بازگشت

ما روي من حديث ذي القرنين


1 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن علي بن النعمان، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن ذا القرنين لم يکن نبيا ولکنه کان عبدا صالحا أحب الله فأحبه الله وناصح لله فنا صحه الله، أمر قومه بتقوي الله فضربوه علي قرنه فغاب عنهم زمانا، ثم رجع إليهم فضربوه علي قرنه الاخر، وفيکم من هو علي سنته

2 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن البزاز قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن يوسف قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي قال: حدثنا يونس بن بکير، عن محمد بن إسحاق بن يسار المدني، [1] عن عمرو ابن ثابت، عن سماک بن حارث، عن رجل من بني أسد قال: سأل رجل عليا عليه السلام: أرأيت ذا القرنين کيف استطاع أن يبلغ المشرق والمغرب؟ قال: سخر الله له السحاب، ومد له في الاسباب، وبسط له النور، فکان الليل والنهار عليه سواء

3 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيي العطار رضي الله عنه قال: حدثنا أبي، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن اورمة قال: حدثني القاسم بن عروة، عن يزيد الارجني، [2] عن سعد بن طريف، عن الاصبغ ابن نباتة قال: قام ابن الکوا إلي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو علي المنبر فقال له: يا أمير المؤمنين أخبرني عن ذي القرنين أنبي کان أو ملک؟ وأخبرني عن قرنيه أذهب کان أو فضة؟ فقال له عليه السلام: لم



[ صفحه 60]



يکن نبيا ولا ملکا ولا کان قرناه من ذهب ولا فضة ولکنه کان عبدا أحب الله فأحبه الله، ونصح لله فنصحه الله، وإنما سمي ذا القرنين لانه دعا قومه فضربوه علي قرنه فغاب عنهم حينا، ثم عاد إليهم فضرب علي قرنه الاخر وفيکم مثله.

4 ـ حدثنا أبو طالب المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي رضي الله عنه قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه قال: حدثني محمد بن نصير قال: حدثنا محمد بن عيسي [عن حماد بن عيسي] عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن جابر بن عبد الله الانصاري قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: إن ذا القرنين کان عبدا صالحا جعله الله عزوجل حجة علي عباده فدعا قومه إلي الله وأمرهم بتقواه، فضربوه علي قرنه فغاب عنهم زمانا حتي قيل: مات أو هلک بأي وادسلک، ثم ظهر ورجع إلي قومه فضربوه علي قرنه الاخر، وفيکم من هو علي سنته، و إن الله عزوجل مکن لذي القرنين في الارض، وجعل له من کل شيء [3] سببا، وبلغ المغرب والمشرق، وإن الله تبارک وتعالي سيجري سنته في القائم من ولدي فيبلغه شرق الارض وغربها حتي لا يبقي منهلا ولا موضعا من سهل ولا جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه، ويظهر الله عزوجل له کنوز الارض ومعادنها، وينصره بالرعب، فيملأ الارض به عدلا وقسطا کما ملئت جورا وظلما. ومما روي من سياق حديث ذي القرنين

5 ـ حدثنا به محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيي بن سعيد البصري قال: حدثنا محمد بن عطية قال: حدثنا عبد الله بن عمر [و] بن سعيد البصري قال: حدثنا هشام بن جعفر



[ صفحه 61]



ابن حماد، عن عبد الله بن سليمان وکان قارئا للکتب قال: قرأت في بعض کتب الله عزوجل إن ذا القرنين کان رجلا من أهل الاسکندرية وأمه عجوز من عجائزهم وليس لها ولد غيره يقال له: إسکندروس، وکان له أدب وخلق وعفة من وقت ما کان غلاما إلي أن بلغ رجلا، وکان [قد] رأي في المنام کأنه دنا من الشمس حتي أخذ بقرنيها في شرقها وغربها فلما قص رؤياه علي قومه سموه ذا القرنين، فلما رأي هذه الرؤيا بعدت همته وعلا صوته وعز في قومه.

