بازگشت

ذکر کلام هشام بن الحکم في هذا المجلس وما آل إليه أمره


حدثنا أحمد بن زياد الهمداني، والحسين بن إبراهيم بن ناتانه رضي الله عنهما قالا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد ابن أبي عمير قال: أخبرني علي الاسواري قال: کان ليحيي بن خالد مجلس في داره يحضره المتکلمون من کل فرقة وملة يوم الاحد، فيتناظرون في أديانهم، يحتج بعضهم علي بعض، فبلغ ذلک الرشيد، فقال ليحيي بن خالد: يا عباسي ما هذا المجلس الذي بلغني في منزلک يحضره المتکلمون؟ قال: يا أمير المؤمنين ما شيء مما رفعني به أمير المؤمنين وبلغ بي من الکرامة والرفعة أحسن موقعا عندي من هذا المجلس، فانه يحضره کل قوم مع اختلاف مذاهبهم، فيحتج بعضهم علي بعض ويعرف المحق منهم، ويتبين لنا فساد کل مذهب من مذاهبهم.

فقال له الرشيد: أنا احب أن أحضر هذا المجلس وأسمع کلامهم علي أن لا يعلموا بحضوري فيحتشموني ولا يظهروا مذاهبهم، قال: ذلک إلي أمير المؤمنين متي شاء، قال: فضع يدک علي رأسي أن لا تعلمهم بحضوري، ففعل (ذلک) وبلغ الخبر المعتزلة، فتشاوروا بينهم وعزموا علي أن لا يکلموا هشاما إلا في الامامة لعلمهم بمذهب الرشيد وإنکاره علي من قال بالامامة. قال: فحضروا، وحضر هشام، وحضر عبد الله بن يزيد



[ صفحه 30]



الاباضي وکان من أصدق الناس [1] لهشام بن الحکم، وکان يشارکه في التجارة، [2] فلما دخل هشام سلم علي عبد الله بن يزيد من بينهم، فقال يحيي بن خالد لعبد الله بن يزيد: يا عبد الله کلم هشاما فيما اختلفتم فيه من الامامة.

فقال هشام: أيها الوزير ليس لهم علينا جواب ولا مسألة إن هؤلاء قوم کانوا مجتمعين معنا علي إمامة رجل، ثم فارقونا بلا علم ولا معرفة، فلا حين کانوا معنا عرفوا الحق، ولا حين فارقونا علموا علي ما فارقونا، فليس لهم علينا مسألة ولا جواب.

فقال بيان [3] ـ وکان من الحرورية ـ: أنا أسألک يا هشام، أخبرني عن أصحاب علي يوم حکموا الحکمين أکانوا مؤمنين أم کافرين؟ قال هشام: کانوا ثلاثة أصناف: صنف مؤمنون، وصنف مشرکون، و صنف ضلال، فأما المؤمنون فمن قال مثل قولي: إن عليا عليه السلام إمام من عند الله عزوجل. ومعاوية لا يصلح لها، فآمنوا بما قال الله عزوجل في علي عليه السلام وأقروا به.

وأما المشرکون فقوم قالوا: علي إمام، ومعاوية يصلح لها، فأشرکوا إذ أدخلوا معاوية مع علي عليه السلام.

وأما الضلال: فقوم خرجوا علي الحمية والعصبية للقبائل والعشائر [ف‍ـ] لم يعرفوا شيئا من هذا وهم جهال. قال: فأصحاب معاوية ما کانوا؟ قال: کانوا ثلاثة أصناف: صنف کافرون، وصنف مشرکون، وصنف ضلال.



[ صفحه 31]



فأما الکافرون: فالذين قالوا: إن معاوية إمام، وعلي لا يصلح لها، فکفروا من جهتين إذ جحدوا إماما من الله عزوجل، ونصبوا إماما ليس من الله.

وأما المشرکون: فقوم قالوا: معاوية إمام، وعلي يصلح لها، فأشرکوا معاوية مع علي عليه السلام.

وأما الضلال: فعلي سبيل اولئک خرجوا للحمية والعصبية للقبائل والعشائر. فانقطع بيان عند ذلک.

