بازگشت

التعامل مع الکلمات


وقد لوح القرآن الحکيم بشخصيات من الأنبياء والأوصياء کانوا يتعاملون مع الکلمات.

فمثلاً: يحيي النبي (عليه السلام) کان يتعامل مع کلمة واحدة:

(إن الله يبشرک بيحيي مصدقاً بکلمة من الله) [1] .

وآدم (عليه السلام) کان يتعامل مع عدة کلمات:

(فتلقي آدم من ربه کلمات) [2] .

بينما کانت مريم الصديقة (عليها السلام) تتعامل مع جميع الکلمات:

(وصدّقت بکلمات ربها) [3] .

- مع الاحتفاظ بالفواصل البعيدة بين التصديق بالکلمة، وبين تلقي الکلمة، وبين العلم بالکلمة -.

ومن هنا تکون الدرجات التي - لعل - أعلاها العلم بالکلمة.

ولذلک اختلف التعبير القرآني من مورد إلي مورد.

فقال تعالي في شأن الخضر:

(فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً) [4] .

والتنوين في (علماً) ليس تنوين التعظيم، فليس بمعني (علماً جمعاً) بدليل التنکير في (عبداً) و(رحمة).

وقال سبحانه في خصوص آصف بن برخيا:

(قال الذي عنده علم من الکتاب) [5] .

بينما قال - عز من قائل - بالنسبة إلي سيد الأوصياء:

(قل کفي بالله شهيداً بيني وبينکم ومن عنده علم الکتاب) [6] .

ولعل العلم بالکلمة - الذي يساوي إتمام الکلمة - هو الذي يؤدي إلي الولاية الکونية، التي توصّل إليها إبراهيم الخليل بعد أن مرّ بتجارب في نفسه وماله وفي ولده:

(وإذ ابتلي إبراهيم ربّه بکلمات فأتمهن قال إني جاعلک للناس إماماً) [7] .

مع العلم بالفاصل البعيد بين العلم بالکلمة، وبين الکلمة ذاتها.

(فالکلمة) لها فاعليتها الخاصة وقد لا تکون لها القدرة علي التعامل مع بقية الکلمات لأنها من نوعها - حتي لو لم تکن في مستواها.

فيما العالم بالکلمة قد يکون من نوعية أعلي، فيکون في مقدوره التعامل مع مجموعة من الکلمات.

فعيسي ابن مريم (عليهما السلام) لم يکن من سنخ الناس، وإنما کان کلمة من کلمات الله أظهرها الله تعالي في هيکل بشري:

(إنما المسيح عيسي ابن مريم رسول الله وکلمته ألقاها إلي مريم) [8] .

(إذ قالت الملائکة يا مريم إن الله يبشرک بکلمة منه اسمه المسيح عيسي ابن مريم) [9] .

مع ما في الآية الأولي من الحصر بـ(إنما)، وفي الآية الثانية إرجاع ضمير المذکر في (اسمه) إلي (کلمة) باعتبارها طاقة إيجابية، وکذلک تعريف الکلمة لمريم بأن اسمه (المسيح عيسي ابن مريم) کي لا تستغرب أن يکون ابنها کلمة الله.

فکان عيسي ابن مريم (عليهما السلام) کلمة الله، ذات الکلمة، ولذلک کان من أولي العزم، لأن العزم لا يمکن أن ينفصل عن الکلمة.

وکان له نشاط معجزي مذهل منذ أن ألقاه إلي مريم، إلي أن رفعه الله، وکانت له مسلکية شخصية مختلفة عن مسلکية سائر البشر (ومع ذلک) لم يکن نشاطه الرسالي في مستوي نشاط سائر أولي العزم من الأنبياء، من نوح وإبراهيم وموسي ومحمد (عليه وعليهم الصلاة والسلام) حيث کانت رسالاتهم تأسيسية، فيما کانت رسالته تصحيحيّة.

وأما آدم (عليه السلام) فقد کانت مبادئ نفسه عالية جداً،.

يکفي: أنه کان روح الله، أي من القدرة المطلقة مباشرة - علي ضيق في التعبير - فکان لديه الاستعداد الکافي للتعامل مع جميع الأسماء: (وعلّم آدم الأسماء کلها) [10] .

ولکنه کان مثقلاً بجسده الذي جمع الله فيه کل خواص الأرض من (سهلها، وحزنها، وطيبها، وسبخها، وعذبها وأجاجها) کما في الحديث الشريف: فابتلي بخلط مطامح الروح بمطامح الجسد:

(ولقد عهدنا إلي آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً) [11] .

ونتيجة لذلک فقد اختلف مستواه من مستوي التعامل مع (الأسماء کلها) إلي مستوي التعامل مع مجموعة معينة من الکلمات:

(فتلقي آدم من ربه کلمات) [12] .

(وأما) کبار الرسل، وکبار الملائکة فإنهم يتعاملون مع الأسماء التي هي أعلي طبقات الطاقيات، فيتصرفون بها في جميع الخلائق مما هي دون الأسماء.

وهذه درجة فوق المعجزة، وتختص بأصحاب (العصمة الکبري) وهم أصحاب الولاية العامة، الذين يأتون بما يعجز عنه أصحاب الکرامات والمعجزات حتي الملائکة والأنبياء والأوصياء.

وأصحاب (العصمة الکبري) رغم قلة عددهم يشکلون درجات بل لکل واحد منهم مستوي وصلاحيات خاصة به:

(تلک الرسل فضلنا بعضهم علي بعض منهم من کلم الله ورفع بعضهم فوق بعض درجات) [13] .

وسيّدهم وأفضلهم ذلک اليتيم الفقير الذي جاء بما فوق المعجزات، وتحدّي من سوي الله عز وجل فعجزوا عن الردّ عليه.

(قل إن کنتم في ريب مما نزلنا علي عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائکم من دون الله إن کنتم صادقين) [14] .

(أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن کنتم صادقين) [15] .

(أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن کنتم صادقين) [16] .


پاورقي

[1] سورة آل عمران: الآية 39.

[2] سورة البقرة: الآية 37.

[3] سورة التحريم: الآية 12.

[4] سورة الکهف: الآية 65.

[5] سورة النمل: الآية 40.

[6] سورة الرعد: الآية 43.

[7] سورة البقرة: الآية 124.

[8] سورة النساء: الآية 171.

[9] سورة آل عمران: الآية 45.

[10] سورة البقرة: الآية 31.

[11] سورة طه: الآية 115.

[12] سورة البقرة: الآية 37.

[13] البقرة: الآية 253.

[14] سورة يونس: الآية 38.

[15] سورة يونس: الآية 38.

[16] سورة هود: الآية 13.