بازگشت

الامامة و الامام


ج: و(الإمام) هو الذي يؤمر من قبل الله بـ(الولاية التنفيذية) سواء أکان الإمام رسولاً، مثل إبراهيم الخليل الذي خاطبه الله تعالي بقوله: (إني جاعلک للناس إماماً) [1] أو کان نبياً غير رسول، مثل الألوف من الأنبياء الذين لم يصلنا حتي أسماؤهم أو لم يکن نبياً ولا رسولاً بل وصياً لنبي مثل آصف بن برخيا وصي سليمان بن داود، ومثل يوشع بن نون وصي موسي بن عمران.

والأنبياء الأئمة کثيرون سجل القرآن بعضهم مثل إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب الذين قال عنهم: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) [سورة الأنبياء: الآية 73]. والإمامة - مثل الرسالية - صلاحية يخوّلها الله کل من تنسج مواصفاته مع (الولاية التنفيذية).

وقد ظهرت للناس آثار (الرسالية) وصلاحية (الإمامة) من الله حينما خلق الکون وضبطه بکل عوالمه وخلائقه الکثيرة المعقدة بإدارة شاملة محکمة لا تنفلت منها نبضة عصب ولا حبة مطر، ولا هبة نسيم، ولا أدني من ذلک ولا أکبر، وتظهر هذه الإدارة في حرکات المجرات المخيفة، وفي شبکات الريّ المنتشرة في کافة أنحاء ورقة الکرم، وفي المهمات الحساسة التي تؤديها الخلية المجهولة في دماغک، وفي التفاعلات الدقيقة التي تنجزها مليارات الأشعة الفاعلة في الکون.

والناس عندما يجدون البروتين الموجب يدور حول البروتين السالب (کذا) دورة في الثانية، يقولون البروتين الموجب يدور حول البروتين السالب، ولکنهم لا يتساءلون: من الذي يدير هذه حول تلک؟ وعندما يرون حبات المطر تتساقط هنا لا هناک، يقولون: السيول تجتاح هذه المنطقة، والمواشي تموت في تلک المنطقة علي إثر الجفاف، ولا يتساءلون من الذي أسقط المطر هذه المنطقة وحرم منه تلک. وعندما يسمعون بأن فجوات هوائية تحدث هنا بينما هناک يرتفع ضغط الهواء، أو عندما يعرفون مياهاً جوفية هنا، وأطنان الأورانيوم هناک، وحبات ألماس ترقد هناک، يکتفون بالاطلاع عليها والاستفادة منها فحسب، ولا يحاولون التعرف علي الجهاز الإداري الذي يؤدي هذه الأعمال، ولا استيعاب الأسباب التي تنتهي بهذه الترکيبات، تماماً کالبدوي السائح الذي يدخل مدينة متحضرة بلا مترجم ولا دليل فيري الشاشة الصغيرة هنا تتابع عرض مشاهدها، وهناک هوائية جبارة جامدة تحت الشمس والمطر، وهنالک آليات متحرکة تتراکض في خطوط متشابکة من الفجر إلي الفجر، وإلي جانبها غرفة کبيرة تضج بأصوات آلات حديد تتحرک تلقائياً وتعج بالأسلاک متزاحمة متراکبة وفوق البيوت أجسام کبيرة تسبح في الهواء وتزعق بلا انقطاع، وعلي بعض الجدران آلة صماء معلقة يأتي الناس إليها فيرمون النقود في جيبها ويظلون يتکلمون ويضحکون لها وهي لا ترد عليهم. فيذهب إلي نجمة کبيرة مرمية وسط الشارع ليخطفها إلي کوخه فينفضه تيار الکهرباء، ويحاول أن يمرّ الشارع فيصرخ به الرجال، ويريد أن ينام علي الرصيف فيقوده رجال الشرطة إلي موقف، ويدخل المطعم ويختار طعاماً يروق له منظره فلا يستطيع تناوله.

وتماماً کالطفل الذي يجد أسلحة أبيه، فيحاول التعرف عليها والاستفادة منها في أغراضه الطفولية فتنفجر بين يديه، فتدمره وتقضي علي حياته.

لابد أنک رأيت في حياتک مثل ذلک البدوي ومثل هذا الطفل.

بهذا الشکل يتعامل کبار علماء الطبيعيات مع الکون، فيرون الأشياء وکأنها مبعثرة، وکأن کل شيء يتحرک ارتجالياً وبدافع ذاتي بلا هدف ولا وسيلة ولا خطة، لذلک يجهدون أکثر مما ينبغي، ويهدرون طاقات بشرية ومادية هائلة، ثم يستفيدون أقل مما ينبغي.