فقال ضرار: وأنا أسألک يا هشام في هذا؟ فقال هشام: أخطأت قال: ولم؟ قال: لانکم کلکم مجتمعون علي دفع إمامة صاحبي، وقد سألني هذا عن مسألة وليس لکم أن تثنوا بالمسألة علي حتي أسألک يا ضرار عن مذهبک في هذا الباب؟ قال ضرار: فسل، قال: أتقول: إن الله عزوجل عدل لا يجور؟ قال: نعم هو عدل لا يجور تبارک وتعالي، قال: فلو کلف الله المقعد المشي إلي المساجد والجهاد في سبيل الله، وکلف الاعمي قراءة المصاحف والکتب أتراه کان يکون عادلا أم جائرا؟ قال ضرار: ما کان الله ليفعل ذلک، قال هشام: قد علمت أن الله لا يفعل ذلک ولکن ذلک علي سبيل الجدل والخصومة، أن لو فعل ذلک أليس کان في فعله جائرا إذ کلفه تکليفا لا يکون له السبيل إلي إقامته وأدائه؟ قال: لو فعل ذلک لکان جائزا.

قال: فأخبرني عن الله عزوجل کلف العباد دينا واحدا لا اختلاف فيه لا يقبل منهم إلا أن يأتوا به کما کلفهم؟ قال: بلي، قال: فجعل لهم دليلا علي وجود ذلک الدين، أو کلفهم مالا دليل لهم علي وجوده فيکون بمنزلة من کلف الاعمي قراءة الکتب والمعقد المشي إلي المساجد والجهاد قال: فسکت ضرار ساعة، ثم قال: لا بد من دليل وليس بصاحبک، قال:



[ صفحه 32]



فتبسم هشام وقال: تشيع شطرک [4] وصرت إلي الحق ضرورة ولا خلاف بيني وبينک إلا في التسمية، قال ضرار: فإني أرجع القول عليک في هذا، قال: هات، قال ضرار لهشام: کيف تعقد الامامة؟ قال هشام: کما عقد الله عزوجل النبوة، قال: فهو إذا نبي، قال هشام: لا لان النبوة يعقدها أهل السماء، والامامة يعقدها أهل الارض، فعقد النبوة بالملائکة، و عقد الامامة بالنبي [5] والعقدان جميعا بأمر الله جل جلاله، قال: فما الدليل علي ذلک؟ قال هشام: الاضطرار في هذا، قال ضرار: وکيف ذلک؟ قال هشام: لا يخلو الکلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه: إما أن يکون الله عزوجل رفع التکليف عن الخلق بعد الرسول صلي الله عليه وآله، فلم يکلفهم ولم يأمرهم ولم ينههم فصاروا بمنزلة السباع والبهائم التي لا تکليف عليها، أفتقول هذا يا ضرار إن التکليف عن الناس مرفوع بعد الرسول صلي الله عليه وآله؟ قال: لا أقول هذا، قال هشام: فالوجه الثاني ينبغي أن يکون الناس المکلفون [6] قد استحالوا بعد الرسول صلي الله عليه وآله علماء في مثل حد الرسول في العلم حتي لا يحتاج أحد إلي أحد، فيکونوا کلهم قد استغنوا بأنفسهم، وأصابوا الحق الذي لا اختلاف فيه، أفتقول هذا إن الناس استحالوا علماء حتي صاروا في مثل حد الرسول في العلم بالدين حتي لا يحتاج أحد إلي أحد مستغنين بأنفسهم عن غيرهم في إصابة الحق؟ قال: لا أقول هذا ولکنهم يحتاجون إلي غيرهم.

قال: فبقي الوجه الثالث وهو أنه لا بد لهم من عالم يقيمه



[ صفحه 33]



الرسول لهم لا يسهو ولا يغلط ولا يحيف، معصوم من الذنوب، مبرء، من الخطايا، يحتاج [الناس] إليه ولا يحتاج إلي أحد، قال: فما الدليل عليه؟ قال هشام: ثمان دلالات أربع في نعت نسبه، وأربع في نعت نفسه.

