بازگشت

حضارة الإمام المهدي


حضارة کل جيل حصيلة معرفة ذلک الجيل بالحياة، فمعرفة الإنسان بالموجودات تنعکس علي تعامله معها، ومجمل تعامله مع الموجودات حضارته.

وقد أتي علي الإنسان حين من الدهر لم يعرف إلا ظواهر الموجودات فحدد تعامله معها بحدود ظواهرها.

لقد عرف ظواهر الأشجار کما هي، فاتخذ ثمارها طعاماً وأخشابها وقوداً وبيوتاً وسفناً.

وعرف ظواهر الحيوانات کما هي، فاتخذ لحومها طعاماً وجلودها وأصوافها متاعاً، وظهورها مراکب.

وعرف ظواهر الأرض کما هي فاتخذ من الصخور مساکن ومن السهول مزارع، ومن البحار أسماکها ولآلئها.

ونزل عمق الموجودات فاستخرج الحديد سلاحاً ولامة حرب، والذهب والفضة نقداً وزينة.

هذه المعرفة حددت حضارة الإنسان في العهود البدائية.

ثم أتت العهود الحديثة علي الإنسان، فعرف (التحليل والترکيب) من جهة، وعرف، (النسبية العامة) من جهة أخري. أي عرف تجزئة الشيء الواحد لاستخدام بعض جزئياته، وعرف ترکيب الجزئيات المستخلصة من أشياء متعددة، لاستخدامها کشيء، واحد، وإلي جانب ذلک کله عرف قسماً من المعادلات التي تشد الموجودات ببعضها فاکتشف الکهرباء والذرة...

وکانت التکنولوجيا الحديثة. فلم يبق محصوراً في حدود التعامل مع ظواهر الموجودات، وإنما أصبح قادراً علي التعامل مع جزئيات الموجودات، کما هو قادر علي التعامل مع ظواهرها. فاستطاع أن يستخدم النفط - مثلاً - وقوداً، وأن يستخدم مشتقاته في ألوف الأغراض المختلفة. واستطاع أن يستفيد من الشعاع - مثلاً - للإضاءة، وأن يستفيد من مشتقاته لتحقيق آلاف الأهداف المتفاوتة.

فهذه المعرفة حددت حضارة الإنسان في العهود الحديثة.

ويأتي علي الإنسان عهد آخر يعرف فيه جميع الطاقات المتفاعلة في الکون، بما فيها الطاقات الميتافيزيقية کطاقات الجن، والملائکة والشياطين - التي قد لا يؤمن بها الکثيرون في الوقت الحاضر - ويعرف کيفية الاستفادة منها جميعاً، فيستطيع التنقل بين المجرات کما يتنقل اليوم بين أدوار البناية الواحدة ويستطيع اختراق حاجز الزمان والنور کما اخترق اليوم حاجز الصوت، ويستطيع الفرد أن يتعامل مع الموجودات بذات المرونة التي کان يتعامل بها أصحاب المعجزات مع الموجودات. ذلک سيکون عهد المعجزات أو عهد الإمام المهدي (عليه السلام) الذي يفک جميع الرموز، ويعطي للإنسان کل العلم مائة في المائة (مائة حرفاً).

في العهود البدائية کانت تظهر بوادر تکنولوجية فظهر النفط واستخدم عبر أنبوب قائم لا يشتعل أبداً، وظهرت الساعة الآلية وظهرت أشياء أخر لم تکن الذهنية العامة مؤهلة لاستقبالها فرموها بالسحر والجن والشيطان.

ولکن تلک البوادر کانت طلائع عهد هو عهدنا المعاصر.

وفي جميع العهود السابقة ظهرت معجزات لم تکن الذهنية العامة مؤهلة لاستقبالها فرموها بالسحر والجن والشيطان. ولکن تلک البوادر کانت طلائع عهد. هو عهد المعجزات أو عهد الإمام المهدي (عليه السلام) [1] .

بيروت

حسن المهدي الشيرازي


پاورقي

[1] هنا انتهي المؤلف الشهيد (قدس سره) من وضع هذه المقدمة ولم ينته بعد ما أراد إثباته فيها، فهذه المقدمة تعاني من عدم إکمال نتيجة رصاصات الغدر من بعث العراق عصر يوم الجمعة 16 جمادي الثانية 1400 هجرية فإنا لله وإنا إليه راجعون. الناشر.