بازگشت

نسخة التوقيع باليد العليا علي صاحبها السلام


الإمام المهدي کان يضع توقيعه المدرج من الألقاب، ولکن الشيخ المفيد حيث استنسخ رسالة الإمام ليطلع عليها الثقات من المؤمنين، کتب مکان التوقيع: (نسخة التوقيع باليد العليا علي صاحبها السلام)، وهو يقصد بـ(اليد العليا) يد الإمام عليه السلام.

هذا کتابنا إليک، أيّها الأخ الوليّ والمخلص في ودنا الصّفيّ. والناصر لنا الوفيّ، حرسک الله بعينه التي لا تنام، فاحتفظ به، ولا تظهر علي خطنا الذي سطرناه، ولا بما فيه ضمناه أحداً [1] وأدّ ما فيه إلي من تسکن إليه. وأوص جماعتهم بالعمل عليه، إن شاء الله، وصلي الله علي محمد وآله الطاهرين [2] .

رسالة ثانية للشيخ المفيد [3] .

من عبد الله المرابط في سبيله، إلي ملهم الحقّ ودليله [4] .

بسم الله الرحمن الرحيم. سلام الله عليک أيّها الناصر للحقّ، الدّاعي إليه بکلمة الصّدق.

فإنّنا نحمد الله إليک الذي لا إله إلاّ هو إلهنا وإله آبائنا الأوّليين، ونسأله الصلاة علي سيّدنا ومولانا محمّد خاتم النبيّين وعلي أهل بيته الطاهرين.

وبعد. فقد کنّا نظرنا مناجاتک عصمک الله بالسبب الذي وهبه الله لک من أوليائه، وحرسک به من کيد أعدائه وشفعنا ذلک [5] الآن من مستقرّ لنا ينصبّ في شمراخ من بهماء [6] صرنا إليه آنفاً من غماليل [7] ألجأنا إليه السباريت [8] من الأيمان [9] ويوشک أن يکون هبوطنا إلي ضحضح [10] من غير بعد من الدهر، ولا تطاول من الزمان، ويأتيک نبأ منّا بما يتحدّد لنا من حال [11] فتعرف بذلک ما يعتمد (نعتمده) من الزلفة إلينا بالأعمال، والله موفّقک لذلک برحمته.

فلتکن - حرسک الله بعينه التي لا تنام - أن تقابل بذلک فتنة تبسل نفوس قومٍ حرثت باطلاً لاسترهاب المبطلين [12] يبتهج لدمارها المؤمنون، ويحزن لذلک المجرمون.

وآية حرکتنا من هذه اللوثة [13] حادثة بالحرم المعظّم، من رجس منافق مذمّم، ستحلّ للدم المحرّم، يعمد بکيده أهل الإيمان، ولا يبلغ بذلک غرضه من الظلم والعدوان، لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملک الأرض والسماء [14] فلتطمئنّ بذلک من أوليائنا القلوب، وليتّقوا بالکفاية منه وإن راعتهم بهم الخطوب، والعاقبة - بجميل صنع الله سبحانه - تکون حميدة ما اجتنوا المنهي عنه من الذنوب.

ونحن نعهد إليک أيّها الوليّ المخلص المجاهد فينا الظّالمين أيّدک الله بنصره الذي أيّد به السلف من أوليائنا الصالحين: إنّه من اتّقي ربّه من إخوانک في الدين، وأخرج ممّا عليه إلي مستحقيه، کان آمناً في الفتنة المبطلة، ومحنها المظلمة المضلّة، ومن بخل منهم بما أعاده الله من نعمته علي من أمره بصلته، فإنه يکون خاسراً بذلک لأولاه وآخرته [15] .

ولو أنّ أشياعنا وفقهم الله لطاعته علي اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخّر عنهم اليمين بلقائنا، ولتعجّلت لهم السعادة بمشاهدتنا علي حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل بنا ممّا نکرهه ولا نؤثره منهم [16] والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوکيل، وصلواته علي سيّدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلّم.

وکتب في غرّة شوّال من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.

نسخة التوقيع باليد العليا صلوات الله علي صاحبها

هذا کتابنا إليک أيّها الوليّ الملهم للحقّ العليّ [17] بإملائنا وخطّ ثقتنا، فأخفه عن کلّ أحد، واطوه واجعل له نسخة تطّلع عليها من تسکن إلي أمانته من أوليائنا، شملهم الله ببرکاتنا إن شاء الله.