فأما الاربع التي في نعت نسبه: فإنه يکون معروف الجنس، معروف القبيلة، معروف البيت، وأن يکون من صالب الملة والدعوة إليه إشارة، فلم ير جنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب الذين منهم صاحب الملة والدعوة الذي ينادي باسمه في کل يوم خمس مرات علي الصوامع «أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله» فتصل دعوته إلي کل بر وفاجر وعالم وجاهل، مقر ومنکر، في شرق الارض وغربها ولو جاز أن تکون الحجة من الله علي هذا الخلق في غير هذا الجنس لاتي علي الطالب المرتاد دهر من عصره لا يجده، ولجاز أن يطلبه في أجناس من هذا الخلق من العجم وغيرهم، ولکان من حيث أراد الله عز وجل أن يکون صلاح يکون فساد ولا يجوز هذا في حکمة الله جل وجلاله وعدله أن يفرض علي الناس فريضة لا توجد، فلما لم يجز ذلک لم يجز أن يکون إلا في هذا الجنس لا تصاليه بصاحب الملة والدعوة، فلم يجز أن يکون من هذا الجنس إلا في هذه القبيلة لقرب نسبها من صاحب الملة وهي قريش، ولما لم يجز أن يکون من هذا الجنس إلا في هذه القبيلة لم يجز أن يکون من هذه القبيلة إلا في هذا البيت لقرب نسبه من صاحب الملة و الدعوة، ولما کثر أهل هذا البيت وتشاجروا في الامامة لعلوها وشرفها ادعاها کل واحد منهم فلم يجز إلا أن يکون من صاحب الملة والدعوة إشارة إليه بعينه واسمه ونسبه کيلا يطمع فيها غيره.

وأما الاربع التي في نعت نفسه: فأن يکون أعلم الناس کلهم بفرائض الله وسننه وأحکامه حتي لا يخفي عليه منها دقيق ولا جليل، وأن



[ صفحه 34]



يکون معصوما من الذنوب کلها، وأن يکون أشجع الناس، وأن يکون أسخي الناس.

فقال عبد الله بن يزيد الاباضي: من أين قلت: إنه أعلم الناس؟ قال: لانه إن لم يکن عالما بجميع حدود الله وأحکامه وشرائعه وسننه لم يؤمن عليه أن يقلب الحدود، فمن وجب عليه القطع حده، ومن وجب عليه الحد قطعه، فلا يقيم لله عزوجل حدا علي ما أمر به فيکون من حيث أراد الله صلاحا يقع فسادا.

قال: فمن أين قلت: إنه معصوم من الذنوب؟ قال لانه إن لم يکن معصوما من الذنوب دخل في الخطأ، فلا يؤمن أن يکتم علي نفسه ويکتم علي حميمه وقريبه، ولا يحتج الله بمثل هذا علي خلقه.

قال: فمن أين قلت: إنه أشجع الناس، قال: لانه فئة للمسلمين الذي يرجعون إليه في الحروب، وقال الله عزوجل: «ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلي فئة فقد باء بغضب من الله» [7] فإن لم يکن شجاعا فر فيبوء بغضب من الله، ولا يجوز أن يکون من يبوء بغضب من الله عزوجل حجة الله علي خلقه.

قال: [ف‍ـ] من أين قلت إنه أسخي الناس؟ قال: لانه خازن المسلمين فإن لم يکن سخيا تاقت نفسه إلي أموالهم [8] فأخذها فکان خائنا، و لا يجوز أن يحتج الله علي خلقه بخائن.

فعند ذلک قال ضرار: فمن هذا بهذه الصفة في هذا الوقت؟ فقال: صاحب القصر أمير المؤمنين. وکان هارون الرشيد قد سمع الکلام کله، فقال عند ذلک: أعطانا والله من جراب النورة، ويحک يا جعفر ـ وکان جعفر بن يحيي جالسا معه في الستر ـ من يعني بهذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين يعني



[ صفحه 35]



به موسي بن جفعر، قال: ما عني بها غير أهلها، [9] ثم عض علي شفتيه وقال: مثل هذا حي ويبقي لي ملکي ساعة واحدة؟! فو الله للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مائة ألف سيف، وعلم يحيي أن هشاما قد اني [10] فدخل الستر فقال: يا عباسي ويحک من هذا الرجال فقال: يا أمير المؤمنين حسبک تکفي تکفي، ثم خرج إلي هشام فغمزه، فلم هشام أنه قد اتي فقام يريهم أنه يبول أو يقضي حاجة فلبس نعليه وانسل ومر ببيته وأمرهم بالتواري وهرب ومر من فوره نحو الکوفة فوافي الکوفة ونزل علي بشير النبال ـ وکان من حملة الحديث من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام ـ فأخبره الخبر، ثم اعتل علة شديدة فقال له البشير: آتيک بطبيب؟ قال: لا أنا ميت، فلما حضره الموت قال لبشير: إذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف الليل وضعني بالکناسة واکتب رقعة وقل: هذا هشام بن الحکم الذي يطلبه أمير المؤمنين، مات حتف أنفه.

