اللهم أنجز
الأمالي، محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه الصدوق عن محمد بن عثمان بن سعيد العمري - ثاني النواب الأربعة - إنه رآه في بيت الله وهو يقول:...
اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم انتقم لي من أعدائي [1] .
پاورقي
[1] يلاحظ أن هذه الجملة تتکرر في أدعية الإمام المهدي، کما يوصف في جملة من الأحاديث المبشرة به بأن الله ينتقم به من أعدائه.
س: من أين وجدت عقدة الانتقام في نفوس الشيعة؟
ج: التاريخ يکشف أن جميع أئمة أهل البيت وأکثر قادة الشيعة وکثير من أفراد الشيعة قتلوا، وأن التشيع کان ولا يزل محارباً لسببين: الأول: إنه يمثل عنفوان الحق، والحق مر لأنه لا يحابي ولا يساوم. والثاني: أنه يجسد قمة الإسلام في أصالة الفکر وشمول الثقافة. وکل قمة محسودة.
فأمّن التشيع الثروة العاطفية للإسلام، کما أمّن القرآن والسنة الثروة الفکرية للإسلام. ولذلک وجدت عقدة الانتقام لدي الشيعة.
س: ولماذا الترکيز علي الانتقام في کل البشائر والدعوات التي تتعلق بالإمام المهدي؟
ج: من جملة تضحيات أهل البيت في سبيل الإسلام، أنهم لم يندفعوا نحو الانتقام ولم يدفعوا شيعتهم إلي الانتقام، ليبقي الإسلام غنياً بالعاطفة کما هو غني بالفکر، لأن هذا البشر الهائج المائع لا يأخذ کله بالفکر، فلا بد من أخذ بعضه بالفکر وأخذ بعضه بالعاطفة، فإذا جاءت دولة الحق وتکاملت عقول الناس علي يد الإمام المهدي بحيث أصبحت الرقابة الفکرية کافية لشد الجماهير بمصالحها الحقيقية التي تتمثل في الالتزام بالقيم. استغني الإسلام عن العاطفة بالفکر، وحکم الإمام المهدي السکين في المفصل.
فأئمة أهل البيت کانوا يرکزون علي أن الإمام المهدي ينتقم من أعداء الله، لينفسوا عقدة الانتقام المستفحلة في نفوس الشيعة.
ولا بد هنا من التوقف عند نقطتين:
الأولي: يزعم بعض المغرورين أن أئمة أهل البيت لم يندفعوا نحو الانتقام ولم يدفعوا شيعتهم إلي الانتقام، لأنهم لم يکونوا قادرين عليه.
ولکن الذي يدرس أئمة أهل البيت يعرف أنهم کانوا قادرين علي الانتقام ورفضوه بمحض إرادتهم.
مضافاً إلي إنه لم يترکوا في تراثهم أي توجيه إلي الانتقام، رغم إنهم بنظراتهم الثاقبة کانوا يستطلعون مستقبلاً مشرقاً للشيعة کما قالت السيدة زينب الکبري للإمام زين العابدين في اليوم الحادي عشر من المحرم لما مروا بأساري آل الرسول علي مصارع قتلاهم، وکاد الإمام زين العابدين يجود بنفسه لما رأي جثث الحسين وأصحابه علي التراب: (ما لي أراک تجود بنفسک يا بقية جدي وأبي وأخوتي. فوالله إن هذا العهد من الله إلي جدک وأبيک، ولقد أخذ الله ميثاق أناس لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض وهم معروفون في أهل السماوات، إنهم يجمعون هذه الأعضاء المقطعة والجسوم المضرجة فيوارونها، وينصبون بهذا الطف علماً لقبر أبيک سيد الشهداء، لا يدرس أثره، ولا يمحي رسمه علي کرور الليالي والأيام. وليجهدن أئمة الکفر وأشياع الضلال في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا علواً) کامل الزيارات ص261.
وأمثال هذا المعني يتردد في أحاديث أهل البيت، وکان باستطاعتهم أن يضمنوا أحاديثهم أي توجيه انتقامي يعمل به الشيعة عندما تستتب لهم الأمور، ولکنهم لم يفعلوا، ولذلک قامت دول عديدة للشيعة في آسيا وأفريقيا فلم ينزلوا المجازر بخصومهم عندما انتصروا، وتحملوا المجازر کلما هزموا، فکانوا - عبر التاريخ - کما قالت السيدة فاطمة الصغري بنت الحسين لأهل الکوفة:
ملکنا فکان العفو منا سجية
فلما ملکتم سال بالدم أبطح
فحسبکموا هذا التفاوت بيننا
وکل إناء بالذي فيه ينضح
الثانية: إن التأکيد علي أن الإمام المهدي ينتقم من أعداء الله قد يوحي إلي بعض الناس: أنه سيقتل عشرات الملايين أو مئات الملايين من الناس عندما يظهر، خاصة وأنه لا يظهر إلا بعد أن تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً، فيصبح کل أناس ظالماً أو مظلوماً، أو ظالماً ومظلوماً في آن واحد. وتطهير الأرض - في مثل هذه الحالة - لا يتم إلا بإبادة الملايين.
ولکن الذي يدرس حياة الإمام المهدي بعد الظهور يفاجأ بخلاف ذلک، فالخط القتالي للإمام المهدي يبدأ بالحجاز ويمر بدمشق وفلسطين وينتهي بالکوفة في جنوب العراق. ثم تستسلم له حکومات الدنيا، ومن الواضح عسکرياً أن هذا الخط القصير لا يتحمل الکثير من الضحايا. مضافاً إلي أن الانتقام من أعداء الله ليس بالقتل فقط، وإنما بإزاحتهم عن السلطات في العالم، وإبطال مبادئهم، ولعل الثاني هو الانتقام العميق الصحيح في حضارة الإمام المهدي.