وکان أول ما اجتمع عليه أمره أن قال: أسلمت لله عزوجل، ثم دعا قومه إلي الاسلام فأسلموا هيبة له، ثم أمرهم أن يبنوا له مسجدا فأجابوه إلي ذلک فأمر أن يجعلوا طوله أربعمائة ذراع، وعرضه مائتي ذراع، وعرض حائطه اثنين وعشرين ذراعا، وعلوه إلي السماء مائة ذراع، فقالوا له: يا ذا القرنين کيف لک بخشب يبلغ ما بين الحائطين؟ فقال لهم: إذا فرغتم من بنيان الحائطين فاکبسوه بالتراب حتي يستوي الکبس مع حيطان المسجد فإذا فرغتم من ذلک فرضتم علي کل رجل من المؤمنين علي قدره [4] من الذهب والفضة، ثم قطعتموه مثل قلامة الظفر وخلطتموه مع ذلک الکبس وعملتم له خشبا من نحاس وصفائح من نحاس تذيبون ذلک وأنتم متمکنون من العمل کيف شئتم علي أرض مستوية، فإذا فرغتم من ذلک دعوتم المساکين لنقل ذلک التراب، فيسارعون فيه من أجل ما فيه من الذهب والفضة.

فبنوا المسجد وأخرج المساکين ذلک التراب وقد استقل السقف بما فيه واستغني، فجندهم أربعة أجناد في کل جند عشرة آلاف، ثم نشرهم في البلاد، وحدث نفسه بالمسير، واجتمع إليه قومه فقالوا له: يا ذا القرنين ننشدک بالله ألا تؤثر علينا بنفسک غيرنا، فنحن أحق برؤيتک وفينا کان



[ صفحه 62]



مسقط رأسک، وبيننا نشأت وربيت، وهذه أموالنا وأنفسنا فأنت الحاکم فيها، وهذه أمک عجوز کبيرة وهي أعظم خلق الله عليک حقا، فليس ينبغي لک أن تعصيها وتخالفها، فقال لهم: والله إن القول لقولکم وإن الرأي لرأيکم ولکنني بمنزلة المأخوذ بقلبه وسمعه وبصره، يقاد و يدفع من خلفه، لا يدري اين يؤخذ به وما يراد به ولکن هلموا يا معشر قومي فادخلوا هذا المسجد وأسلموا عن آخرکم ولا تخالفوا علي فتهلکوا.

ثم دعا دهقان [5] الاسکندرية فقال له: اعمر مسجدي وعز عني أمي، فلما رأي الدهقان جزع أمه وطول بکائها احتال لها ليعزيها بما أصاب الناس قبلها وبعدها من المصائب والبلاء، فصنع عيدا عظيما ثم أذن مؤذنه يا أيها الناس إن الدهقان يؤذنکم لتحضروا يوم کذا وکذا، فلما کان ذلک اليوم أذن مؤذنه اسرعوا واحذروا أن يحضر هذا العيد إلا رجل قد عري من البلايا والمصائب، فاحتبس الناس کلهم وقالوا: ليس فينا أحد عري من البلاء ما منا أحد إلا وقد أصيب ببلاء أو بموت حميم، فسمعت أم ذي القرنين هذا فأعجبها ولم تدر ما يريد الدهقان، ثم إن الدهقان بعث مناديا ينادي فقال: يا أيها الناس إن الدهقان قد أمرکم أن تحضروه يوم کذا وکذا ولا يحضره إلا رجل قد ابتلي وأصيب وفجع ولا يحضره أحد عري من البلاء فإنه لا خير فيمن لا يصيبه البلاء، فلما فعل ذلک، قال الناس: هذا رجل قد کان بخل ثم ندم فاستحيا فتدارک أمره ومحا عيبه، فلما اجتمع الناس خطبهم:

فقال: يا أيها الناس إني لم أجمعکم لما دعوتکم له ولکني جمعتکم لاکلمکم في ذي القرنين وفيما فجعنا به من فقده وفراقه فاذکروا آدم



[ صفحه 63]



عليه السلام فإن الله عزوجل خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائکته وأسکنه جنته، وأکرمه بکرامة لم يکرم بها أحدا ثم ابتلاه بأعظم بلية کانت في الدنيا وذلک الخروج من الجنة وهي المصيبة التي لا جبر لها، ثم ابتلي إبراهيم عليه السلام من بعده بالحريق وابتلي ابنه بالذبح، ويعقوب بالحزن والبکاء، ويوسف بالرق، وأيوب بالسقم، ويحيي بالذبح، و زکريا بالقتل، وعيسي بالاسر [6] وخلقا من خلق الله کثيرا لا يحصيهم إلا الله عزوجل.

