته العالمية، ودوره التأريخي، لا خلاف فيه بين الاديان السماوية کافة وغيرها، وإنّما وقعت الشبهات واُثيرت الشکوک حول مسألة من هو المهدي؟

لذا نقدّم هذا السفر الميمون المبارک ليلقي الاضواء حول هذه المسألة، اعتماداً علي المصادر المعتبرة عند الفريقين، لينير الدرب للسالکين.

عزيزي القارئ... أکتب إليک... لاُفاتحک، واُصارحک، ولاُطلِعَک، لا لاُقنِعَک. وقبل أن تتطلّع علي ما في هذا الکتاب من المواضيع الحسّاسة، في عصرنا الحاضر المضطرب، يهمّني أن اُلفت نظرک، واُجيب علي حيرتک وتساؤلک، بأنّ إنکار الناس لوجود الخالق تبارک وتعالي، لا يدلّ علي عدم وجوده، کما أنّ إنکارهم للبعث والحساب لا يعني أ نّه لا يکون هناک بعث ولا حساب، ومثل ذلک إنکار المهدي... صاحب العصر والزمان (عليه السلام).

فاقرأ، وتحقّق، وتفهّم، فقد يسّرت لي الظروف وتيقّنت أ نّي وأنت من أهل آخر الزمان، بعد استعراض وصفهم إجمالاً وتفصيلاً، فقد وجدت لزاماً عليّ أن أقول بصراحة.

ولا يخفي أنّ الناس صنفان: إمّا جاهل في هذا الموضوع، ولم يستوعب قضيّة المهدي في حجمها وأبعادها، ويخشي إن هو تعرّض لها أن يضيع، فلا غروَ أن أضعه في الطريق، وإمّا عالم عارف في غير هذا الموضوع، لا يريد أن يخوض فيه عن عمد أو عن غير عمد، فيرغب عن الکلام فيه، فلا مانع من تشجيعه علي



[ صفحه 8]



الافصاح بالرأي، وتدريبه علي الصراحة في قول الحقّ.

وبهذه النيّة أنقل إلي الاثنين کلّ ما توصّلت إليه بعد بحث طويل وجهد مضن، وسبر أغوار الموسوعات والسير والتأريخ، تارکاً لهما حرية الاختيار عندما يتنازع فکرهما عاملا التصديق والانکار.

وهدفي أن يعرف الجاهل، وتتجلي في ذهنه الحقيقة، ويتشجّع العالم علي قول الحقّ، قبل أن يضيع الناس عن کلمة الحقّ التي ينبغي أن لا تضيع.

هذا.. وإنّي لن أتکلّم عن المکابرين... ولن أقف مع المماحکين، ولن اُحاجج الشاکّين بکلّ ما يصدر عن السماء، ولن تکون لي مناظرة مع المعاندين الذين يتجاهلون بديهيات العقل، ولن اُحاول مناقشة منکري الخالق وإن کانوا يقفون أمام عظمة الکون حائرين بذاتهم، کما لا اُحبّ أن يقع کتابي هذا في أيدي جَهَلَة المثقّفين الذين تقوم حياتهم علي الکفر بالقيم، ويرکضون وراء سراب زائف من الافکار التافهة، من ذوي العلم الناقص، الذين تسلّحوا بشهادات معيّنة من بعض التخصّصات، فقد عَلِموا شيئاً وغابت عنهم أشياء. ولا في أيدي الذين نبذوا کلّ عقيدة وترکوا القيم وتحلّلوا من کلّ عرف، وانهزموا أمام الرجولة.

وليس کتابي هذا للنساء الحائدات عن طريق العفّة والکرامة، من اللواتي لبسن القميص المکشوف والسروال الضيّق وتشبّهن بالرجال، وخالفن طبيعة الاُنوثة فارتدين الثوب القصير وکدن أن يکشفن عن أقبح ما فيهن لذئاب البشر.

ولا للجيل الذي إن ردعته لا يرتدع، وإن زجرته لا ينزجر، وإن کنتُ اُحِبُّ أن اُفصِحَ عن الحقيقة التي يجهلونها، کي لا يقعوا فرائس الطيش، فيندم کلّ واحد منهم، يوم يعضّ الظالم علي يديه، ويقول يا ليتني اتّخذت مع الرسول سبيلاً؟

قال إمامنا الباقر (عليه السلام): کلّ من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه، ولا إمام له من الله، فسعيه غير مقبول، وهو ضالّ متحيّر - والله شانئ لاعماله - وإن مات علي هذه



[ صفحه 9]



الحالة مات ميتة کفر ونفاق [1] ، وقال سبحانه وتعالي: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّ نْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أ نَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً).