الحمد لله والصلاة علي سيّدنا محمّد النبيّ وآله الطاهرين.


پاورقي

[1] لأمر ما کان الإمام المهدي (عليه السلام) يحرص علي أن لا يطلع علي رسائله إلا من يراسلهم، فالسفراء الأربعة لم يطلعوا علي رسائل الإمام المهدي إلا شخصين أو ثلاثة أشخاص فقط من آلاف الناس الذين کانوا يرجعون إليهم خلال ثلاثة أرباع قرن - تقريباُ - وفي هاتين الرسالتين نجد التأکيد علي الشيخ المفيد أن لا يطلع عليهما أحداً، مع أن الرسالة التالية لم تکن بخط الإمام المهدي نفسه، وإنما بخط ثقة من ثقاته.

ويلاحظ: أن النبي (صلّي الله عليه وآله) لم يکتب بيده شيئاً، وقد برره القرآن بقوله: (وما کنت تتلو من قبله من کتاب، ولا تخطه بيمينک، إذن لارتاب المبطلون) سورة العنکبوت، آية 48.

والإمام علي (عليه السلام) رغم تفجر نشاطات في مختلف مجالات الحياة، ورغم أنه کان من کتاب الوحي، کتب عدة کتب بخط يده وباملاء رسول الله (صلّي الله عليه وآله) أو باملاء الملائکة علي فاطمة الزهراء (عليها السلام) بعد وفاة رسول الله ولکن تلک الکتب صارت من تراث الإمامة مع عصا موسي وخاتم سليمان ومزامير داوود ودرع رسول الله وسيف ذي الفقار، يتوارثها الأئمة فيما بينهم ويحرصون علي عدم تسرب شيء منها إلي غيرهم. ورسائله إلي ولاته إمام لم تکن بخط يده، وإما جمعها الأئمة من بعده بطرقهم الخاصة، والنتيجة أنه لم ينتشر خط يده في الناس.

کما لم يحفظشيءمن خطوط سائر الأئمة (عليهم السلام) رغم أنهم کانوا يراسلون کثيراً من أوليائهم، ويجيبون علي رسائل ومسائل تتوارد عليهم من مختلف الأقطار، ورغم أن الرواة کانوا حريصين علي ضبط کل لفتة منهم.

وأما الإمام المهدي نجده - من خلال هاتين الرسالتين - صريحاً في تأکيده عدم انتشار رسائله حتي ولو کانت بخط کاتبه.

إن لذلک سبباً لا نعرفه، وإن کان من الممکن القول بأن الإمام المهدي منع عن انتشار رسائله تعميقاً الغيبة.

[2] يلاحظ أيضاً - من خلال هاتين الرسالتينإلي الشيخ المفيد - أن الإمام المهدي يضع لرسائله مقدمة وخاتمة، وربما يکرر بعض العبارات، وهذا النوع من الضبط من ظواهر من يتقنون إحکام السيطرة علي الأمور بالشکل الذي يرتأون حتي لا يحدث أي خلل فيما يحاولون، ولعل لذلک لم تظهر الصيغ الحرفية الکاملة لرسائل الإمام المهدي إلي نوابه الأربعة وإنما کانوا يکتفون بنقل الفقرات الضرورية منها إلي المراجعين.

وبهذه الصبغة أحکم الإمام المهدي غيبته فلم تعثر أجهزة الحکومات في الدنيا علي أثر له.

وبهذه الصفة يحکم الإمام المهدي سيطرة علي الدنيا، ويضبط حتي الأمور الداخلية لجميع الناس، في عهده بعد الظهور.

ولعل الأمر بکتمان هذه الرسالة کان موقتاً بما قبل تلک الأحداث، وأما بعد انقضائها فلم تکن الدواعي ملحة علي کتمانها، ولذلک أذاعها المفيد ووصلت إلينا.

[3] الاحتجاج - أبو منصور: أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي: ج2 ص324 - 325:

... وورد عليه (الشيخ المفيد) کتاب آخر، من قبله صلوات الله عليه، يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي الحجة، سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، نسخته.

[4] الإمام يقصد نفسه من (عبد الله المرابط في سبيله) کما يقصد المفيد من (مهلهم الحق ودليله).