فلما فرغ من هذا الکلام قال لهم: انطلقوا فعزوا أم الاسکندروس لننظر کيف صبرها فإنها أعظم مصيبة في ابنها، فلما دخلوا عليها قالوا لها: هل حضرت الجمع اليوم وسمعت الکلام؟ قالت لهم: ما خفي عني من أمرکم شيء ولا سقط عني من کلامکم شيء، وما کان فيکم أحد أعظم مصيبة باسکندروس مني، ولقد صبرني الله تعالي وأرضاني وربط علي قلبي، وإني لارجو أن يکون أجري علي قدر ذلک، وأرجو لکم من الاجر بقدر ما رزيتم من فقد أخيکم وأن تؤجروا علي قدر ما نويتم في أمه وأرجو أن يغفر الله لي ولکم ويرحمني وإياکم، فلما رأوا حسن عزائها وصبرها انصرفوا عنها وترکوها، وانطلق ذو القرنين يسير علي وجهه



[ صفحه 64]



حتي أمعن في البلاد يؤم في المغرب، وجنوده يومئذ المساکين، فأوحي الله جل جلاله إليه يا ذا القرنين أنت حجتي علي جميع الخلائق ما بين الخافقين من مطلع الشمس إلي مغربها، وحجتي عليهم، وهذا تأويل رؤياک.

فقال ذو القرنين: يا إلهي إنک قد ندبتني لامر عظيم لا يقدر قدره غيرک، فأخبرني عن هذه الامة بأي قوة اکابرهم؟ [7] وبأي عدد أغلبهم، وبأية حيلة أکيدهم، وبأي صبر اقاسيهم، وبأي لسان اکلمهم، وکيف لي بأن أعرف لغاتهم، وبأي سمع أعي کلامهم، وبأي بصر أنفذهم وبأي حجة اخاصمهم، وبأي قلب أعقل عنهم، وبأي حکمة ادبر امورهم وبأي حلم اصابرهم، وبأي قسط أعدل فيهم، وبأي معرفة أفضل بينهم، وبأي علم أتقن امورهم، وبأي عقل احصيهم، وبأي جند اقاتلهم؟ فإنه ليس عندي مما ذکرت شيء يا رب، فقوني عليهم فإنک الرب الرحيم الذي لا تکلف نفسا إلا وسعها، ولا تحملها إلا طاقتها.

فأوحي الله جل جلاله إليه أني سأطوقک ما حملتک، وأشرح لک فهمک فتفقه کل شيء، وأشرح لک صدرک فتسمع کل شيء، وأطلق لسانک بکل شيء، وأفتح لک سمعک فتعي کل شيء، وأکشف لک عن بصرک فتنفذ کل شيء واحصي لک [8] فلا يفوتک شيء، وأحفظ عليک فلا يعزب عنک شيء، وأشد [لک] ظهرک فلا يهولک شيء وألبسک الهيبة فلا يروعک شيء، وأسددلک رأيک فتصيب کل شيء، وأسخرلک جسدک فتحسن کل شيء، وأسخرلک النور والظلمة وأجعلها جندين من جنودک النور يهديک، والظلمة تحوطک، وتحوش عليک الامم [9] من ورائک



[ صفحه 65]



