الانسان في التجارب المرة
والإنسان طالما آمن بنفسه في ظل فکرة الديموقراطية التي تجعل الشعب صنماً يعبد من دون الله. وکالما اقتنع بأنه يستطيع قيادة نفسه بدون مدد من السماء. وطالما بدأ رحلته التجريبية عبر الأديان والمذاهب والمبادئ والأحزاب وسائر ما قد يطرحه الفکر البشري للتجربة. وکلما استغني بالقيادات البشرية التي يختارها بخبراته، عن القيادات الإنسانية التي تختارها السماء، فعليه أن يکمل الرحلة حتي نهاية المطاف، وأن يجرب کل ما ينتجه الفکر البشري من طرائق ومناهج، وأن يختبر کل أنواع القيادات الفردية والجماعية، وأن يمتحن قدراته من خلال آلاف التجارب والاختبارات التي يمارسها علي مختلف الشعوب في شتي جنبات الأرض.
حتي إذا فشلت تجاربه کافة، وأفلست قياداته جمعاء، فوجد المجاعات تکتسح الجماعات کما تکتسح رياح الخريف أوراق الشجر، ورأي البؤس والشقاء والکآبة في کل الوجوه... عند ذلک يبلغ به اليأس من نفسه مبلغ القنوط، يکفر بکل شيء اسمه فکرة ومبدأ... ويلعن کل شيء اسمه قيادة وقائد... ويحارب کل ما يعبّر عن تأليه الشعب وعصمته... فتنهار الأنظمة والحکومات. وتتخلي الأجهزة الرسمية والهيئات الدولية، وتتفکک الجيوش والتکتلات فيتسابق الأقوياء لنهب الضعفاء ويستأسد الضعفاء للدفاع عن أنفسهم وصيانة حقوقهم، فليجأ کل إلي سلاحه، ولا يطمئن أحد إلي کفاحه، فتعم الفوضي مسلحة بالعلم والآلة بشکل لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية. فتعود البشرية کلها أيد ترفع إلي السماء، وتنقلب الأنفاس دعوات تتسابق إلي الله، وتغدو النظرات توقعات ترقب الأفق البعيد، بانتظار تفجير المعجزة، وإظهار المصلح الموعود، فحينئذ يظهر الإمام المنتظر، ليجد الناس يرددون کلمته قبل أن يقولها هو، ويقضون علي من يريدون مقاومته قبل أن يقضي عليهم هو، فيمشي علي الحرير بلا عثرات.