[5] أي شفعنا مناجاتک، فدعمناها من الموقع الذي نحن فيه.

[6] شمراخ: هو العذق عليه بسر أو عنب. رأس الجبل. أعالي السحاب. والبهماء: المشکلة المبهمة. الصحراء وإذا فسرنا البهماء بالصحراء وفسرنا الشمراخ برأس الجبل يکون المعني أن الإمام اختار مسکنه في قمة جبل في صحراء ومن هناک دعم مناجاة المفيد..

[7] الغماليل: الأمور المستورة المتراکبة.

[8] السباريت: المساکين.

[9] وهذا النص قد يدل علي أن سابيات بعض الشيعة تنعکس علي الإمام فيضطر إلي تغيير بعض أوضاعه السکنية والاجتماعية.

[10] الضحضح: الماء اليسير.

[11] وهذا النص يدل علي أن الشيخ المفيد سيبقي علي اتصال بالإمام بعد تاريخ هذه الرسالة.

[12] تبسل نفوس قوم: توردها الهلکة، واسترهاب المبطلين: تخويفهم، وربما المعني أن جانبي الفتنة من أهل الباطل، فتترک دماراً يفرج به المؤمنون ويحزن المجرمون.

[13] اللوثة - بالضم - الاسترخاء والبطء ومنه. (التأثت راحلته): أبطأت في سيرها، وفي الحديث: (إن النفس قد تلتأث علي صاحبها إذا لم يکن لها من العيش ما تعتمد عليه) المعني قد تضطرب ولم تنبعث مع صاحبها - مجمع البحرين.

ولعل المقصود من (اللوثة): الغيبة، ومن (حرکتنا): الظهور، والحرم المعظم هو المسجد الحرام، فتکون حادثة المسجد الحرام من علامات الظهور.

[14] الحوادث التي وقعت في المسجد الحرام عديدة، فلا نستطيع التأکد من الحادثة التي يعنيها الإمام هنا، فربما عني بها حادثة يوم أول محرم عام 1400 هو ربما عني بها غيرها.

[15] هذا النص عهد من الإمام المهدي (عليه السلام) بأن دفع الحقوق الشرعية ضمان للأمن من المحنة في الدنيا والفتنة في الدين، وأن البخل بها يعرض الدنيا والآخرة للبوار.

ولعل سبب تشديد الإمام المهدي في هذه الرسالة، وفي التوقيع الذي رواه أبو الحسن الأسدي، وفي أجوبته علي أسئلة الحميري وغيره: أن العنصر الاقتصادي أهم العناصر في استمرار الحرکة الدينية - في غيبته - بعد العنصر البشري.

[16] المعني الظاهر لهذه العبارة: أن عدم اجتماع قلوب الشيعة علي الوفاء بالعهد الذي أخذه الله عليهم هو الذي يؤدي إلي تأخير الظهور، ولو اجتمعت قلوب العدد الکافي منهم علي التضحية المخلصة في سبيل الله - بما لا يقل عن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً - يظهر الإمام المهدي (عليه السلام)، ولکن عدم توفر مثل هذا العدد حتي الآن - في المستوي المطلوب - هو الذي أدي إلي بقاء الإمام المهدي (عليه السلام) رهن الغيبة.

ويحتمل أن يکون المعني: أن مشاهدة الإمام علي حق المعرفة يتوقف علي إخلاص القلب للوفاء بالعهد وطهارته من الذنوب. ويضعف هذا الاحتمال: أن کل من يکون مخلص القلب طاهراً من الذنوب يوفق لمشاهدة الإمام عارفاً به، ولو لم يکن علي الأرض إلا إنسان واحد من هذا النوع، ولا يحتاج إلي اجتماع القلوب.

[17] يظهر من هاتين الرسالتين مدي تعظيم الإمام المهدي (عليه السلام) للمخلصين من أوليائه. وقد کان دأب آبائه المهديين، کما قال ضرار لمعاوية ابن أبي سفيان - في وصف الإمام علي (عليه السلام): (... يعظم أهل الدين، ويحب المساکين).

ولعل الإمام المهدي کان يؤدي عملاً تربوياً من خلال مدحه للشيخ المفيد، ليشعره بأنه في هذا المستوي فعليه أن يحرص علي أن يرتفع لا أن ينحدر، والتعظيم يصعد النابهين کما يغر التافهين.