بازگشت

جعفر التواب


الاحتجاج، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي ج2ص 279 - 280: عن سعد بن عبد الله الاشعري، عن الشيخ الصدوق، أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري (رحمه الله): أنه جاء بعض أصحابنا يعلمه أن جعفر بن علي کتب إليه کتاباً يعرفه نفسه، ويعلمه أنه القيم بعد أخيه، وإن عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه، وغير ذلک من العلوم کلها.

قال أحمد بن إسحاق: فلما قرأت الکتاب إلي صاحب الزمان (عليه السلام) وصيرت کتاب جعفر في درجة، فخرج إلي الجواب في ذلک:...

بسم الله الرحمن الرحيم أتاني کتابک - أبقاک الله - والکتاب الذي أنفذت في درجه [1] وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمنه علي اختلاف ألفاظه، وتکرر الخطأ فيه، ولو تدبرته لوقفت علي بعض ما وقفت عليه منه [2] .

والحمد لله رب العالمين حمداً لا شريک له [3] علي إحسانه إلينا وفضله علينا [4] .

أبي الله عز وجل للحق إلا إتماماً، وللباطل إلا زهوقاً، وهو شاهد عليّ بما أذکره، ولي عليکم بما أقول له [5] إذا اجتمعنا لليوم الذي لا ريب فيه، ويسألنا عمّا نحن فيه مختلفون.

وإنه لم يجعل لصاحب الکتاب [6] علي المکتوب إليه ولا عليک ولا علي أحد من الخلق جميعاً إمامة مفترضة، ولا طاعة ولا ذمة، [7] وسأبين لکم جملة تکتفون بها إن شاء الله.

يا هذا يرحمک الله؛ إن الله تعالي لم يخلق الخلق عبثاً، ولا أهملهم سدي، بل خلقهم بقدرته، وجعل لهم أسماعاً وأبصاراً وقلوباً وألباباً، ثم بعث إليهم النبيين (عليهم السلام) مبشرين ومنذرين، يأمرونهم بطاعته وينهونهم عن معصيته، ويعرّفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم، وأنزل عليهم کتاباً وبعث إليهم ملائکة، وباين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم، وما أتاهم الله من الدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة، والآيات الغالبة.

فمنهم: من جعل النار عليه برداً وسلاماً واتخذه خليلاً.

ومنهم: من کلمه تکليماً وجعل عصاه ثعباناً مبيناً.

ومنهم: من أحيي الموتي بإذن الله وأبرأ الأکمه والأبرص بإذن الله.

ومنهم: من علّمه منطق الطير، وأوتي من کل شيء [8] .

ثم بعث محمداً (صلي الله عليه وآله) رحمة للعالمين وتمم به نعمته، وختم به أنبيائه، وأرسله إلي الناس کافة، وأظهر من صدقه ما أظهر، وبيّن من آياته وعلاماته ما بيّن، ثم قبضه (صلّي الله عليه وآله) حميداً فقيداً سعيداً، وجعل الأمر من بعده علي أخيه وابن عمه ووصيه ووارثه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم إلي الأوصياء من ولده واحداً بعد واحد، أحيي بهم دينه، وأتم بهم نوره، [9] وجعل بينهم وبين أخوتهم وبني عمهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقاً (فرقاناً) بيّناً، تعرف به الحجة من المحجوج، والإمام من المأموم بأن: عصمهم من الذنوب، وبرّأهم من العيوب، وطهّرهم من الدنس، ونزّههم من اللبس، وجعلهم خزّان علمه، ومستودع حکمته، وموضع سره، وأيدهم بالدلائل. [10] ولولا ذلک لکان الناس علي سواء، ولادّعي أمر الله عز وجل کل أحد، (واحد).

ولَمَا عُرف الحق من الباطل، ولا العلم من الجهل، (العالم من الجاهل).

وقد ادّعي هذا المبطل المدعي علي الله الکذب بما ادّعاه، فلا أدري بأية حالة هي له، رجا أن يتم دعواه؟ بفقه في دين الله؟؛ فوالله ما يعرف حلالاً من حرام ولا محکماً من متشابه، ولا يعرف حد الصلاة ووقتها. أم بورع؟؛ فالله شهيد علي ترکه الصلاة (الفريضة) أربعين يوماً، يزعم ذلک لطلب الشعوذة، ولعل خبره تأدّي إليکم، وهاتيک ظروف مسکرة منصوبة، وآثار عصيانه لله عز وجل مشهورة وقائمة. أم بآية؟؛ فليأت بها. أم بحجة؟؛ فليقمها. أم بدلالة؟؛ فليذکرها.

قال الله عز وجل في کتابه: (بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الکتاب من الله العزيز الحکيم ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمي والذين کفروا عما أنذروا معرضون قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرک في السماوات ائتوني بکتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن کنتم صادقين ومن أضلّ ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلي يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس کانوا لهم أعداءً وکانوا بعبادتهم کافرين) [11] .