وکان هارون قد بعث إلي إخوانه وأصحابه فأخذ الخلق به، فلما أصبح أهل الکوفة رأوه، وحضر القاضي وصاحب المعونة والعامل و المعدلون بالکوفة، وکتب إلي الرشيد بذلک، فقال: الحمد لله الذي کفانا أمره فخلي عمن کان اخذ به.

6 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال: حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبي أحمد محمد بن زياد الازدي قال: سألت سيدي موسي بن جعفر عليهما السلام عن قول الله عزوجل: «وأسبغ عليکم نعمه ظاهرة وباطنة» [11] فقال عليه السلام: النعمة الظاهرة الامام الظاهر، والباطنة الامام الغائب، فقلت له: ويکون في الائمة من يغيب؟ قال: نعم يغيب عن أبصار الناس شخصه، ولا يغيب عن



[ صفحه 36]



قلوب المؤمنين ذکره، وهو الثاني عشر منا، يسهل الله له کل عسير، ويذلل له کل صعب، ويظهر له کنوز الارض، ويقرب له کل بعيد، ويبير به کل جبار عنيد [12] ويهلک علي يده کل شيطان مريد، ذلک ابن سيدة الاماء الذي تخفي علي الناس ولادته، ولا يحل لهم تسميته حتي يظهره الله عزوجل فيملا الارض قسطا وعدلا کما ملئت جورا وظلما. [13] .

قال مصنف هذا الکتاب رضي الله عنه: لم أسمع هذا الحديث إلا من أحمد بن زياد ابن جعفر الهمداني رضي الله عنه بهمدان عند منصر في من حج بيت الله الحرام، وکان رجلا ثقة دينا فاضلا رحمة الله عليه ورضوانه.



[ صفحه 37]




پاورقي

[1] من الصداقة. والاباض ـ بکسر الهمزة ـ ومنه الاباضية فرقة من الخوارج أصحاب عبد الله بن اباض التميمي. (الصحاح).

[2] في بعض النسخ «في المحاورة».

[3] في بعض النسخ «بنان» وکذا فيما يأتي.

[4] أي بعضک، ولعل المراد به لسانه حيث أقر بوجود الدليل.

[5] في بعض النسخ «الا أن النبوة تعقد بالملائکة والامامة تعقد بالنبي».

[6] صفة للناس. و «استحالوا» أي تحولوا علماء لا يحتاجون إلي علمه صلي الله عليه وآله بعد أن يکون في زمان الرسول يحتاجون إليه في دينهم.

[7] الانفال: 16.

[8] أي اشتاقت ونازعت نفسه إليه.

[9] أي ما عني بقوله «أمير المؤمنين» الا من هو أمير المؤمنين عنده.

[10] يعني وقع في الهلکة.

[11] لقمان: 20.

[12] اباره الله: أهلکه. وفي بعض النسخ «يتبر» والتبر: الکسر والاهلاک کالتتبير وفي بعض النسخ «يفني به».

[13] في هامش بعض النسخ المخطوطة هکذا: «الذي ادعاه المصنف فيما تقدم من النهي عن ذکر اسمه عليه السلام يقويه ويؤيده هذا الحديث ولا فالروايات التي ذکرها في هذه الابواب عن الائمة عليهم السلام في النهي عن ذکر اسمه عليه السلام يمکن أن يحمل النهي فيها علي قبل الغيبة في زمان العباسية دون عصرنا هذا لان التقية کانت في ذلک الزمان أشد من هذا العصر. وانما قلنا «يمکن أن يحمل النهي علي قبل غيبته عليه السلام» لان النهي لا يخلو من وجهين اما خوفا علي الامام وهو مفقود في هذا العصر اذلا يقدر احد أن يظفر به، واما خوفا علي القائل الذاکر باسمه وهذا أيضا منتف إذ لا يتصور الضرر من مخالفي هذا العصر ولا التعرض به لانه لو کان أحد ينادي في الاسواق باعلي صوته يا محمد بن الحسن لا يري أحد من المخالفين أنه سمع اسمه ويعرفه حتي يؤذي قائله وإذا کان کذلک فلم لا يجوز للمؤمنين أن يسموه ويتبرکوا ويتشرفوا بذکر اسمه (ع). وأما قبل غيبته الکبري کان الضرر متصورا، لکن هذه الرواية تأبي ذلک والله أعلم».