فانطلق ذو القرنين برسالة ربه عزوجل، وأيده الله تعالي بما وعده فمر بمغرب الشمس فلا يمر بامة من الامم إلا دعاهم إلي الله عزوجل فإن أجابوه قبل منهم وإن لم يجيبوه أغشاهم الظلمة، فأظلمت مداينهم و قراهم وحصونهم وبيوتهم ومنازلهم، واغشيت أبصارهم، ودخلت في أفواههم وآنافهم وآذانهم وأجوافهم، فلا يزالون فيها متحيرين حتي يستجيبوا لله عزوجل ويعجوا إليه حتي إذا بلغ مغرب الشمس وجد عندها الامة التي ذکرها الله تعالي في کتابه ففعل بهم ما فعل بمن مر به [من] قبلهم حتي فرغ مما بينه وبين المغرب ووجد جمعا وعددا لا يحصيهم إلا الله وبأسا وقوة لا يطيقه إلا الله عزوجل، وألسنة ومختلفة وأهواء متشتتة وقلوبا متفرقة، ثم مشي علي الظلمة ثمانية أيام وثمان ليال وأصحابه ينظرونه حتي انتهي إلي الجبل الذي هو محيط بالارض کلها فإذا هو بملک من الملائکة قابض علي الجبل وهو يقول: سبحان ربي من الان إلي منتهي الدهر، سبحان ربي من أول الدنيا إلي آخرها، سبحان ربي من موضع کفي إلي عرش ربي، سبحان ربي من منتهي الظلمة إلي النور، فلما سمع ذاک ذو القرنين خر ساجدا، فلم يرفع رأسه حتي قواه الله تعالي وأعانه علي النظر إلي ذلک الملک، فقال له الملک: کيف قويت يا ابن آدم علي أن تبلغ إلي هذا الموضع ولم يبلغه أحد من ولد آدم قبلک؟ قال ذو القرنين: قواني علي ذلک الذي قواک علي قبض هذا الجبل وهو محيط بالارض، قال له الملک: صدقت قال له ذو القرنين: فأخبرني عنک أيها الملک؟ قال: إني موکل بهذا الجبل وهو محيط بالارض کلها، ولولا هذا الجبل لانکفأت الارض بأهلها، وليس علي وجه الارض جبل أعظم منه، وهو أول جبل أثبته الله عزوجل، [10] فرأسه ملصق بسماء الدنيا وأسفله في الارض السابعة السفلي وهو محيط بها کالحلقة، وليس علي وجه الارض مدينة إلا ولها عرق ألي



[ صفحه 66]



هذا الجبل، فإذا أراد الله عزوجل أن يزلزل مدينة أوحي إلي فحرکت العرق الذي [متصل] إليها فزلزلها.

فلما أراد ذو القرنين الرجوع قال للملک: أوصني، قال الملک: لا يهمنک رزق غد، ولا تؤخر عمل اليوم لغد، ولا تحزن علي ما فاتک، وعليک بالرفق، ولا تکن جبارا متکبرا.