فالتمس - تولي الله توفيقک - من هذا الظالم ما ذکرت لک [12] وامتحنه واسأله: عن آية من کتاب الله يفسرها، أو صلاة يبيّن حدودها وما يجب فيها، لتعلم حاله ومقداره، ويظهر لک عواره [13] ونقصانه والله حسيبه.

حفظ الله الحق علي أهله، وأقره في مستقره [14] وقد أبي الله عز وجل أن تکون الإمامة في أخوين إلا الحسن والحسين [15] وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحق، واضمحلّ الباطل.

وانحسر عنکم، وإلي الله أرغب في الکفاية، وجميل الصنع والولاية، وحسبنا الله ونعم الوکيل، وصلي الله علي محمد وآل محمد.


پاورقي

[1] درج الشيء في الشيء: أدخله فيه، وضمنه إياه.

[2] وهذا النص يدل علي مدي اهتمام الإمام عجل الله فرجه بأوضاع شيعته، حتي يهيب بأحدهم أن لا تکون في رسالته أخطاء.

[3] إذ لا شريک له في العطاء حتي يشارکه في الحمد.

[4] علي إحسانه متعلق بـ(الحمد لله) أي الحمد لله علي إحسانه وفضله.

[5] فالله شاهد علي بما أذکره ويحاسبني إن تجاوزت الحق، وشاهد عليکم بما أقوله إن لم تأخذوا به.

[6] وهو جعفر التواب.

[7] الذمة: الحرمة. وقيل: ما يجب أن يحفظ ويحمي. وقيل: الذمة: التذمم ممن لا عهد له، وهو أن يلزم الإنسان نفسه حقاً يجري مجري المعاهدة من غير معاهدة. والمعني أنه ليس له أي حق وفضل عليکم.

[8] يقصد بالأول إبراهيم الخليل. وبالثاني موسي بن عمران. وبالثالث عيسي ابن مريم. وبالرابع سليمان بن داوود.

[9] يحاول الإمام المهدي (عليه السلام) من خلال هذه المقدمة إيضاح إحدي الحقائق الکبري التي قل من يحاول تفهمها واستيعابها، وهي أن اختيار الله تعالي لأنبيائه وأوصيائهم لم تکن عملية ارتجالية أو عفوية تعتمد علي مجرد طيبة قلب وطهارة مسلک، فإن الله لا يختار للقيادة التشريعية - التي هي أهم من القيادة التکوينية - أفراداً لأنهم طيبون فحسب، وإنما يختار لها أصلح خلقه من جميع الجهات الخلقية والنفسية.

وتتم عملية الاختيار هذه بمقاييس السماء التي لا تخطئ ولا تحابي. کما لا تخطئ ولا تحابي في سائر العمليات الکونية.

وقد أوضح النبي (صلّي الله عليه وآله) هذه الحقيقة في قولته الشهيرة للإمام علي (عليه السلام): (يا علي! إن الله اطلع علي الأرض اطلاعة فاختارني منها...).

وهذا يعني أن الله يختار خير أهل کل زمان لرسالته إليهم، واختار خير الخلق - علي الإطلاق - لرسالته الکبري إليهم. حتي لو لم تکن الرسالات لکان الأنبياء ثم أوصيائهم أعلي القمم البشرية، ولکان الرسول الأکرم (صلّي الله عليه وآله) أعلي القمم البشرية علي الإطلاق.

فقضية الإمامة ليست قضية منصب يمکن أن يفوز به من هو أشد سعياً إليه، وإنما هي قضية تفوق في المواهب والمؤهلات التي يتم تقييمها بمعادلات السماء بعيداً عن أجواء المساعي والتزاحمات التي يمکن أن تؤثر علي حرکة المناصب في الأرض.

[10] ومن خلال هذا النص يبين مظاهر ذلک التفوق الذي أدي إلي اختيارهم، ويلخصها في ستة في:

الأول: أنهم معصومون من الذنوب لا يرتکبون مخالفة دينية طيلة حياتهم مهما تقلبت بهم الظروف وعصفت بهم الأزمات.

الثاني: أنهم يتمتعون بالکمال الجسماني، فلا يشکون من نقص ولا عاهة.

الثالث: أنهم يمتازون بشموخ الآباء وطهارة الأمهات، فهم منزهون من شرک الآباء وعهر الأمهات.

الرابع: أنهم لا يخطئون في شيء، فلا يصدر منهم خطأ، ولا يتورطون في خطأ.

الخامس: أنهم أعلم الناس وأحکم الناس علي الإطلاق.

السادس: أنهم مؤيدون بالمعجزات التي تثبت أنهم يتعاملون مع القوي الماورائية التي لا تتوصل إليها علوم البشر إلا بواسطتهم. وقد أثبت التاريخ أنهم جميعاً - کانوا في هذا المستوي.

[11] سورة الأحقاف، الآيات 1-7.

[12] أي اطلب منه أن يأتيک بآية أو بحجة أو بدلالة علي إمامته.

[13] العوار: العيب.

[14] أي في محله الواقعي، ومحله في هذه المناسبة هو الإمام المهدي.

[15] فلا تکون في الحسن العسکري وفي أخيه جعفر.