بازگشت

مناقشة التشکيک


الظاهرة الثانية: وهي ظاهرة التشکيک في مقدرة الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) علي السيطرة العالمية بعد ظهور الأسلحة الحديثة، ويمکن مناقشة هذا التشکيک بما يلي:

1- إن الله وعد بنصرة الإمام المنتظر (عليه السلام) وتمکينه في الأرض، حسب تأويل قوله تعالي: (ونريد أن نمنّ علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمکّن لهم في الأرض...) (سورة القصص: الآية 5 - 6] وحسب تصريح النبي الأکرم (صلّي الله عليه وآله) بقوله: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد، لطول الله ذلک اليوم حتي يظهر رجلاً من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، وکنيته کنيتي، يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً، کما ملئت ظلماً وجوراً). ووعد الله، والله لا يخلف الميعاد، ووعد الله أقوي الضمانات لنجاح الإمام المنتظر في رسالته العالمية، لا بالنسبة إلينا نحن الذين نحاول أن نعرف شيئاً من ذلک التحول الکبير فقط، وإنما حتي بالنسبة إلي الإمام المنتظر نفسه، المکلف بنقل العالم کله من مرحلة الفوضي والمناقضات إلي مرحلة الاستقرار والانسجام.

2- يکفي - في هذا المجال - أن نعلم أن الله ينصر أوليائه الکبار. بالمفاجآت الکبيرة التي ترتبک لها قادة الرأي في العالم، بحيث لا يطيقون التفکير وإذا فکروا لا يستطيعون التدبير، لأن المفاجآت تأتي ساحقة شاملة، لو تکتّل العالم کله في الصف الآخر، لما استطاع المقاومة ولا الصمود.

وتاريخ الأنبياء کلهم أفضل شاهد حيّ، علي أنهم ما کانوا يواجهون التحديات التقليدية التي يستطيعها البشر، لتحديات تقليدية مثلها، حتي يتم التوازن، فترجح الکفة مرة لصالح الأنبياء، وترجح مرة أخري لصالح أعدائهم.

- فکما أن نوح (عليه السلام) فاجأ العالم کله بطوفان اجتاح المعمورة کلها، ولفّ البشرية والحيوانية والنباتية الفاسدة جمعاء، حتي يسمح بالسلالات المفضلة أن تؤسس الحياة البشرية والحيوانية والنباتية من جديد، حتي صاح بأعلي أصواته: (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) [سورة هود: الآية 43].

- وکما أن إبراهيم الخليل (عليه السلام) فاجأ الرأي العام بجعل النار برداً وسلاماً في العراق، وانتصاره العسکري الساحق في الشام، وبناء الکعبة في الحجاز.

- وکما أن داوود فاجأ الدنيا عندما قرض دولة الظلم، وقتل رأسها وقادتها، جالوت وأعوانه، بأحجاره التي سددها الله فلم تخطئ واحدة منها، وأعلن العدالة الواقعية التي لا تعتمد علي الشهود والبينات.

- وکما أن سليمان بن داوود (عليه السلام) فاجأ البشرية کلها، عندما بسط سلطانه علي کل الکائنات، فسخر الجن والإنس، وجعل جيشاً من الوحوش، ومظلة من أجنحة الطيور المحلقة، ووضع عرشه علي الريح، حتي لم يعد علي الأرض إنسان يفکر إلا في تنفيذ أوامره.

- وکما أن يوسف (عليه السلام) قفز قفزته الرائعة من البئر والسجن والعبودية إلي العرش، حتي قال له أخوته الذين أرادوا به کل سوء: (تالله لقد آثرک الله علينا وإن کنّا لخاطئين) [سورة يوسف: الآية 91]. وحتي قالت زليخا التي اتهمته وزجّت به في السجن: (الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين ذلک ليعلم أني لم أخنه بالغيب) [سورة يوسف: الآية 51 - 52].

- وکما أن موسي بن عمران (عليه السلام) طوي تاريخ الفراعنة وجيوشهم في البحر، وأربک العالم الذي استحوذ عليه السحر بتسع آيات بينات، وبعضاه التي تلقف ما يأفکون.

- وکما أن عيسي ابن مريم (عليه السلام) فاجأ الأطباء الأفذاذ ومن ورائهم العقل البشري حتي اليوم، بإبراء الأکمه والأبرص وإحياء الرميم...

- وکما أن الرسول الأعظم (صلّي الله عليه وآله) فاجأ المنکرين جميعاً بالقرآن، وفاجأ الجزيرة العربية بقيادته العسکرية التي صاح بها العباس أمام أبي سفيان - في فتح مکة -: ويلکم لقد جاءکم بما لا قبل لکم به.

هکذا الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) يفاجئ بما لا قبل للعالم به، أما تفاصيل تلک المفاجئة، فتهمه أکثر مما تهمنا، والذي کلفه بتلک المهمة العالمية الضخمة، وفّر له الوسائل المناسبة لأدائها، کما وفّر لمن سبقه من أوليائه العظام، الوسائل المناسبة، لأداء مهماتهم.