ثم إن ذا القرنين رجع إلي أصحابه، ثم عطف بهم نحو المشرق يستقرئ ما بينه وبين المشرق من الامم فيفعل بهم مثل ما فعل بأمم المغرب قبلهم حتي إذا فرغ [م‍] ما بين المشرق والمغرب عطف نحو الردم الذي ذکره الله عزوجل في کتابه فإذا هو بامة «لا يکادون يفقهون قولا» وإذا [ما] بينه وبين الردم مشحون من امة يقال لها: يأجوج ومأجوج أشباه البهائم يأکلون ويشربون ويتوالدون وهم ذکور وإناث، وفيهم مشابه من الناس الوجوه والاجساد والخلقة، ولکنهم قد نقصوا في الابدان نقصا شديدا وهم في طول الغلمان، ليس منهم انثي ولا ذکر يجاوز طوله خمسة أشبار، وهم علي مقدار واحد في الخلق والصورة، عراة حفاة لا يغزلون ولا يلبسون ولا يحتذون، عليهم وبر کوبر الابل يواريهم ويسترهم من الحر والبرد، [11] ولکل واحد منهم اذنان أحدهما ذات شعر والاخري ذات وبر، ظاهرهما وباطنهما، ولهم مخالب في موضع الاظفار، وأضراس و أنياب کأضراس السباع وأنيابها. وإذا نام أحدهم افترش إحدي اذنيه و التحف بالاخري فتسعه لحافا، وهم يرزقون تنين البحر [12] في کل عام يقذفه إليهم السحاب فيعيشون به عيشا خصبا ويصلحون عليه ويستمطرونه في إبانه [13] کما يستمطر الناس المطر في إبان المطر، وإذا قذفوا به خصبوا وسمنوا وتوالدوا وکثروا وأکلوا منه حولا کاملا إلي مثله من العام المقبل، ولا يأکلون معه شيئا غيره، وهم لا يحصي عددهم إلا الله عزو جل الذي خلقهم، وإذا أخطأهم التنين قحطوا وأجدبوا وجاعوا وانقطع النسل والولد، وهم يتسافدون کما تتسافد البهائم [14] علي ظهر الطريق وحيث ما التقوا، وإذا أخطأهم التنين جاعوا وساحوا في البلاد، فلا يدعون شيئا أتوا عليه إلا أفسدوه وأکلوه، فهم أشد فسادا فيما أتوا عليه من الارض من الجراد والبرد والافات کلها، وإذا أقبلوا من أرض إلي أرض جلا أهلها عنها وخلوها، وليس يغلبون ولا يدفعون حتي لا يجد أحد من خلق الله تعالي موضعا لقدمه، ولا يخلو للانسان قدر مجلسه، ولا يدري أحد من خلق الله أين أولهم وآخرهم، [15] ولا يستطيع أحد من خلق الله أن ينظر إليهم ولا يدنو منهم نجاسة وقذرا وسوء حلية، فبهذا غلبوا ولهم حس وحنين، [16] إذا أقبلوا إلي الارض يسمع حسهم من مسيرة مائة فرسخ لکثرتهم، کما يسمع حس الريح البعيدة، أو حس المطر البعيد ولهم همهمة إذا وقعوا في البلاد کهمهمة النحل إلا أنه أشد وأعلا صوتا، يملا الارض حتي لا يکاد أحد أن يسمع من أجل ذلک الهميم شيئا، وإذا أقبلوا إلي أرض حاشوا وحوشها کلها وسباعها حتي لا يبقي فيها شيء منها، وذلک لانهم يملؤونها ما بين أقطارها ولا يتخلف وراءهم من ساکن الارض شيء فيه روح إلا اجتلبوه من قبل أنهم أکثر من کل شيء،



[ صفحه 67]



فأمرهم أعجب من العجب وليس منهم أحد إلا وقد عرف متي يموت وذلک من قبل أنه لا يموت منهم ذکر حتي يولد له ألف ولد ولا تموت منهم أنثي حتي تلد ألف ولد، فبذلک عرفوا آجالهم، فإذا ولد ذلک الالف برزوا للموت، وترکوا طلب ما کانوا فيه من المعيشة والحياة، فهذه قصتهم من يوم خلقهم الله عزوجل إلي يوم يفنيهم.

ثم إنهم جعلوا في زمان ذي القرنين يدورون أرضا أرضا من الارضين، وأمة امة من الامم وهم إذا توجهوا لوجه لم يعدلوا عنه أبدا ولا ينصرفون يمينا ولا شمالا ولا يلتفتون.

فلما أحست تلک الامم بهم وسمعوا همهمتهم استغاثوا بذي القرنين وذو القرنين يومئذ نازلا في ناحيتهم فاجتمعوا إليه وقالوا: يا ذا القرنين إنه قذ بلغنا ما آتاک الله من الملک والسلطان، وما ألبسک الله من الهيبة، وما أيدک به من جنود أهل الارض ومن النور والظلمة، وإنا جيران يأجوج ومأجوج، وليس بيننا وبينهم سوي هذه الجبال، وليس لهم إلينا طريق إلا هذين الصدفين ولو ينسلون أجلونا عن بلادنا لکثرتهم حتي لا يکون لنا فيها قرار، وهم خلق من خلق الله کثير فيهم مشابه من الانس وهم أشباه البهائم، يأکلون من العشب، ويفترسون الدواب والوحوش کما تفترسها السباع، ويأکلون حشرات الارض کلها من الحيات والعقارب و کل ذي روح مما خلق الله تعالي، وليس [مما خلق الله] جل جلاله خلق ينموا نماهم وزيادتهم فلانشک أنهم يملؤون الارض ويجلون أهلها منها ويفسدون فيها، ونحن نخشي کل وقت أن يطلع علينا أوائلهم من هذين الجبلين، وقد آتاک الله عزوجل من الحيلة والقوة ما لم يؤت أحدا من العالمين، «فهل نجعل لک خرجا علي أن تجعل بيننا وبينهم سدا، قال ما مکني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينکم وبينهم ردما، آتوني زبر الحديد».