ويأتي أدلاء الکون ومصادر الوحي، فيقولون: إن الکون کله وحدة مترابطة مشدودة بالأسباب والمسببات، ومسيرة بإرادة شاملة محکمة، فما من حبّة مطر إلا ويأتي بها ملک ليضعها في موضعها المناسب، وما من نطفة إلا ويفصل ملامحها ويخطط جغرافية حياتها وأعمالها ملک، ولا تتحرک ريح ولا موج ولا نجم ولا سحاب إلا ويحرکه ملک وفق خطة حکيمة، ولا تنبض خاطرة في دماغک إلا بوحي ملک أو شيطان.

صحيح أن الله يصمم جميع الأقدار، وأنه يستطيع أن يدير کل العوالم بلا جهاز إداري، ولکن شاء أن يديرها بجهاز إداري، ففي بعض الحديث: (أبي الله أن يجري الأمور إلا بأسبابها) کما أن الله قادر أن يرزق جميع الناس من فوق رؤوسهم ومن تحت أقدامهم بلا سعي ولا حاجة أحد إلي أحد. ولکنه شاء أن يرزق الناس بمساعيهم، وأن يرزق بعضهم ببعض. (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخريا) [سورة الزخرف: الآية 32] وکما أن الله قادر أن يلهم کل واحد من الناس شرائع دينه بلا وسائط، کما ألهم الحيوانات وظائفها بلا وسائط فقال: (وأوحي ربک إلي النحل أن اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون ثم کلي من کل الثمرات فاسلکي سبل ربک ذللاً) [سورة النحل: الآية 68] ولکنه شاء أن يعلمهم شرائعهم بواسطة الأنبياء والأوصياء والعلماء. وکما أن الله قادر علي أن ينزع خصائص الأرض من الناس ليعيشوا کالملائکة، هوايتهم الهدي وشهوتهم العبادة ولکنه شاء أن يتعرضوا للتجربة، حتي يبلغ کلٌّ مداه فقال: (ولو شاء ربک لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين) [سورة هود: الآية 118].

وکما أن الله قادر أن يوجد جميع الأنواع ارتجالاً من لا شيء، ولکنه شاء - بحکمته البالغة التي لم يؤهلنا لاستيعابها - أن تکون سنة الخلق في مسلسلات متوالدة، هکذا شاء الله أن يوکل الکائنات إلي جهاز إداري هرمي - وأن لا ينفذ شيء إلا بعلمه الدقيق وإرادته المباشرة - إلا أن هذا الجهاز موکل بتنفيذ إرادة الله في خلقه. فوظف مجموعات من ملائکته في هذا الجهاز موکل بتنفيذ إرادة الله في خلقه. فوظف مجموعات من ملائکته في هذا الجهاز أسماهم في القرآن بـ(المدبرات أمراً) [سورة النازعات: الآية 5]. وجعل علي کل قسم ملکاً من أعظم ملائکته فوکل (رضوان) بالجنة، ووکل (مالک) بجهنم، ووکل (جبرائيل) بالرسالات والرسل وعقاب المتمردين عليها، ووکل (إسرافيل) بنفخة الصور، ووکل (ميکائيل) بالأرزاق ووکل ملکاً عظيماً اسمه (الروح) بالأقدار، ووکل (عزرائيل) بالأرواح، ووکل ملکاً بالرياح، وملکاً بالبحار، وملکاً بالشمس، وملکاً بالقمر، وملکاً بالأرض، وملکاً بکل سماء من السماوات، وجعل لکل قسم من هذه الأقسام فروعاً، ووظف علي کل فروع ملکاً تتناسب مؤهلاته مع مهمته في تسلسل إداري دقيق [2] ثم جعل فوق الملائکة الموکلين بالأقسام الرئيسية، رجلاً من البشر يمثل قمة الهرم.

وإذا أردنا التشبيه فمن الممکن أن تشبّه الرجل القمة برئيس مجلس الوزراء، وأن تشبّه الملائکة الموکلين بالأقسام الرئيسية بالوزراء، وأن تشبه الفروع الممتدة من کل قسم بالمديريات المتفرعة من کل وزارة والرجل القمة في جهاز الإدارة التنفيذية يطلق عليه لقب (الإمام) ويقال له: صاحب الولاية کما يقال له: صاحب العهد. اقتباساً من قوله تعالي: (... ولقد عهدنا إلي آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً) [سورة طه: الآية 115].

