بازگشت

الحضارة و التکتلات


والناس - في القرن العشرين - تمزقوا بفعل عاملين:

1- عامل الحضارة المادية، التي تصاعدت بقوة لتصنيع أکثر مظاهر الحياة حتي بهر وهجها الألباب، فافتتن بها قطاع کبير من الناس، ظانين أنها القمّة النهائية للحياة، فجرفتهم إلي الإلحاد بکل ما وراء المادة.

2- عامل التکتلات الدينية التي تصاعدت بقوة - في تنظيمات رجال الدين وفي تجمعات سياسية - حتي کادت تغطي ثلثي المجتمع، فتجاوب معها قطاع کبير من البشر، قائلين بأن الحضارة المادية لا تعبر إلا عن وجه واحد من وجهي الحياة.

هکذا تمزق الناس بفعل هذين العاملين، فمن کان قريباً من قواعد الحضارة المادية تمسک بمعطياتها واعتبر الدين مرحلة تجاوزها الإنسان، ومن کان قريباً من قواعد التکتلات الدينية تمسک بمعطياتها، واعتبر المادية وسيلة لتجاوز الحياة. أما الأکثرية الساحقة من الناس، فأخذوا بمعطيات الحضارة المادية، لتنعيم الحياة وتسهيلها، متسترين بغطاء رقيق من الإيمان بمجمل الأديان، من الاعتراف بوجود الله، وصحة کتبه وصدق رسله في التبشير بالحياة الآخرة، وأما التفاصيل والفروع فلا يجدون ما يلزمهم بها، وربما لا يجدون من يقنعهم، وقد لا يجدون وازعاً داخلياً يدفعهم إلي الاهتمام بها، وإهمال مباهج الحياة ومشاکلها، فيفضلون الاکتفاء من الدين بتزويد ما يردده المجتمع، وأکثر المجتمعات لا يردد من الدين إلا معطياته المتجاوبة مع المفاهيم المألوفة في الذهنيّة العامة.

وإذا عرفنا أن الذهنية العامة تؤمن بالمألوف بلا محاکمة، وترفض غير المألوف بلا مناقشة، عرفنا لماذا يکون إيمان الناس - غالباً - غطاءً رقيقاً يتسترون به.

من هنا نعرف السبب تهرب الناس - عادة - من الخوض في الحوار حول القضايا الفکرية من الأديان، وفي اتهامها بأنها قضايا ميتافيزيقيّة، أو بأنها قضايا إيمانيّة مجردة لا جدوي منها، وفي محاولة إنکار مردودها، مهما کان مردودها في حياتهم الفردية والاجتماعية.

ومن هذه القضايا:

1- قضية الروح وتطوراتها.

2- قضية الروحانيات غير المحسوسة کالملائکة والجن والشيطان.

3- قضية المعجزات وکيفية صدورها.

4- قضية حکومة الإنسان في سائر المخلوقات.

5- قضية المصلح المنتظر، التي تعبر عن معادلة الخير والشر.

وهذه قضايا طرحتها الأديان، ولها نتائجها الإيجابية الکبيرة.