[ صفحه 68]



قالوا: ومن أين لنا من الحديد والنحاس ما يسع هذا العمل الذي تريد أن تعمل قال: إني سأدلکم علي معدن الحديد والنحاس، فضرب لهم في جبلين حتي فتقهما فاستخرج لهم منهما معدنين من الحديد و النحاس، قالوا: فبأي قوة نقطع الحديد والنحاس؟ فاستخرج لهم معدنا آخر من تحت الارض يقال لها: السامور وهو أشد بياضا من الثلج [17] وليس شيء منه يوضع علي شيء إلا ذاب تحته فصنع لهم منه أداة يعملون بها ـ وبه قطع سليمان بن داود عليه السلام أساطين بيت المقدس وصخوره جاءت بها الشياطين من تلک المعادن ـ فجمعوا من ذلک ما اکتفوا به فأوقدوا علي الحديد حتي صنعوا منه زبرا مثال الصخور، فجعل حجارته من حديد، ثم أذاب النحاس فجعله کالطين لتلک الحجارة، ثم بني وقاس ما بين الصدفين فوجده ثلاثة أميال فحفر له أساسا حتي کاد أن يبلغ الماء وجعل عرضه ميلا وجعل حشوه زبر الحديد، وأذاب النحاس فجعله خلال الحديد فجعل طبقة من نحاس واخري من حديد حتي ساوي الردم بطول الصدفين، فصار کأنه برد حبرة من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد، فيأجوج ومأجوج ينتابونه في کل سنة مرة، وذلک أنهم يسيحون في بلادهم حتي إذا وقعوا إلي ذلک الردم حبسهم، فرجعوا يسيحون في بلادهم، فلا يزالون کذلک حتي تقرب الساعة وتجيئ أشراطها فإذا جاء أشراطها وهو قيام القائم عليه السلام فتحه الله عزوجل لهم، وذلک قوله عزوجل «حتي إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من کل حدب ينسلون». [18] .

فلما فرغ ذو القرنين من عمل السد انطلق علي وجهه، فبينما هو يسير وجنوده إذ مر علي شيخ يصلي فوقف عليه بجنوده حتي انصرف من



[ صفحه 69]



صلاته فقالي له ذو القرنين: کيف لم يروعک ما حضرک من الجنود؟ قال: کنت أناجي من هو أکثر جنودا منک وأعز سلطانا وأشد قوة، ولو صرفت وجهي إليک ما أدرکت حاجتي قبله. فقال له ذو القرنين: فهل لک أن تنطلق معي فأواسيک بنفسي وأستعين بک علي بعض أموري؟ قال: نعم إن ضمنت لي أربعا: [19] نعيما لا يزول، وصحة لا سقم فيها، وشبابا لا هرم فيه، وحياة لا موت فيها. فقال له ذو القرنين: أي مخلوق يقدر علي هذه الخصال؟ فقال الشيخ: فاني مع من يقدر علي هذه الخصال [20] ويملکها وإياک.

ثم مر برجل عالم فقال لذي القرنين: أخبرني عن شيئين منذ خلقهما الله تعالي قائمين، وعن شيئين جاريين، وشيئين مختلفين، وشيئين متباغضين؟ فقال ذو القرنين: أما الشيئان القائمان فالسماء والارض، وأما الشيئان الجاريان فالشمس والقمر، وأما الشيئان المختلفان فالليل والنهار، وأما الشيئان المتباغضان فالموت والحياة، فقال: انطلق فإنک عالم.