وإلي جانب هذا الجهاز الإداري الشامل الدقيق الذي يتولي الجانب التکويني للکائنات، يوجد جهاز إداري شامل دقيق آخر، يتولي الجانب التشريعي للکائنات فيما أتاح لها الإرادة المستقلة لإتمام التجربة وهذا الجهاز أيضاً جهاز واسع له أقسام عديدة، وعلي کل قسم ملک من أعظم ملائکة الله، ولکل قسم فروع عليها ملائکة تتناسب إمکاناتهم مع مهامهم، وتتوالي قواعده الهرمية، ويکفي لمعرفة مدي سعة هذا الجهاز أن نعلم:

أولاً: أن کل إنسان عليه ملکان يراقبانه ويسجلان تصرفاته حتي النفخة والنأمة أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله، فيوظف به ملکان بالليل من غروب الشمس إلي شروقها، ويوظف به ملکان آخران بالنهار من طلوع الفجر إلي غروب الشمس، فهؤلاء الأربعة إذا ترکوه لا يعودون إليه أبداً، ومعني هذا أنه يوظف کل يوم أربعة من الملائکة بکل فرد.

ثانياً: أن في قلب کل إنسان (لمّتان) أي جماعتان: جماعة من الملائکة تأمره بالخير، وجماعة من الشياطين تأمره بالشرّ، وهنا نقطة الاحتکاک الساخنة بين الملائکة والشياطين وموقف الإنسان أشبه بموقف الحکيم، فإذا مال نحو الشياطين ضعفت کتلة الملائکة، وإذا مال نحو الملائکة ضعفت کتلة الشياطين. ومن هنا يجد الإنسان في داخله نازعة الخير ونازعة الشرّ.

ثالثاً: أن الله يوکل ملائکة عظاماً بالأنبياء والأوصياء وخيار عباده الصالحين لتسديدهم وتأييدهم، کما يوکل بأنبيائه وأوصيائهم ملائکة يعلمونهم، ويخبرونهم عما يريدون الاطلاع عليه من غيب - في حدود صلاحياتهم - وبهذا يفسر قوله تعالي: (عالم الغيب فلا يظهر علي غيبه أحداً إلا من ارتضي من رسول) [سورة الجن: الآية 26]. وقوله عز وجل: (... ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) [سورة البقرة: الآية 225].

رابعاً: أن کل نبي أو وصي يستخدم جماعات من البشر لتحمل أعباء التبليغ، وما قد يترتب عليه من احتکاک يؤدي إلي کفاح.

هذا الجهاز الواسع أيضاً رکبه الله ترکيباً هرمياً، ووکل بکل قسم من أقسامه ملکاً من أعظم ملائکته، ثم جعل فوق الملائکة الموکلين بالأقسام الرئيسية رجلاً من البشر يمثل قمة الهرم، وهذا الرجل يکون نبياً أو وصي نبي منصوص من قبل الله، وتشترط فيه مواصفات تبلغ درجة العصمة، لأن الملائکة معصومون، ولا يمکن أن يقود المعصومين غير معصوم.

وإذا أردنا التشبيه، فمن الممکن أن نشبه الرجل القمة برئيس المجلس التشريعي الأعلي، وأن نشبه الملائکة الموکلين بالأقسام الرئيسية بأعضاء المجلس التشريعي، وأن نشبه الفروع الممتدة من کل قسم بالمديريات المتفرعة من المجلس التشريعي الأعلي، أو بالمجالس، أو باللجان التشريعية الفرعية.

ولا يطلق علي الرجل القمة في جهاز الإدارة التشريعية سوي لقب (الرسول).

وما دمنا شبهنا جهاز الإدارة التنفيذي بمجلس الوزراء، وشبهنا جهاز الإدارة التشريعية بالمجلس التشريعي الأعلي، فلا بد أن نقول: إن أي تشبيه في هذا المجال ليس تشبيهاً حقيقياً، وإنما هو تنظير لمجرد تقريب أصل الفکرة إلي الأذهان، خاصة ونحن - في الأساس - لا نملک المعلومات الکافية في هذا المجال، لأن المستوي الثقافي في فترة نزول القرآن وصدور الحديث ما کان يسمح بإعطاء معلومات کافية في مثل هذا المجال ولا يزال کذلک.


پاورقي

[1] سورة البقرة: الآية 124.

[2] لعل القدماء تلقوا معلومات مشابهة لذلک من الأنبياء، وبسبب انحرافهم عن تعاليم الأنبياء، ومع تفاعل غريزة العبادة بالمعلومات الناقصة أو المشوهة اتجهوا إلي تسمية الملائکة الموکلين بالاقسام التکوينية (آلهة) ثم اتجهوا إلي نحت التماثيل لهم لذلک نجد الشبه بين اختصاصات (آلهة) القداس ومهمات الملائکة الموکلين بالأقسام التکوينية.