أنا أکتب.. عن أمر واقع ليس له دافع؟ رضي به الکلّ أو أباه البعض، لا نّه کالشمس في رائعة النهار التي تدخل کلّ بيت فتحت نافذته عليها ولو رفض دخولها، ولا يحول دون إشراقها حائل، من ذي الفکر الصدي، ولا ممانع من النظر الاخفش.

فليعتبر الناس إلي محتوم من أمرهم، صدّقوا به أو أنکروه، فکتابي هذا لمن يظهر له فيه الحقّ، فيتّبعه عن دليل، ولمن يفکّر ويتدبّر عواقب الاُمور، وهو لسائر روّاد الحقيقة، في أيّ وطن کانوا، ومن أيّ اُمّة.

ولا إکراه في فرض عقيدة... ولا إجبار في اعتناق مبدأ، ولکنّي ناقل حقيقة، لا يضرّها کفر من کفر بها، لانّ شعارنا شعار المؤمن بالعقيدة، يعرضها ولا يفرضها، کما قال سبحانه وتعالي: (لا إکْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ)، وقال: (يَا أ يُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْکُمْ أنفُسَکُمْ لا يَضُرُّکُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ).

أمّا من کان يعيب عقيدة المتشيّعين للمهدي شکلاً وأساساً فإنّنا لا نأخذ عليه إلاّ ما أخذه الناس علي أحبار اليهود يوم عرفوا محمّداً (صلي الله عليه وآله) بذاته وصفاته وعلاماته المذکورة في کتبهم، ثمّ کفروا به لا نّه بُعِثَ من العرب لا من بني إسرائيل!!! فهل يرضي العائب علينا أن نتحدّث عن مهديٍّ لا قرشيّ ولا هاشميّ ولا فاطمي ولا حسيني، حتّي نلتقي معه علي طمس حقيقة عرفناها کما هي في جوهرها، وآمنّا بها کما وردت من طرقنا وطرق غيرنا؟ مع أنّ النبيّ الکريم الذي لا ينطق عن الهوي قال: «لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يومٌ واحد، لطوّل الله ذلک اليوم وبعث رجلاً



[ صفحه 10]



من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، يملا الارض قسطاً وعدلاً کما مُلئت ظلماً وجوراً» [2] .

علي أنّ انتظار دولة الحقّ والعدل وتقويض اُسس الظلم والجور والعدوان، أمرٌ عالميّ قبل أن يکون إسلامياً، وأمرٌ إسلاميّ قبل أن يکون شيعياً.

فاليهودي - من أيّ سبط کان - ينتظر مجيء المسيح الذي يحقّق العدل المطلق علي وجه الارض - في آخر الزمان -. والمسيحي - من أيّ طائفة کان - ينتظر عودة المسيح المطهّر، ليرسي قواعد العدل الاسمي علي وجه هذه البسيطة - في آخر الزمان -. والمسلم - إلي أيّ فرقة انتمي - ينتظر المهدي والمسيح، يلتقيان في دولة حقٍّ، وحکومة عدل مثالي - في آخر الزمان -.

وعليه فإنّ جميع أهل الاديان يعطون حکومة آخر الزمان المنتظرة أهميّتها القصوي، ويعرفون لوقتها علامات ودلائل هي من صميم ما عندهم من تراث ديني، وحتّي الزرادشة وعبدة النار يعتقدون ذلک بطرقهم الخاصّة، هذا ما نقلته إلي القارئ من المصادر الموثوقة من جميع الفرق الاسلامية، فضلاً عن ما نقلته من الاحاديث والروايات المستفيضة عن الرسول الکريم وعترته الطاهرة من أئمة أهل البيت(عليهم السلام).

إلي هنا أختتم هذه المقدّمة التي اقتطفت شذرات منها من مقدّمة يوم الخلاص للاُستاذ کامل سليمان، لانّي وجدته يحکي عن ما في نفسي وما أدين الله سبحانه تعالي به في عقيدتي، مع بعض التصرّف في العبارة دون المساس بالمعني.

والله أسأل أن يهدي الجميع إلي سواء السبيل.

حسين الشاکري



[ صفحه 11]




پاورقي

[1] الکافي 1: 183 و 371، وإلزام الناصب: 4 ـ 5، والمحجّة البيضاء 1: 54.

[2] عدّة مصادر، منها: الصواعق المحرقة: 161، وينابيع المودّة 3: 81 و 86 و 16، وبشارة الاسلام: 282 و 287، وکشف الغمّة 3: 264، وإعلام الوري: 402.