فانطلق ذو القرنين يسير في البلاد حتي مر بشيخ يقلب جماجم الموتي فوقف عليه بجنوده فقال له: أخبرني أيها الشيخ لاي شئ تقلب هذه الجاجم؟ قال: لا عرف الشريف عن الوضيع فما عرفت، فإني لا قلبها منذ عشرين سنة، فانطلق ذو القرنين وترکه وقال: ما أراک عنيت بهذا أحدا غيري.

فبينما هو يسير إذ وقع إلي الامة العالمة الذين هم من قوم موسي الذين «يهدون بالحق وبه يعدلون» فوجد أمة مقسطة عادلة يقسمون



[ صفحه 70]



بالسوية، ويحکمون بالعدل، ويتواسون ويتراحمون، حالهم واحدة، و کلمتهم واحدة، وقلوبهم مؤتلفة، وطريقتهم مستقيمة، وسيرتهم جميلة، وقبور موتاهم في أفنيتهم وعلي أبواب دورهم وبيوتهم، وليس لبيوتهم أبواب وليس عليهم أمراء، وليس بينهم قضاة، وليس فيهم أغنياء ولا ملوک ولا أشراف ولا يتفاوتون ولا يتفاضلون ولا يختلفون ولا يتنازعون ولا يستبون ولا يقتتلون، ولا تصيبهم الافات.

فلما رأي ذلک من أمرهم ملئ منهم عجبا، فقال: أيها القوم أخبروني خبرکم فإني قد درت الارض شرقها وغربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها ونورها وظلمتها فلم ألق مثلکم، [21] فأخبروني ما بال قبور موتاکم علي أفنيتکم وعلي أبواب بيوتکم؟ قالوا: فعلنا ذلک عمدا لئلا ننسي الموت، ولا يخرج ذکره من قلوبنا.

قال: فما بال بيوتکم ليس عليها أبواب؟ فقالوا: لانه ليس فينا لص ولا ظنين، [22] وليس فينا إلا الامين، قال: فما بالکم ليس عليکم أمراء؟ قالوا: لاننا لانتظالم، قال: فما بالکم ليس بينکم حکام؟ قالوا: لاننا لا نختصم، قال: فما بالکم ليس فيکم ملوک؟ قالوا: لاننا لا نتکاثر، قال: فما بالکم ليس فيکم أشراف؟ قالوا: لاننا لا نتنافس، قال: فما بالکم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون، قالوا: من قبل أنا متواسون متراحمون، قال: فما بالکم لا تتنازعون ولا تختلفون؟ قالوا: من قبل ألفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا، قال: فما بالکم لا تستبون ولا تقتتلون؟ قالوا: من قبل أنا غلبنا طبائعنا بالعزم، وسسنا أنفسنا بالحلم، قال: فما بالکم کلمتکم واحدة وطريقتکم مستقيمة؟ قالوا: من قبل أنا لا



[ صفحه 71]



نتکاذب ولا نتخادع، ولا يغتاب بعضنا بعضا، قال: فأخبروني لم ليس فيکم مسکين ولا فقير؟ قالوا: من قبل أنا نقسم بالسوية، قال: فما بالکم ليس فيکم فظ ولا غليظ؟ قالوا: من قبل الذل والتواضع، قال: فلم جعلکم الله أطول الناس أعمارا؟ قالوا: من قبل أنا نتعاطي الحق ونحکم بالعدل، قال: فما بالکم لا تقحطون؟ قالوا: من قبل أنا لا نغفل عن الاستغفار، قال: فما بالکم لا تحزنون؟ قالوا: من قبل أنا وطنا أنفسنا علي البلاء وحرصنا عليه فعزينا أنفسنا، [23] قال: فما بالکم لا تصيبکم الافات؟ قالوا من قبل أنا لا نتوکل علي غير الله [جل جلاله] ولا نستمطر بالانواء [24] والنجوم، قال: فحدثوني أيها القوم أهکذا وجدتم آباءکم يفعلون؟ قالوا: وجدنا آباءنا يرحمون مسکينهم، ويواسون فقيرهم، ويعفون عمن ظلمهم، ويحسنون إلي من أساء إليهم، ويستغفرون لمسيئهم، ويصلون أرحامهم، ويؤدون أماناتهم، ويصدقون ولا يکذبون، فأصلح الله بذلک أمرهم.

