بازگشت

توقيت الظهور


5 - إن توقيت ظهوره توقيت أکثر من دقيق وأکثر من حکيم، ومن نوع ربما لم يتفق في عمر البشرية کلها بهذا الشکل الحاسم، ولهذا يکون توقيت ظهوره وحده نصف خطته، ولهذا التوقيت أهمية فرضت انتظارها مئات السنين.

ذلک أن الناس في تأرجحهم بين الأديان والمذاهب بحثاً عن الأفضل لا يعتمدون علي الآخرين بمقدار ما يعتمدون علي أنفسهم، ولا يعتمدون حتي علي الغيب بمقدار ما يعتمدون علي أنفسهم - وخاصة من أقنعتهم الديالکتيک بسقوط کل المعادلات، وأوصلتهم القيادات المصلحية والانتهازية إلي حافة اليأس من إخلاص الغير، وإلي التشکيک حتي في الشعارات المخلصة - فإذا قيل لأي فرد: إن الإسلام هو المسلک الوحيد إلي السعادة الفاضلة في الدنيا والآخرة، قد يعترف به لياقة للمجتمع الذي يتظاهر مثله بالإسلام، أو مجاملةً للقائل: أو تقليداً ورثه مع ما ورثه من آبائه من التقاليد وبني عليها تشريفاته الاجتماعية.

ولکنه لا يؤمن به، إيمانه بالضوء الأحمر الذي يوقف سيارته علي مفترق الطريق، أو إيمانه بختم موظف الجمرک الذي يسمح له بتجاوز الحدود، أو إيمانه بالأوراق النقدية التي يتعامل بها علي ما يختار من بضائع وخدمات. فهو يؤمن بالإسلام بمقدار ما دخل في القانون والسياسة والاجتماعيات والکماليات، ولا يؤمن به کقانون يفرض نفسه بقوة البوليس، ولا يؤمن به کسياسة تضمن له مستقبلاً لامعاً.

کنتيجة طبيعية لهذه الازدواجية الناتجة من الاسترخاء الإيماني، تزعجه الحدود الإسلامية التي تمنعه من الاقتحام في بعض المغريات، ولا يجد إيجابيات الإسلام، فلا يشعر بالطمأنينة التي ترکّز نزاوته وهواجسه علي مطامح مشروعة، ولا يلمس السعادة التي يشيعها الإيمان حول المؤمن، ولا يتضح أمامه الخط الأفضل الذي يهدي إليه الإسلام، لأن البناء الناقص أطلال ومواد تثقل ولا تنتج.

ولهذا فالمسلم الناقص الإسلام - وأکثر المسلمين اليوم ناقصو الإسلام - يقبل الإسلام علي تذمر، وهذا التذمر يأخذ أبعاده من خلال تساؤلات مصدرها معاناة، ومن خلال شبهات قواعدها محاولات للبحث عن أعذار تصونه عن لوم المجتمع إذا تحلل من مظهر الإسلام، ومن خلال انتقادات يوجهها إلي أبيه وأمه وسائر المؤمنين الملتزمين الذين يصمهم بالقشريين والمتزمتين والمتطرفين. وقد يعلن هذا التذمر، إذا التقفته کتلة تشجعه أو بديل يعتمد عليه.

ولکنه علي العموم، يجب أن يحافظ علي الإسلام، کمظهر من المظاهر الاجتماعية، طالما لا يکلفه عناءً، فإذا اصطدم بشيء من مصالحه، أو رفع إلي أزمة عاصفة، بادر إلي التحلل منه بلا تردد، وکأنه لا عهد له به.

ويبدو أن هذه الظاهرة کانت تمسح المجتمع في عهد الحسين (عليه السلام)، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء، قلّ الديّانون).

وبما أن البدائل التي طرحت مقابل الإسلام کثيرة من داخل الأمة الإسلامية وخارجها، ابتداءً من عهد الفتوحات الإسلامية التي اعتمدت السيف - لا الإيمان - مدخلاً إلي الإسلام، حيث تقمصت الفلسفة اليونانية أزيائها المناسبة للتغلغل والدس في الأمة، ومروراً بعهودنا التي تسترت فيها الديالکتيک ببراقعها المتنوعة لأداء ذات الدور، وانتهاءً بعهد - ما قبل الظهور - الذي تأخذ فيه الفسفات البشرية أقنعتها وواجهاتها المشکلة للقيام بمهمة تمزيق الأمة من داخلها، وبالفعل أدت إلي انشقاق الأمة طوائف وفرقاً تنبأ الرسول الأعظم (صلّي الله عليه وآله) بأمهاتها يوم قال: (... وستفترق أمتي بعدي ثلاثاً وسبعين فرقة...)... وأما البدائل التي من خارج الأمة في صيغ أديان وفلسفات سابقاً. وفي صيغ أحزاب ومبادئ حالياً، فإحصاؤها يحتاج إلي قاموس يسع مجلدات.