فأقام عندهم ذو القرنين حتي قبض ولم يکن له فيهم عمر، وکان قد بلغه السن، وأدرکه الکبر، وکان عدة ما سار في البلاد من يوم بعثه الله عزوجل إلي يوم قبضه الله خمسمائة عام.



[ صفحه 72]




پاورقي

[1] محمد بن اسحاق هو صاحب السيرة وجده کما في تهذيب التهذيب «يسار» ولکن ضبط في هامش السيرة لابن هشام «بشار».

[2] يزيد بن قيس کان عامله علي الري وهمدان.

[3] في بعض النسخ «وآتاه من کل شيء».

[4] أي علي قدر حاله.

[5] الدهقان: رئيس القرية ومقدم أصحاب الزراعة.

[6] ان قلت: ان ذا القرنين کان قبل ميلاد عيسي عليه السلام بقرون فکيف يصح ذلک القول؟ وقلت ان قلنا انه بعد الميلاد فکيف يلائم قوله في آخر الخبر «وکان عدة ما سار في البلاد من يوم بعثه الله عزوجل إلي يوم قبضه الله خمسمائة عام».

قلنا: الامر في أمثال هذه القصص الغير المنقولة عن المعصوم سهل. وأوردها المصنف ـ رحمه الله ـ طردا للباب نظير الذيول التي تداول في عصرنا في جميع المؤلفات من المؤلفين ولعل المصنف رحمه الله أوردها لاجل المواعظ البالغة التي ذکر في آخرها ولکن اعلم انه (ره) لم يحتج بامثال هذه القصص وجلت ساحته عن الاحتجاج بها، ثم راجع في تحقيق ذي القرنين بحار الانوار ج 12 ص 208 إلي 215 من الطبع الحروفي.

[7] في بعض النسخ «اکاثرهم».

[8] في بعض النسخ «وأحضر لک».

[9] حاش الصيد: جاءه من حواليه لبصرفه إلي الحبالة (القاموس).

[10] في بعض النسخ «أسسه الله عزوجل».

[11] المروي عن أئمتنا عليهم السلام أنهم اقوام وحشية غير متمدنين، بل يعيشون کالبهائم کما جاء في تفسير العياشي عن أبي بصير عن الباقر عليه السلام قال: «لم يعلموا صنعة البيوت» وفي تفسير القمي «لم يعلموا صنعة الثياب». وعن أمير المؤمنين عليه السلام «ورد علي قوم قدأ حرقهم الشمس وغيرت اجسادهم وألوانهم حتي صيرتهم کالظلمة».

[12] التنين نوع من الحيات.

[13] ابانه أي وقته. وفي بعض النسخ «في أيام المطر».

[14] السفاد: النکاح.

[15] في بعض النسخ «کم من أولهم إلي آخرهم».

[16] الحس والحسيس: الصوت الخفي. والحنين: الصوت الجلي.

[17] في بعض النسخ «وهو أشد شئ بياضا». والسامور: الالماس المعروف اليوم کما في بحر الجواهر ولا يذب شيئا بل قطعه.

[18] الکهف: 94 و 95.

[19] في بعض النسخ «أربع خصال».

[20] في بعض النسخ «فان معي من يقدر عليها».

[21] في بعض النسخ «فلم أر مثلکم».

[22] في بعض النسخ «ليس فينا لص ولا خائن».

[23] عزي تعزية ـ الرجل ـ: سلاء.

[24] النوء: النجم جمعه أنواء. والانواء ثمان وعشرون منزلة، ينزل القمر کل ليلة في منزلة منها ويسقط في الغرب کل ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر وتطلع اخري مقابلها ذلک الوقت في الشرق فتنقضي جميعها مع انقضاء السنة وکانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يکون مطر، وينسبونه إليها، فيقولون: مطرنا بنوء کذا. وانما سمي نوءا لانه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق. وينوء نوءا أي نهض وطلع (النهاية).